الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

المثقفون والفراغ الأيديولوجي

الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013 par أمجد عرار

خلال الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان عام ،1982 ذهب الشاعر أحمد فؤاد نجم إلى هناك وتوجّه إلى قائد فلسطيني طالباً بندقية للمشاركة في القتال . رد القائد الحكيم على نجم بالقول: “نحن بحاجة إلى مقاتلين من الدرجة الأولى، ولسنا بحاجة إلى مقاتل من الدرجة الثالثة مثلك . وفي الوقت ذاته نحن بحاجة إلى شاعر من الدرجة الأولى من أمثالك، إذهب واحمل قلمك فهو سلاحك” . عاد نجم إلى قلمه وقدّم بكلماته وعبر حنجرة الشيخ إمام وعوده مئات الأغاني التي ظن البعض انها حكر على النخبة، فإذا بها تلهب حماس الملايين في ميادين مصر خلال انتفاضة 25 يناير المتواصلة حتى الآن .

عندما نتتبع نهضة أمة لا بد أن نلمس بوضوح دوراً فاعلاً لمثقفيها في هذا النهوض، ذلك أن الثقافة هي سلّم النهضة والمثقفين هم الروافع التي تنقل حياة المجتمعات إلى مستويات أعلى . إن البناء والارتقاء بقضايا الشعوب ومواجهة تحدياتها وحل أزماتها يحتاج إلى تكامل بين الفكر والعمل . وحيث أنه لا ينقص الأمة العربية عاملون مناضلون، فإن سبب تراجعها يكمن في الدور السلبي لمثقفيها، حيث إن معظمهم يطوف بنرجسية حول قلمه، ويشعر بأن ديواناً رديئاً من الشعر يؤهله ليكون قائداً سياسياً .

لقد شهدت حقبة الخمسينات نهضة قومية كان دور المثقفين فيها واضحاً من خلال انخراطهم مباشرة في النضال لمحو آثار تقسيم الوطن العربي . لقد بادر بعضهم، من مواقع الدراسة، لترجمة العصارات الفكرية لكبار واضعي أسس النهضة القومية ومواجهة المشروع الاستعماري . والأمثلة على ذلك أكثر من أن يستوعبها مقال، لكننا لا نجد رابطاً بين ظهور العديد من القوى والحركات القومية والوطنية التي واجهت السياسة الاستعمارية وأدواتها في بلادنا، وبين القيادات القادمة من الوسط الثقافي والأكاديمي .

القوى الاستعمارية أيضاً تقرأ التاريخ والواقع على النحو الذي يخدم مشروعها . وهي بقيادتها البرجوازية لها تجربة في الالتفاف على الصراع الطبقي عبر تقديم الرشى لقيادات العمل النقابي، ونجحت في تحويل نضالات هذه الطبقة في الكثير من البلدان لمصلحة البرجوازية ونقيضاً لمصالح الشعب، من خلال ثلّة ممن يسمّون أصحاب الياقات البيضاء الذين خانوا طبقتهم وشعبهم نظير الرشوة .

لقد فعلت القوى الاستعمارية الشيء ذاته مع كثير من المثقفين البارزين وذوي الحظوة والتأثير، عبر إظهارهم بلباس قومي أو ديني يستقطب شرائح واسعة من الشعب، ومن ثم تركهم يضغطون ببطء على الحقنة كي يبثوا ثقافة التطبيع وترويج مشاريع الاستسلام والاستكانة، وتحويل أعداء الأمة إلى “أصدقاء” ومنقذين .

التحالف بين هؤلاء المثقفين والإعلام الفضائي أنشأ خلايا سرطانية في الوعي العربي . لا يجد بعض المثقفين اليوم حرجاً في تحويل حلف الناتو إلى “المعتصم” مستنجداً به حسم صراعات عربية داخلية .

لم يكن لهذا النوع من المثقفين أن يتجرأ على ذلك لولا تحالفه الموضوعي مع قوى من اليمين واليسار، وبخاصة من قوى الإسلام السياسي التي آثرت وضع يدها مع الغرب، في صفقة تحقّق مصالحه و”إسرائيل”، مقابل الوصول إلى السلطة .

المفكر الراحل مهدي عامل تحدّث عن الفراغ الأيديولوجي في مراحل التغيير، وعن دور الأيديولوجيا السائدة في ملء الفراغ في حالة عدم وجود أيديولوجيا ثورية . من هنا كانت أسلمة التجارب الكفاحية، ليست حالة بريئة، بل لجوءاً للثورة المضادة في سياق إعادة التدوير لأنظمة مستبدة اهترأت وفقدت صلاحيتها، لكن عبر أدوات بثوب جديد يبقي القديم على قدمه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010