الأربعاء 17 نيسان (أبريل) 2013

بيانات ولكن بلا نكهة !

الأربعاء 17 نيسان (أبريل) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

هذه هي الحالة التي آلت إليها في وقتنا الراهن بيانات وتصريحات الحركات والفصائل والقوى الفلسطينية ، فالنكهة والمضمون الوطني الذي تتمناه وتنتظره جماهير شعبنا تدنى وتراجع في هذه البيانات وهذه التصريحات التي عودتنا هذه القوى على إصدارها ، ومن يراجع الصادرعنها خلال السنوات القليلة الماضية سيكتشف وبلا عناء ولا مشقة بأن الكثير منها قد صدروذهب مع الريح ، فالقضية الفلسطينية شئنا أم أبينا لها ما يحكمها ويحدد مسار العلاقة معها ، وهوما يتمثل اساسا في مقاومة العدوالصهيوني ومواجهته على كل الصعد والمستويات عبركل الوسائل والسبل ، والتي يأتي دائما في مقدمتها الكفاح المسلح والذي يفترض أن تقوم على أساساته حياة وديمومة وبقاء هذه القوى من عدمها وغيابها .
من يعود إلى سمات المراحل الذهبية من عمر هذه القوى التي سادت في الستينيات والسبعينيات سيتلمس الفارق بين سمين الأمس وغث اليوم ، فالأرشيف النضالي الوطني لا يزال شاهداً حياً على ما كان يصدر عن المكاتب السياسية واللجان المركزية ، وعلى ما كان ينطق به الأمناء العامون والقادة في خطاباتهم الموجهة إلى جماهيرهم في الداخل والخارج الفلسطيني والعربي ، والذي كان يخرج بأعلى درجات الوضوح التي كان من الممكن أن تتحملها المرحلة ، ولنتذكر ولو قليلا تلك البيانات التي كانت تعج بأسماء الشهداء ، وبعمليات القتال ومقارعة العدو في كل الأماكن والمواقع التي كانت تستطيع الوصول إليها أذرعة المقاومة .
حالنا اليوم يبعث على الحزن والأسى إذا ما إقتربنا من هذه البيانات لنطالع ما تحمله من كلام لا يقدم ولا يؤخر، وقد لا نبالغ إذا ما قلنا بأن الأعضاء المؤطرين ، وأقرب المقربين لهذه القوى قد لا يقدمون على مطالعة فحواها وقراءتها لما فيها من تكرار عبثي فارغ ، ولإبتعادها عن جوهر ومضمون التصدي الفعلي الذي قد يرعب عدونا الصهيوني ويقض مضاجعه ، ومن يبحث عن السبب وراء ذلك فمن الطبيعي أن يجده قابعا في عقول وصدور الذين صاغوها وكتبوها من أولئك المحسوبين كقيادات وكوادرعند هذه الحركات والفصائل .
لقد أصبح أمرا طبيعيا أن ينقضي عام كامل من عمرهذه الثورة وقواها من غير أن نسمع فيه عن فعل نضالي وطني واحد يصيب عدونا في موجع ، في الوقت الذي يجب أن يكون ذلك فعلاً يومياً تتبارى فيه ، ولكن ، وبالمقابل فلا مانع عند هذه القوى من أن تطلق العنان لبياناتها وتصريحاتها التي قد تتحدث عن كل شيء إلا عن مقاومة هذا العدو وما تم تنفيذه فعليا على هذا الصعيد ، بيانات اليوم الخجولة لا تتحدث إلاعن الخلافات والإنقسام والمصالحة ، ولاتتبارى إلا في الحدث عن تشكيل الحكومات والإنتخابات التشريعية والبلدية ، بيانات أصبحت تكتفي بعبارات التضامن والشجب والإدانة لما يتعرض له الشعب من قمع وإجرام على يد هذا العدو الفاشي والعنصري والجبان ، بيانات يكتفي أصحابها بإعلان الوقوف وكشهداء الزور إلى جانب بطولات وإضرابات أسرانا الأبطال الذين قهروا عدوهم بسلاح الأمعاء الخاوية .
هل يجب علينا أن نسترسل أكثر في سرد الأمثلة ؟ لا أعتقد ذلك ، فالميدان أمامنا ، والتغطية على مكامن الضعف هي أشبه بمن يحاول تغطية أشعة الشمس الساطعة بالغربال ، فهل نفذ مخزون الرجولة من بين صفوف هذا الشعب وشبابه ؟ أبداً وألف لا ، أقولها جازماً وبلا تردد ، فهذا الشعب لا يزال على العهد ، ولا يزال قادراً على مواجهة عدوه ، ولكن قياداته وللأسف تواصل جره إلى مستنقعات الخذلان والإحباط تحت عناوين المفاوضات ، والسلام الوهمي ، والمراهنات التي أكل الزمان عليها وشرب ، والتي لم تعود بالنهاية على هذا الشعب بأية نتائج ملموسة بالقياس مع ثوابته الوطنية النابعة من صميم هذا الصراع التناحري مع هذا العدو الذي لا يمكن التعامل معه بغير لغة العنف والقوة والتي لم تعد تفكر فيها هذه القيادات .
قد لا نستثني أحدا من بين الصفوف التي أصابها هذا الداء المنتشر في النفوس التي ضعفت والأجساد التي وهنت ، والبحث عن بارقة الأمل التي يمكن لها أن تعيد هذه الثورة وفصائلها إلى جادة الصواب لم يعد سهلا ، ما لم يُقدم هذا الشعب على تفجير ذاتي لما بداخله من مخزون نضالي وطني مقاوم ، وبحيث يفتح الطريق من جديد أمام كل من لا يزال مؤمنا بمواصلة النضال والقتال ضد هذا العدو المجرم ، وهنا سيكون مضمار التنافس والتباري بهدف النهوض مجددا من الأزمات ومن الكبوة التي وقعت بها هذه القوى المنزوية داخل منظمة التحرير الفلسطينية أو تلك التي تناضل من خارجها .
لم يعد مقبولاً أن ننتظر عدوان العدو الصهيوني على شعبنا حتى نفيق من الغفلة ، وليس من المعقول وبكل الحسابات الوطنية أن تبتعد أيدي المناضلين الأحرار عن بنادقهم لحظة وبعد أن اختبروا عدوهم على كل الصعد والمستويات ، وليس من المنطق أن يتحول فعلنا الوطني إلى عطاء موسمي تحكمه “مناسبة” عند هذا الفصيل أو ذاك ، لذلك فنحن لا نظلمهم إذا ما قلنا لهم خذوا بياناتكم الهشة والضعيفة والفارغة وارحلوا عن ظهر هذا الشعب الذي ما عاد يقبل هذه المتاجرة بقضيته العادلة ، نعم ، لقد آن الأوان لكي تُغلق كل “الدكاكين” التي لم يعد لديها أية بضاعة وطنية صادقة ومخلصة لهذا الشعب ولعذاباته ولجروحه النازفة .
إن على شعبنا ومن بقي من أحراره وشرفاءه أن يختاروا بين تسلط وتحكم هؤلاء في قرارهم الوطني ، وبين المقاومة الوطنية وبكل وسائلها وسبلها والتي تمرسوا عليها عقودا من الزمن ، فالرصاص وزجاجات المولوتوف وإشعال الإطارات وقذف الحجارة والتظاهراليومي وغيرها كلها تناديكم ، فليس لنا من طريق ولا من سبيل يوصلنا إلى فلسطين الحرة والمستقلة غيرها ، وأنتم أصحاب القرار في ذلك ، هذا ما يجب أن تتضمنه بياناتكم التي ستصنع لكم الإنتصارالذي سيكتب بدمائكم الزكية والطاهرة ، أما بياناتهم فلن نحصد من وراءها سوى الفشل تلو الفشل إذا ما ظلت على حالها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165261

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165261 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010