الثلاثاء 16 نيسان (أبريل) 2013

حول استقالة سلام فياض

الثلاثاء 16 نيسان (أبريل) 2013 par منير شفيق

جاء رد الفعل الرسمي الأميركي، والمعلن، على استقالة فياض ليؤكد المؤكد سابقاً، ودائماً، بأن سلام فياض على رأس ممثلي أميركا في السلطة الفلسطينية في رام الله.
فالرجل هبط على السلطة بمظلة أميركية ليلعب في البداية دور الرقيب على ياسر عرفات والضابط لتصرفاته المالية. وقد كان من الكوادر المدربّة في البنك الدولي، بلا تاريخ نضالي في فتح، أو في أي من فصائل المقاومة. بل لم يُسأل أحد من الذين يعرفونه من مرحلة الجامعة إلاّ واعتبره خارج الصف الفلسطيني سياسة وفكراً وموقفاً.
وقد تضاعف الدور الذي يلعبه أميركياً عندما تقلّد، بصورة غير شرعية، ومخالفة للنظام الداخلي، مقاليد رئاسة حكومة رام الله من دون نيل الثقة من قبل المجلس التشريعي إذ كان يكفي أن يعيّنه الرئيس محمود عباس، والمنتهية ولايته بدوره، حتى يبقى على رأس الحكومة، غصباً لأكثر من ست سنوات.
كان الإنجاز الأهم للسيد سلام فياض قد تمثل بالإتفاق الأمني، والمغطى أيضاً من محمود عباس. هذا الإتفاق الأمني كان قد أشرف على صوْغه وترجمته على الأرض توافق أميركي - صهيوني واقتضى أن يتولى تنفيذه الجنرال الأميركي كيث دايتون بكل تفاصيله من أصغر جندي فيه لأعلى رتبة في قيادته.
أما الهدف فكان قمع كل خلايا المقاومة من أية فصيل كانت بما في ذلك من حركة فتح ولا سيما بقايا كتائب شهداء الأقصى. وكان سلام فياض ساهراً مع دايتون على التنفيذ بغطاء محمود عباس وحمايته. علماً أن بناء الأجهزة الأمنية الخاصة بهذا الإتفاق حلّت مكان الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح. بل قامت بتجريد فتح من سلاحها الأمني، كما قامت حكومة فياض باستبعادها عن السلطة وأجهزتها، قدر الإمكان بالطبع.
ولما كان لهذه الأجهزة الأمنية أن تستفحل في قمع المقاومة ونشر جو من الإرهاب الشديد في الضفة الغربية، راح سلام فياض يشكل أنصاراً له من فلول فتح وفصائل م.ت.ف، أو قل من كل من يقبل لنفسه أن يكون فلولاً لفياض وأميركا والإتفاق الأمني حتى لو كان ذلك على حساب الولاء الشكلي لمحمود عباس أو فصيله. فقد حدثت هنا عملية مثابرة وممنهجة في التجنيد وراء سلام فياض. وحدث مثلها من قِبَل بعض الوجوه المجتمعية ممن سهل شراؤها بشكل أو بآخر. ولهذا فإن إزاحة سلام فياض ضرورة بحدّ ذاتها.
فسلام فياض الذي أُقحِمَ في السلطة تحت الراية الأميركية – الأوروبية لمكافحة الفساد أثبت أنه مُفْسِدٌ من الطراز الأول. لأن الفساد والإفساد في السلطة السياسية والأمنية في الضفة شرط تغطية الإستيطان وتهويد القدس والسير في ركاب أميركا وإلاّ فكيف كان من الممكن أن يستشري الإستيطان إلى حد لم يبق من الضفة الغربية غير جزر من الأرض متناثرة، أو أن يستفحل التهويد للقدس وصولاً إلى البلدة القديمة وما حول المقدسات الإسلامية والمسيحية لولا زمر الفاسدين في السلطة والأجهزة الأمنية، والأهم لولا أفكار سلام فياض ومحمود عباس حول المفاوضات والتسوية ونبذ كل مقاومة تحت شعار مناهضة العنف، عدا اختراع ما سمّوه زوراً بـ“المقاومة الشعبية” التي لا تقترب من قوات الإحتلال أو المستوطنين أو في أحسن حالاتها تتظاهر بدعم أهل بلعين في احتجاجاتهم ضدّ الجدار. وذلك ما دام الإحتجاج في جزء معزول فيما الحواجز (“المحاسيم”) والمستوطنات ودوريات قوات الإحتلال ترتع بحماية الأجهزة الأمنية، وتتحرك كما تريد، بما في ذلك في المداهمة والإعتقال وإبقاء سيف الإرهاب مسلطاً على الرقاب.
سلام فياض ومحمود عباس يعلنان حتى بُحّ صوتهما أنهما ضدّ اندلاع انتفاضة شعبية تُواجِه قوات الإحتلال والمستوطنين ولو بالحجارة أو سدّ الطرقات في وجه تحرّكها. فالمسألة هنا لم تعد مغطاة تحت حجّة مناهضة المقاومة المسلحة أو حجّة اتبّاع استراتيجية “مقاومة شعبية”، وإنما هي مسألة حماية قوات الإحتلال والإستيطان حتى من انتفاضة شعبية تتصدّى لقوات الإحتلال والمستوطنين ولو بالصدور العارية والحجارة.
أدّت السياسة التي اتبعتها حكومة سلام فياض وبمباركة أميركية – أوروبية إلى وصول سلطة رام الله إلى حالة التفسخ والإنحلال والعفن، وأصبح الوضع بعمومه لا يطاق في ظل تمادي قوّة الإحتلال واستشراء الإستيطان وتصدّي أيتام دايتون من القوات الأمنية لكل حراك شعبي جاد حتى لو كان اجتماعاً في قاعة مغلقة.
فكان من علامات ذلك ما حدث في أعلى السلطة من صراع بين سلام فياض ومحمود عباس حول الصلاحيات وليس حول السياسة أو التخلي عن السياسات التي أوصلت الأمور إلى التفسّخ والإنحلال مع غضب شعبي عارم على الإحتلال، كما تبدّى في الحراك بعد استشهاد عرفات جرادات تحت التعذيب أو بعد استشهاد القائد ميسرة أبو حمدية في السجن، أو من قبل في التضامن مع المقاومة في قطاع غزة في حرب الثمانية أيام، أو في الإحتجاجات ضدّ سياسات سلام فياض الإقتصادية المدمّرة والمشبوهة.
الخلاف حول الصلاحيات لا السياسات دليل قاطع على التفسّخ والإنحلال والعفن والفشل في أعلى موقعين في السلطة. إنه دليل على فشل تسليم مصير الضفة الغربية والقضية الفلسطينية للرعاية الأميركية والسياسات الأميركية التي هي السياسات الصهيونية في جوهرها. إنه الدليل على فشل سلام فياض السياسي تحت غطاء الخلاف على الصلاحيات كما دليل على فشل سياسة محمود عباس التي غطت سلام فياض على مدى ست سنوات، وقبلها ضدّ ياسر عرفات الذي استشهد بسبب رفضه لتلك السياسات وبسبب دعمه للإنتفاضة الثانية والمقاومة المسلحة.
إن الإنقسام الذي ضرب برأسَيْ سلطة رام الله لا يدلّ على الإنهيار لنظام حكم الضفة الغربية منذ ست سنوات فحسب وإنما يدلّ أيضاً على أن ساعة التغيير قد حانت. والمقصود بالتغيير هنا التغيير في السياسات المتعلقة بالموقف من الإحتلال والمستوطنات وتهويد القدس والقائمة على المهادنة، وتلبية الرغبات الأميركية في التمسّك بانتهاج استراتيجية التفاوض ثم التفاوض إلى أن يتمّ، عملياً، تهويد القدس واستيطان ما شاء نتنياهو استيطانه في الضفة الغربية. وذلك بتبني سياسات تتجّه إلى مواجهة الإحتلال والإستيطان والتهويد، ولا يكون ذلك في ظروف الضفة الغربية إلاّ باستراتيجية الإنتفاضة والمقاومة حتى دحر الإحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس وتحرير كل الأسرى، بلا قيد أو شرط. وبعيداً عما يسمّى حلّ الدولتين التصفوي الكارثي.
بكلمة يجب أن تعود الضفة الغربية والقدس كما عاد قطاع غزة، محرّرتيْن بلا قيود أو شروط. وعندئذ يمكن أن يفتح الوضع الفلسطيني كله، بل العربي والإسلامي، على مشروع تحرير فلسطين كل فلسطين التاريخية.
أما إذا استبدل محمود عباس آخر بفياض، شبهاً له، من حيث الحيلولة دون اندلاع الإنتفاضة فسيظل الوضع ضمن المظلة الأميركية – الصهيونية، وسيمضي الإستيطان، وسيطرة قوات الإحتلال وتهويد القدس بلا رادع إلى أن ينفجر الوضع بانتفاضة تعيد الأمور إلى نصابها.
فلا حلّ صحيحاً وناجعاً إلاّ الإنتفاضة، ولا يَخْدَعَنّ أحد نفسه بأوهام التسوية، أو “مقاومة شعبية” مُفرّغة وشكلية، أو تصحيح أوضاع سلطة في ظل الإحتلال، أم على قلوب أقفالها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010