الجمعة 12 نيسان (أبريل) 2013

“رومانسية” الثوار و“واقعية” الساسة

الجمعة 12 نيسان (أبريل) 2013 par نواف أبو الهيجاء

وصف الثائر الراحل أرنستو تشي جيفارا بكونه (ثائرا رومانسيا). ترك الكرسي السلطوي واتبع قلبه الذي أرسله إلى أحراش بوليفيا لقيادة ثورة فلقي مصرعه. لكن جيفارا وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على مصرعه ما زال علامة مضيئة أمام الثوار في العالم كله. صوره ليست على القمصان فحسب، بل وفي القلوب أيضا. الفلسطينيون الذين ثاروا على واقع اللجوء والتشرد في بداية العام 1965 ـ من حركة فتح ـ كانوا يريدون العودة إلى فلسطين التي أقام عليها الصهاينة كيانهم في العام 1948. لم تكن الضفة الغربية ولا قطاع غزة قد تم احتلالهما في ذلك الوقت. وبعد عامين ونصف العام من اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة وقعت نكسة يونيو ـ حزيران سنة 67.
ظل الخلاف محتدما بين من يريد تحرير كامل الثرى الفلسطيني ـ من رفح للناقورة ـ وبين من يمكن أن يقبل بأقل من 15% من كامل الثرى الوطني الفلسطيني. دخلت المقاومة في الأتون السياسي وقبلت بالانخراط في العملية التفاوضية بعد أربعة عقود من الثورة. كانت النتيجة أن أبرمت اتفاقية أوسلو بين المحتلين ومن فاوضهم برعاية أميركية؛ أي تم قبول قيام دولة فلسطينية في أرض تم احتلالها في العام 67 وقيام دولة إسرائيل. في مقابل ذلك كان الاحتلال يفاوض ويلتهم الأرض في الضفة الغربية ويجد نفسه مرغما على الانسحاب من قطاع غزة تحت وابل ضربات الثوار الذين كانوا يتبعون قلوبهم .. ولم يغادروا عقولهم. قبل سبع سنوات جرت انتخابات فلسطينية محض الفلسطينيون خلالها تأييدهم لمن ظل حاملا بندقيته ومؤمنا بمبادئ الثورة. هكذا صعدت حماس وعلى حساب فتح.
بيد أن الأمر لم يرق للواقعيين من السلطويين؛ هكذا وقع الانقسام. في الحقيقة كان الانقسام بين حالم بكل فلسطين من بحرها للنهر ومن يتصرف على وفق معطيات وإمكانات ما تقوله الوقائع. السياسة في نظر السياسيين هي فن الممكن. في نظر الثوار السياسة هي كيفية قيادة الناس نحو عالم أفضل.
اليوم ازداد الانقسام بين من يتبع (سياسة الواقعية)، وبين من يؤمن بقلبه الذي تقول نبضاته (كل فلسطين).
المعركة محتدمة فلسطينيا بين رومانسية الثوار وواقعية الساسة. والشعب الفلسطيني مضطر إلى الانقسام بين العقل والقلب، لا بل ما يجب عمله هو الجمع ما بين القلب والعقل. اتبع قلبك ولا تنس عقلك. ماذا كانت نتيجة السير في طريق الواقعية السياسية سوى فقدان 87% من أراضي الضفة الغربية لصالح المستوطنين والقوات المحتلة؟ ماذا كان وراء قبول حل الدولتين إلا ضياع البوصلة المؤدية للتحرير الكامل والشامل لفلسطين وإرجاعها إلى أصلها قضية عربية بامتياز، لا أن تصبح نزاعا (فلسطينيا إسرائيليا) كما يحاول رواد الواقعية السياسية أن يحولوها. هي قضية عربية وإنسانية بامتياز، وهي قضية المسلمين في العالم أيضا.
اليوم يحاول الساسة الواقعيون أن يحولوا مجرى مسار الرومانسية الثورية الفلسطينية، فتكون النتيجة وليدا هجينا أشوه يتيما يقبع في حضن الاحتلال إن مونه الاحتلال عاش، وإن قطع عنه التموين مات.
أليست أحلام الثوار أكثر واقعية مع الواقع؟ أليست هي فن التعامل مع الواقع واحتواءه ثم الثورة عليه حين يكون فاسدا ومرفوضا؟
الواقعية الفلسطينية تحارب سلاح المقاوم في الضفة، وتعتبر المقاوم حامل السلاح مرتكبا لجناية أمنية وتنزع عنه صفة الثائر السياسي. هل هذا ما قدم الآلاف من أبنائنا أرواحهم على دربه؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010