الاثنين 15 نيسان (أبريل) 2013

كيري ومفاوضات ملء الفراغ

الاثنين 15 نيسان (أبريل) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

كان من المفترض أن يكون المعنى الذي أراده الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة للكيان منذ أسابيع قد وصل إلى كل المعنيين بالأمر، سواء كانوا فلسطينيين أم “إسرائيليين” أم عرباً، لكن تحرك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وزيارته لكل من اسطنبول والقدس ورام الله ثم زيارته المفاجئة وغير المعلنة لبغداد حاول الأمريكيون تسويقها في الاتجاه المضاد، فما أسباب ذلك وماذا تريد واشنطن؟ وهل يمكن فعلاً بدء جولة مفاوضات جديدة ناجحة بين السلطة الفلسطينية وقادة الكيان؟

الرئيس الأمريكي كان حريصاً عند زيارته للكيان أن يؤكد أمرين أو التزامين الأول، أن علاقة الارتباط بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” هي علاقة أبدية، والثاني أن الاعتراف ب”إسرائيل” باعتبارها دولة يهودية أضحى التزاماً أمريكياً لا رجعة فيه . المعنى المباشر لهذين الالتزامين هو إنهاء كل حديث عن أمل بسلام عربي - “إسرائيلي” وإقامة الدولة الفلسطينية المأمولة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 . لأن هذين الالتزامين من الرئيس الأمريكي وضعاه في موضع عتاة قادة اليمين الديني المتطرف في الكيان الذي يخوض الصراع ضد الشعب الفلسطيني من منظور توراتي، ويرى أن كل أرض فلسطين التاريخية أرض يهودية، وهذا يعطي لدعاة الاستيطان رخصة قوية لإكمال تهويد القدس، وهدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم الذي يتم الترويج له الآن إعلامياً بقوة، ولاستكمال ضم كل المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية للكيان، وطرد كل فلسطينيي 48 وتصفية كل أمل في فرض مبدأ حق العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين .

الغريب في الأمر أنه، بعد هذا كله يأتي كيري مجدداً ليزور الكيان ويذهب إلى رام الله ويتظاهر أن هدف هذه الجولة هو السعي لإحياء المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” لكنه لم يوضح أية مفاوضات يريد وحول ماذا؟ لكنه تحدث عن محددات التفاوض التي حصرها فقط بأمرين، أولهما وأهمهما تلبية الحاجات الأمنية ل”إسرائيل” وثانيهما تطلعات الشعب الفلسطيني إلى دولة، وعند لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حاول إغراءه للقبول بالشروع في جولة تفاوض جديدة مقابل الإفراج عن الأموال الفلسطينية بشكل نهائي وعدم احتجازها من قبل “إسرائيل” مرة أخرى، وتوسيع مناطق سيطرة السلطة لاسيما المناطق المصنفة “C” وحرية البناء في المناطق التي تخضع للسيطرة “الإسرائيلية”، (بالضفة الغربية) .

عرض ليست له أية علاقة بالمطالب التي تتمسك بها السلطة التي لم تعد تتحدث نهائياً لا عن حق العودة ولا عن القدس، وما بقي من حقوق الفلسطينيين عند السلطة وتطالب به الكيان هو التوقف عن الاستيطان والإفراج عن الأسرى ووضع خريطة للدولة الفلسطينية، أي وضع خريطة أخرى للكيان بالمقابل، والمقصود هنا هو موضوع الحدود بين الدولة الفلسطينية المقترحة وحدود الكيان، وهو كلام يبتعد كثيراً عن مطلب الانسحاب “الإسرائيلي” الكامل إلى حدود الرابع من يونيو ،1967 ويتضمن استعداداً مسبقاً للقبول بالموقفين “الإسرائيلي” والأمريكي بضرورة أخذ متطلبات الأمن “الإسرائيلي” في الاعتبار ومن ثم الموافقة على تحريك الحدود لتتجاوب مع متطلبات ذلك الأمن وهو ما يراه كيري محدداً أساسياً لأية مفاوضات .

إذا كان الأمر كذلك فسؤال لماذا التفاوض يكون ضرورياً لكشف حقيقة النوايا الأمريكية . فالتفاوض المطلوب هو تجديد دورة استهلاك الوقت وملء الفراغ الراهن حيث لا يوجد صراع حقيقي مع الكيان الصهيوني ولا يوجد أيضاً أمل في سلام، لذلك فإن هذا الفراغ ربما ينذر أو يحفز إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، وهذا ما لا تريده واشنطن في وقت تعد فيه العدة لإعادة هندسة خريطة التحالفات في الشرق الأوسط بعد تسونامي “الثورات العربية” .

وللحقيقة يجب أن نذكر أن الخارجية الأمريكية المتحدثة باسمها فيكتوريا نولاند كانت حريصة على عدم التورط في وعود تتضمن أية نوايا أمريكية جادة لبدء مرحلة حقيقية للسلام، حيث صرحت بأن كيري يرغب في الاستماع “للطرفين (الفلسطيني و”الإسرائيلي” لكي يرى ما يمكن القيام به لاستئناف المفاوضات “الإسرائيلية” الفلسطينية المجمدة منذ سبتمبر 2010” .

ثم إن دعوة أوباما للأمم المتحدة كي تشارك في ما اسماه “الهيئات المتعددة الجنسية” لاحراز تقدم في عملية السلام، تكشف مدى عبث الإدارة الأمريكية بملف الصراع العربي - “الإسرائيلي” .

إذا اعتبرنا التزامات أوباما للكيان هي الالتزامات الحقيقية فيجب أن نفهم بناء على ذلك أن دعوة أوباما للأمم المتحدة هي إعلان أمريكي صريح للتخلي عن مشروع السلام في الشرق الأوسط، وهذا طبيعي جداً في ظل ما سبق أن دعت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس من ضرورة تراجع الصراع العربي - “الإسرائيلي” كمحدد رئيس للعلاقات الإقليمية ضمن ما اسمته ب “الشرق الأوسط الجديد” حيث يجب أن يحل الصراع العربي - الإيراني محل الصراع العربي - “الإسرائيلي”، وأن تحل إيران عدواً للعرب و”الإسرائيليين” .

الواضح أن إدارة أوباما تجدد تعهدها بذلك مع تطويرات أخرى لا ترتكز على محورية الصراع العربي ضد إيران على حساب سيطرة الصراع العربي - “الإسرائيلي”، ولكن ترتكز على أولوية ملفات جديدة تشغل الإدارة الأمريكية أبرزها تكثيف الاهتمامات الأمريكية على تطورات أقليم الشرق الأوسط، وما يحدث الآن مع كوريا الجنوبية مثال على ذلك، ووضع هندسة جديدة للعلاقات الإقليمية تقوم على ثلاثة أولويات هي على الترتيب إيجاد حل سلمي لأزمة البرنامج النووي الإيراني يحول دون تورط واشنطن في حرب لا تريدها لأسباب أمريكية بحثة اقتصادية وعسكرية في ظل استعدادات الانسحاب من أفغانستان، وتقوية لحمة التحالف التركي - “الإسرائيلي” بهدف إيجاد وكيل قوي يمكن الاعتماد عليه لإدارة مصالح أمريكا في الشرق الأوسط والحفاظ عليها، ولعل في زيارة كيري لاسطنبول قبيل وصوله إلى تل أبيب مباشرة ومطالبته القيادة التركية بضرورة التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني يؤكد معالم هذا التوجه، وأخيراً تورط الإخوان المسلمين الذين يحكمون مصر الآن في علاقات تفاوض وشراكة استراتيجية مع “إسرائيل” بهدف تأمين الحدود الجنوبية للكيان من خلال إجراءات عدة أبرزها استمرار وتقوية التنسيق الأمني المصري - “الإسرائيلي” بخصوص سيناء، وقبول مصر بوجود عسكري وتقني أمريكي على أرض سيناء لجعلها منطقة أمن حقيقي للكيان .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165580

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

2165580 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010