السبت 13 نيسان (أبريل) 2013

مزيد من التعقيد في الأزمة السورية

السبت 13 نيسان (أبريل) 2013 par د. عصام نعمان

الوضع في سوريا معقّد وطريف في آن .

هو معقّد سياسياً بالنظر إلى تعدد الأطراف المتصارعة، وتعدد هوياتها السياسية والمذهبية، وتعدد الرؤى السياسية لما ستكون عليه سوريا، افتراضاً، بعد انتهاء أزمتها المتفاقمة .

هو طريف أمنياً بالنظر إلى تعدد الجيوش المتحاربة، وتعدد رؤاها السياسية، وتعدد نظرة حلفائها إليها وإلى كيفية التعامل معها .

إذا كان النظام السوري واحداً برئيسه ونظامه وجيشه، فإن المعارضة متعددة في أطرافها وهوياتها ورؤاها . فهي تضمُ، أساساً، “المجلس الوطني السوري” المؤلف من شخصيات مستقلة مقيمة في الخارج، ومن قوى سياسية “عريقة” في معارضتها للنظام أبرزها الإخوان المسلمون . غير أن مساعيَ متعددة، عربية وأمريكية وأوروبية، أدت إلى إقامة صيغة ائتلافية لقوى المعارضة السورية أُطلقت عليها تسمية “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، وأسندت رئاسته إلى الشيخ أحمد معاذ الخطيب . ويبدو، ظاهراً على الأقل، أن قيادة “الجيش السوري الحر” بشخص رئيس أركانه اللواء سليم إدريس مرتبطة بقيادة “الائتلاف الوطني” .

إلى التعددية السياسية التي تطبع قوى المعارضة السورية، ثمة تعددية أمنية تطبع قواها العسكرية . ففي حين أن قوى النظام العسكرية موحّدة في الجيش السوري أو خاضعة لقيادته ك”جيش الدفاع الوطني”، فإن القوى العسكرية للمعارضة تتألف من مجموعات مسلحة تحمل مسميات متعددة، لكن أبرزها تنظيمان: “الجيش السوري الحر” و”جبهة النصرة” .

“الجيش السوري الحر” مكوّن من جنود انشقوا عن الجيش النظامي وآخرين مسرّحين منه، كما من مقاتلين أحرار غير منتمين إلى أي من التنظيمات السياسية العاملة . أما “جبهة النصرة” فهي أحد فروع تنظيم “القاعدة” وتضم مجاميع من المقاتلين الإسلاميين السلفيين . وفي رسالة مسجلة أوردتها مواقع “جهادية” على شبكة الإنترنت، قال زعيم تنظيم “القاعدة” العراقي أبوبكر البغدادي: “آن الأوان لنعلن أمام أهل الشام والعالم بأسره أن “جبهة النصرة” ما هي إلاّ امتداد ل”دولة العراق الإسلامية” وجزء منها” . أعلن أيضاً “إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية واسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد هو “الدولة الإسلامية في العراق والشام” . أضاف: “نمدّ أيدينا وقلوبنا واسعةً للفصائل المجاهدة في سبيل الله والعشائر الأبية في أرض الشام على أن تكون كلمة الله هي العليا وتحكم البلاد والعباد بأحكام الله تعالى من دون أن يكون لغير الله تعالى أي نصيب في الحكم” . وكان الدكتور أيمن الظاهري قد دعا أهل الشام قبل نحو أسبوع إلى الجهاد والاتحاد من أجل إسقاط النظام السوري وإقامة دولة الخلافة .

“الجيش السوري الحر” حرص على التمايز عن “القاعدة” . منسقه الإعلامي والسياسي لؤي مقداد أعلن: “جبهة النصرة لا تتبع الجيش الحر ولا قرار على مستوى القيادة بالتنسيق معها”، وشدّد على أنه لا “يحق لنا أو لأحد أن يفرض أي شكل من أشكال الدولة على السوريين” . ختم متمنياً “لو يكون تسليح الجيش الحر وتجهيزه وتمويله كافياً كي يستغني عن أي طرف آخر” .

“الجيش الحر” لا يستغني حتى الآن عن جبهة النصرة بدليل اعتراف المقداد بأنه “يحصل أحياناً تعاون (مع النصرة) بحكم الأمر الواقع . العمليات المشتركة تنفذ بقرار ميداني من فصائل على الأرض، وهي نوع من التعاون التكتيكي والموضعي” .

هذا التعاون لا يروق لحلفاء المعارضة السورية، ولاسيما الأمريكيين والأوروبيين الذين يشددون على أن أحد أبرز أسباب امتناعهم حتى الآن عن تزويد المعارضة بالسلاح خوفُهم من وقوع هذا السلاح في أيدي المسلحين الإسلاميين المتطرفين المعادين إجمالاً للغرب .

“إسرائيل” لا تشارك مسؤولي الغرب الأطلسي تحفظهم تجاه “القاعدة” والتنظيمات الموالية لها . ذلك أن رئيس الطاقم السياسي - الأمني في وزارة الدفاع “الإسرائيلية” اللواء عاموس غلعاد أكّد تفضيل حكومته تنظيم “القاعدة” في سوريا على نظام الأسد “ومحور الشر” . قال في مقابلة مع موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” (9-4-2013) إنه “حتى لو تفككت سوريا إلى أجزاء مختلفة، وحتى لو أدى هذا التفكك إلى استقرار تنظيم “القاعدة” في هذه الدولة، إلاّ أن “إسرائيل” تفضل ذلك على بقاء نظام الرئيس الأسد لأن محور الشر (تحالف إيران وسوريا وحزب الله) مخيف” .

ما يقلق حلفاء المعارضة السورية ليس تعاظم دور القوى الإسلامية المتطرفة في الحرب ضد النظام السوري فحسب، بل أيضاً كيفية تزويد “الجيش الحر” وسائر الفصائل المتعاونة معه بالسلاح من دون وقوعه في أيدي “جبهة النصرة” وأنصارها . لعل هذا الموضوع تحديداً كان محور اجتماع وزراء خارجية الدول الثماني الداعمة للمعارضة في لندن مؤخراً .

رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي تخوّفَ من احتمال “دخول سوريا في نزاع مستمر، حيث يجد النظام نفسه ولعقود في مواجهة عصيان مسلح” . قال إن الوضع الميداني، إلى كونه مأسوياً، هو من أكثر الأوضاع تعقيداً التي رآها في حياته، وذلك في إشارة إلى تعدد القوى المتصارعة ودور القوى الخارجية في الصراع ووجود الأسلحة الكيميائية، إلى وجود عناصر معارضة مسلحة تتناقض مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة مثل تنظيم “القاعدة” الذي صنّفته واشنطن تنظيماً إرهابياً .

وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ اعتبر أزمة سوريا “أضخم كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين”، فإن وزير خارجية أمريكا جون كيري ما زال يعتقد أن القضية الأهم هي “مناقشة الوسائل المختلفة التي يمكن أن تؤدي إلى التأثير في حسابات الرئيس الأسد بالنسبة إلى التطورات في ساحة المعركة” . قال أيضاً إنه والرئيس باراك أوباما يفضلان الحل السياسي، إلاّ أن ذلك لن يكون ممكناً “إذا استمر الرئيس الأسد في رفضه نقل السلطات” .

في هذه الأثناء تتحدث قيادة الجيش السوري عن تقدم أحرزه الجيش في مناطق حلب ودير الزور وداريا والغوطة الشرقية . هذا التقدم الميداني لن يؤدي إلى “التأثير في حسابات الرئيس الأسد”، كما يتمنى كيري . لعله يحمله على التصلب والمزيد من المواجهة، لكن، لنفترض جدلاً أنه قرر إعادة النظر في حساباته باتجاه عقد طاولة حوار وطني مع المعارضة والموافقة على نقل السلطات، فإلى من ينقلها؟ إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة”؟ أم إلى “الجيش السوري الحر”؟ أم إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”؟

ترى، هل تقوم دول الغرب الأطلسي بتزويد “الجيش الحر” وحلفائه بأسلحة نوعية لمواجهة محاولات سيطرة “القاعدة” على الساحة السورية؟

ترى، هل يجد تنظيم “القاعدة” نفسه، في نهاية المطاف، بين ناري الجيش السوري و”الجيش الحر”؟

هل هذه وصفة الغرب الأطلسي لتجميع الإسلاميين “الإرهابيين” وتصفيتهم والخلاص منهم، واستنزاف سوريا دولة وشعباً في آن؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010