الأحد 7 نيسان (أبريل) 2013

الاختلال الفلسطيني

الأحد 7 نيسان (أبريل) 2013 par هاشم عبد العزيز

فيما كانت سلطات الاحتلال الصهيوني تواجه الفعاليات الفلسطينية من مسيرات ومهرجانات وتظاهرات لمناسبة يوم الأرض، بالإجراءات القمعية وبالمصادمات والمطاردات والاعتقالات وإصدار قوانين ضم الأراضي الفلسطينية وبخاصة في الضفة الغربية . وبينما كان الكيان الصهيوني يرد على إعلان “حماية” القدس بدفع المستوطنين إلى استباحة الحرم القدسي بحماية قوات الاحتلال، كانت حركتا “فتح” و”حماس” تتبادلان الاتهامات في شأن عرقلة المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي الذي تداعى إلى هذا المشهد المؤسف والمؤلم .

نعم، هذه الحالة الاتهامية تعود إلى ما قبل وقوع الانقسام، وهي كانت متبادلة على نحو مبتذل في فبراير/شباط الماضي، ما أدى إلى توقف اللقاءات المعنية بالوقوف على الخطوات العملية لبدء تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية .

المستجد بالمقارنة إلى ما كان يجري من جهود لاحتواء الانزلاق إلى المتاهة الاتهامية الإعلامية، والمستجد أن أياً من الطرفين لم يبادر منذ فبراير/شباط إلى استعادة زمام العمل لتنفيذ اتفاق المصالحة .

ومع أن كليهما التقى على الترحيب بمبادرة عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة تعنى بقضية إنهاء الانقسام الفلسطيني، إلا أن هذا اللقاء بات في افتراق طروحات، كما لو أنها تلغي ما كان قد تم الاتفاق عليه، وهذا لا يمكن تفسيره بالأسقف السياسية وإنما بالاحتكام إلى الوضع الانقسامي بمردوداته على أطرافه في الضفة من جهة، وفي غزة من جهة ثانية .

رحبت “فتح” و”حماس” بالمبادرة، لكن لكل منهما رؤيته، ف”حماس” ثمنت المبادرة وأعلنت ترحيبها، و”فتح” رحبت هي الأخرى بالمبادرة، ووصفتها بأنها محل تقدير لكل جهد عربي يصب في اتجاه الدعم والمساعدة لإنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني .

الاختلاف أن “حماس” بدت في حالة استعداد للمشاركة في القمة بوفد يمثلها، فيما “فتح” والسلطة الفلسطينية وعلى لسان رئيسها أكدت وحدة تمثيل الفلسطينيين في هذه القمة .

الإشكالية ليست في الموقف المختلف من المشاركة في القمة المصغرة فقط، بل هي تعود إلى ما هو أعمق، وهذا ما تعبر عنه الاتهامات المتبادلة، ف”فتح” تتهم “حماس” ب”الاستقواء” بأطراف خارجية، وهي تشير إلى أن “حماس” بعد “استيلائها” على غزة تسعى إلى تمثيل الفلسطينيين، في المقابل تتهم “حماس” حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية بعدم الجدية في العمل لتحقيق المصالحة، فيما تقول “ حماس” إن عباس رضخ للضغوط الأمريكية ومصادرها تذكر الهبة المالية الأمريكية للسلطة التي قدمها الرئيس الأمريكي، وتشير إلى أن أوباما في أثناء لقائه عباس كال الاتهامات الباطلة ل”حماس” وكان كريماً في مديحه للسلطة .

لسنا بصدد هذه الضجة، ولكن لنبدأ من حيث الخلاف على القمة المصغرة، ف “حماس” ترى أن القمة من شأنها الوقوف أمام من يعرقل العمل على إنهاء الانقسام، وهي من خلال تصريح ناطقها في غزة أشارت إلى أنها تجد في القمة فرصة لإعادة طرح بعض مطالبها التي لم تتمكن من حصولها على اتفاقات، ومن ذلك أن تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية والخاصة بالمجلس الوطني الفلسطيني رزمة واحدة .

في المقابل لا ترفض السلطة القمة، لكنها أعلنت رفضها المشاركة في حال ألا يكون التمثيل الفلسطيني في القمة بوفد واحد، لأن من شأن غير ذلك أن يكرس الانقسام الفلسطيني، وبموقف عربي كهذا، قد يصير مفتوحاً على إعادة مواجهة الانقسام من مترتباته لا من أسبابه .

أما حركة “فتح” فمع أنها أشادت بهذا الاهتمام العربي، لكنها ترى أن الأمور لا تستدعي عقد قمة عربية، لأن الاتفاقات بينها وبين “حماس” استوعبت كل القضايا التي من شأنها فتح أفق وطني فلسطيني للمستقبل يقوم على الوحدة، وأن ما يعوز هذه الاتفاقات تحولها إلى التطبيق، والدور العربي المطلوب في الدعم والدفع بهذه العملية يمكن أن يكون من خلال آلية عملية للجامعة العربية يناط بها مراقبة تنفيذ اتفاقات المصالحة الفلسطينية .

من الواضح أن الطرفين على خلاف في شأن القمة، وهذا لا يحتاج إلى تفسير، غير أن هذا التطور ليس وحده الحاضر في الشأن الفلسطيني وفي مشروعات متعددة، من هذه التطورات كان توقيع الملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في العاصمة الأردنية عمان مطلع الأسبوع الماضي على اتفاقية وصفتها المصادر الأردنية ب “التاريخية” لرعاية مدينة القدس والأماكن المقدسة فيها و”المحافظة عليها” .

الاتفاقية التي وصفتها وسائط إعلامية عدة ب “المفاجئة” تعيد تأكيد الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس، والهدف الأردني الفلسطيني الموحد في الدفاع عن هذه المدينة باعتبارها مدينة مقدسة و”مباركة لأتباع الديانات السماوية” .

ما كان لافتاً ومثار اهتمام الوسائط الإعلامية أن توقيع الاتفاقية حصل بعد تجاذبات وحوارات وتسريبات عن مشاورات وراء الكواليس بين الأردن والسلطة الفلسطينية تحت عنوان “البحث في المشروع الكونفيدرالي، بعد حصول فلسطين على شرعية دولة عضو في المجتمع الدولي” .

المشروع على هذا النحو ليس الوحيد، هناك مشاريع أخرى أحدها أن يتم إنهاء الانقسام من خلال الكونفيدرالية بين إقليمين، الأول في الضفة والثاني في غزة، وإلى هذا وذاك هناك المشروع الصهيوني المعروف ب”الحل الإسرائيلي” وبناء عليه تعود الأوضاع في الضفة إلى الرعاية الأردنية، وغزة إلى الحماية المصرية من دون أن يعني هذا العودة الصهيونية إلى حدود 1967 وإزالة التجمعات الاستيطانية وضم الأراضي التي أجهزت على أغلبية الأراضي الفلسطينية .

المفارقة شاخصة بين ما يعيشه الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال وبين الانزلاق الناجم عن الانقسام، والباعث على شهية كهذه بمشاريع في لعبة عجيبة، فطرفا الانقسام السياسي يلتقيان بمشاريعهم على بقائه بدلاً من أن تكون مواجهته هي الأولوية، وفي الراهن الفلسطيني حيث العربدة والجرائم الصهيونية تطال كل ما هو فلسطيني، يبدو مشروعَا الفيدرالية للمنقسمَين في مشهد بائس، الأول في هروب من مواجهة المسؤولية الوطنية، والثاني في استثمار كارثة الانقسام ذاته، والاتجاه هكذا يصير إلى سياسة تصفية القضية الفلسطينية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165452

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165452 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010