السبت 13 نيسان (أبريل) 2013

الأزمة الكورية وشبح الثنائية القطبية

السبت 13 نيسان (أبريل) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

السؤال الكبير الذي يعتبر الخلفية الاستراتيجية للأزمة الكورية وخطر اندلاع حرب نووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة هو: هل يمكن أن تنتهي هذه الأزمة بتدشين الصين قوة عالمية ثانية في مواجهة الولايات المتحدة، وفرض عودة النظام الدولي ثنائي القطبية ولكن بين بكين وواشنطن هذه المرة؟

الكثيرون مشغولون بخطر احتمال حدوث حرب نووية، وعندما تطرح اجتهادات عن كيفية الحيلولة دون تفجر مثل هذه الحرب، تبرز الصين طرفاً دولياً وحيداً قادراً على منع حدوث هذه الحرب، عندها يفرض السؤال التالي نفسه: وكيف يمكن إقناع الصين للقيام بهذا الدور، وضمن أية شروط أو مطالب صينية؟ ومع كثرة الإجابات فإن إجابة واحدة هي التي تفرض نفسها وهي: الاعتراف الأمريكي والعالمي بالصين قطباً عالمياً ثانياً .

هل يمكن أن تكون الأزمة الكورية الحالية هي الباب السحري لدخول الصين عالم القوة القطبية العالمية؟

والإجابة هي: هذا الاحتمال غير مستبعد إذا ما سارت الأمور على النحو الذي تأمله الصين .

فجوهر الأزمة الكورية أن الولايات المتحدة تصرّ على بقاء تراث الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية الأمريكية العام 1950 كما هو، أي منع أي جهود سواء كانت شمالية أو حتى جنوبية لتوحيد الدولتين الكوريتين في دولة كورية موحّدة، أي الإبقاء على واقع التقسيم لشبه الجزيرة الكورية لأن هذا الواقع هو ما يجعل للولايات المتحدة وجوداً أمنياً ونفوذاً سياسياً مسيطراً على كوريا الجنوبية، ويبقي على المعاهدة الدفاعية بين البلدين من دون “أي تغيير”، وهي المعاهدة التي تنص على أن واشنطن ستدخل عسكرياً في حال اندلاع حرب بين الدولتين الكوريتين . والحفاظ الأمريكي على هذه المعاهدة يمنح واشنطن فرصاً ذهبية للوجود القوي والاستراتيجي في مواجهة المنافس الصيني وبجوار الحليف الياباني . الرهان الأمريكي طوال السنوات الماضية منذ عهد رجل كوريا الشمالية القوي كيم إيل سونغ وحتى حفيدة الرئيس الحالي لكوريا الشمالية كيم جونغ أون، هو إسقاط نظام الحكم الشيوعي في بيونغ يانغ، عن طريق دفعه إلى الانغماس في مستنقع الإنفاق العسكري باهظ التكاليف وإرهاقه اقتصادياً لدفع شعبه إلى الثورة عليه، في الوقت الذي أعفت فيه واشنطن حلفاءها في كوريا الجنوبية من تحمل مسؤوليات سياسة إنفاق عسكري لمواجهة “العدو” الشمالي حين تحملت واشنطن هذه المسؤوليات، ومنحت نظام كوريا الجنوبية فرص التقدم الاقتصادي والتكنولوجي لإغراء الشعب في كوريا الشمالية للثورة على نظامه وإسقاطه أملاً في الحصول على ما يحصل عليه أشقاؤهم في الجنوب من حياة رغيدة لا تقارن بأوضاعهم البائسة .

هذا الرهان الأمريكي فشل مرتين، الأولى عندما نجح النظام الشيوعي في الصمود والبقاء على مدى تلك العقود الماضية منذ العام 1951 وحتى الآن بفضل الدعم الصيني، وبقوة بطش النظام المستبد في الداخل، والثانية عندما نجح هذا النظام في امتلاك ترسانة عسكرية قوية وعلى الأخص في مجال الصواريخ البالستية وأخذ يدعم الدول المعادية لواشنطن ببعض هذه الأسلحة، لكنه فعل ما لم يكن متوقعاً عندما دخل عنوة مجال امتلاك الأسلحة النووية، وأجرى ثلاث تجارب ناجحة كانت الأخيرة التي جرت في فبراير/شباط الماضي هي المفجر المباشر للأزمة الحالية المتصاعدة عندما ردت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد بيونغ يانغ، وأكدت أنها لن تسمح بأن تكون كوريا الشمالية دولة نووية، لكن هذه التهديدات ألهبت حماسة الرئيس الكوري الشمالي الشاب .

فقد أعلنت كوريا الشمالية أنها ستقوم “بإعادة تشغيل” كل المنشآت في مجمع يونغبيون النووي، ومن بينها مفاعل كان قد تم إيقافه عن العمل العام ،2007 رغم قرارات الأمم المتحدة التي تحظر عليها أي نشاط نووي . وقبل هذا كانت كوريا الشمالية قد لوحت بتوجيه ضربات عسكرية إلى قواعد عسكرية أمريكية في المحيط الهادي، وأخرى إلى جارتها الجنوبية رداً على ما تعتبره تهديداً عسكرياً لها من واشنطن، وأكملت ذلك بإنهاء الهدنة بينها وبين كوريا الجنوبية وهي الهدنة التي فرضت بعد انتهاء الحرب الكورية العام ،1953 مبررة ذلك بأنها “في حالة حرب” مع بيونغ يانغ . لكن الأمر تطور بعد مبادلة الولايات المتحدة هذه التهديدات بتهديدات مماثلة وحركت إحدى مدمراتها باتجاه الشواطئ الكورية، ووجهت طائرتين من طراز “بي - 52” الاستراتيجية نحو المنطقة، حيث أعلن الجيش الكوري الشمالي أنه حصل على موافقة نهائية لشن ضربات على الولايات المتحدة تشمل إمكان استخدام الأسلحة النووية “المتطورة” . وقال رئيس أركان الجيش في بيان نشرته وكالة أنباء كوريا الشمالية، إنه “يبلغ واشنطن رسمياً أن التهديدات الأمريكية يمكن أن تسحق بوسائل نووية متطورة أصغر وأخف ومتنوعة”، وأن “العملية لا رحمة فيها لقواتنا الثورية، وتمت دراستها بصورة نهائية والمصادقة عليها” .

الأزمة اذاً، تتجه نحو “حافة الهاوية” ونظراً لأن حرباً نووية لم تحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن المرة الوحيدة التي استخدم فيها السلاح النووي كانت من جانب الولايات المتحدة ضد اليابان مع نهاية تلك الحرب في وقت لم تكن هناك أي دولة أخرى في العالم تملك مثل هذه الأسلحة النووية، وأن الأمر تغير جذرياً مع امتلاك الاتحاد السوفييتي السابق السلاح النووي ونجاحه في تحقيق ما عرف ب “توازن الرعب النووي”، بعد تصنيعه الصواريخ البالستية عابرة القارات والقادرة على الوصول إلى أي مكان في الأراضي الأمريكية محملة برؤوس نووية، وبعد ذلك تطور الأمر بعد امتلاك كل من فرنسا ثم بريطانيا ثم الصين الأسلحة النووية، وجرى تأسيس ما أخذ يعرف ب”النادي النووي” أي الدول المالكة للأسلحة النووية، واعتبر أن هذه الدول هي وحدها المصرح لها بامتلاك الأسلحة النووية، عندها تلاشت تماماً فرص حدوث حرب نووية لأن معناها الوحيد هو دمار العالم .

كيف يمكن تدارك هذا الخطر المتجدد الآن؟ وكيف يمكن منع حدوث مواجهة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة؟

الأنظار تتجه الآن إلى الصين فهي وحدها القادرة على نزع فتيل هذه الأزمة، لكنْ، حتماً لديها شروطها التي لم تتحدث عنها بعد .

الولايات المتحدة وفرنسا يناشدان الصين، وكذلك روسيا للتدخل، وهناك قناعة لدى الغرب أن الصين تستطيع إن أرادت، والصين لن تريد إلا إذا حصلت على ضمانات تؤدي إلى نزع قدرة واشنطن على امتلاك وسائل تهديد للصين انطلاقاً من الأراضي الكورية . والحصول على تعهدات من واشنطن بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكوريا الشمالية (حليف الصين)، وإيجاد حل عادل لمشكلة القدرات النووية لكوريا الشمالية .

فالصين حريصة على عدم حدوث مواجهة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بدافع من العواقب الاجتماعية الاقتصادية لهذه الحرب التي قد يعقبها انهيار لكوريا الشمالية، والعبء الذي سوف تتحمله الصين في هذه الحالة .

إذا حصلت الصين على ضمانات حقيقية تجاه كوريا الشمالية وتعهدات عملية أمريكية بذلك، فإنها ستدخل طرفاً، ليس في حل الأزمة الكورية فقط، ولكن في ترتيب معادلة توازن قوى جديدة في المنطقة، ربما تطلق الصين بعدها كقوة عالمية منافسة معترف بها، للولايات المتحدة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165513

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165513 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010