الأحد 7 نيسان (أبريل) 2013

وحدة سوريا مهددة

الأحد 7 نيسان (أبريل) 2013 par علي جرادات

ثمة كثير من الحقيقة في قول إن أزمة سوريا قد انتقلت من صراع فيها إلى صراع عليها، فسوريا بعد عامين من هذا الصراع التدميري الاستنزافي تحولت من لاعب إلى ملعب . وفي هذا ما يجيز التحذير من أن وحدة سوريا الدولة قد صارت مهددة بالتفكك أو بالتحول إلى دولة فاشلة أو حتى بالانقسام إلى دويلات، سواء بصورة مموهة كما حصل في العراق، أو بصورة فعلية كما حدث في السودان، أو بصورة مفتوحة على كل الاحتمالات، كما هو واقع ليبيا اليوم . هذا من دون أن ننسى أن كل ما تقدم يشكل هدفاً استراتيجياً ثابتاً للسياسة الأمريكية “الإسرائيلية” بما لها من حلفاء ونفوذ في العالم .

وتشير تصريحات قادة “إسرائيل” العلنية عن نية احتلال المزيد من الأراضي السورية لإقامة منطقة عازلة داخلها إلى ما يخططون له، بمعزل عن متى وأين وكيف يتم التنفيذ ارتباطاً بمآل تطورات الأزمة السورية . وفي السياق ذاته يندرج القرار المفاجئ والسريع بإنهاء التوتر “الإسرائيلي” التركي من خلال محادثة هاتفية رتبها أوباما بين نتنياهو وأردوغان قدم فيها الأول اعتذاره للثاني عن ضحايا “السفينة مرمرة”، وأبدى استعداد حكومته تقديم التعويض لعائلاتهم، علماً أن هذا كان متاحاً منذ بداية التوتر، بينما لم يخفِ نتنياهو والأوساط السياسية والإعلامية “الإسرائيلية” حقيقة أن توقيت اتخاذ هذا القرار يرتبط بتطورات الأزمة السورية، أي بما تخطط له “إسرائيل” بدعم أمريكي، لا تجاه ملف سوريا، فحسب، إنما تجاه ملف المقاومة اللبنانية، أيضاً، بحسبان أنهما ملف واحد في الواقع .

وأكثر من ذلك، فإنه ليس في عداد التطير القول: إن استبعاد الحل السياسي للأزمة السورية لن يفضي إلا إلى احتدام الصراع الناجم عنها، وإلى توسيع وتعميق تمدده إلى محيطها العربي والإقليمي عموماً، وإلى لبنان والعراق، خصوصاً . وهذا إذا حدث، فإن دول المشرق العربي كافة ستكون أمام كارثة التفتيت وفقاً لمسطرة ما في مجتمعاتها من تنوع ديني وطائفي ومذهبي وإثني وقومي . فهذه الخصوصية هي، وإن كانت مصدر غنى وثراء حضاري، فإنها كانت، ولاتزال، مجال استعمال لم ينقطع لمخططات المستعمرين الغربيين، (مع ربيبتهم “إسرائيل” بالطبع)، وعملهم على تكريس تقسيم الوطن العربي، وعلى تفتيت أقطاره بهدف إحكام السيطرة عليها، وما سياسة “الفوضى الخلاقة” سوى آخر تجليات هذه الاستراتيجية الاستعمارية ثابتة الهدف متغيرة الوسائل والأدوات والذرائع . لذلك كله فإنه سواء بالنية كان أو بالنتيجة أو بهما معاً، تنطوي خطوة تشكيل حكومة سورية معارضة تدير “المناطق المحررة”، على تقسيم سوريا الدولة . وهذا ما يفسِّر التوافق الموضوعي بين النظام وأجنحة المعارضة الوطنية الديمقراطية على رفض هذه الخطوة التي رفضها أيضاً “الجيش الحر” ورئيس “الائتلاف الوطني” المعارض والعديد من شخصياته البارزة التي جمدت عضويتها فيه، متهمة “الإخوان”، (صراحة وعلناً)، بمحاولة استغلال تطورات الأزمة السورية للتفرد بالقرار السياسي للمعارضة رغم ما ينتجه ذلك من استقطاب متعدد الأبعاد والأوجه بين أطرافها . وهو ما يزيد طين الأزمة السورية بلة .

إذاً، هنالك مسؤولية وطنية تفرض على جماعة “الإخوان” مراجعة مواقفها قبل فوات الأوان، إذ لئن كان ثمة خطر يحيق بمصر الدولة بسبب الاستقطاب الفكري والسياسي والمجتمعي الذي أنتجته مواقف الجماعة تجاه انتفاضة الشعب المصري، فإن الخطر الذي تنطوي عليه مواقفها تجاه الأزمة السورية هو خطر أكثر كارثية . أما لماذا؟ فلأن “الإخوان” يريدون السيطرة على سلطة الدولة السورية ليس فقط قبل إسقاط نظامها، إنما أيضاً من دون ضمان عدم تقسيمها، وفي أقله من دون ضمان إنهاء صراع يهدد وحدتها ولم يستطع أي من طرفيه حسمه لمصلحته رغم مرور عامين على نشوبه، وذلك ليس فقط ارتباطاً بما للنظام السوري من تحالفات إقليمية ودولية، وبما لايزال يحظى به من قاعدة شعبية، وبما تظهره مؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية من تماسك حتى الآن، بل أيضاً ارتباطاً ببنية ومضمون المعارضة بما لها وعليها . وقبل هذا وذاك ارتباطاً بما لسوريا الموقع والدور من أهمية في الواقع الجيو سياسي، عربياً وإقليمياً ودولياً، وفي شقه المتعلق بالصراع العربي “الإسرائيلي”، تحديداً، ما يجعل صراع الأزمة السورية غير قابل للتوقف لا في حال إطاحة عناصر أساسية في رأس النظام بالقوة العسكرية، ولا في حال استمرار ما يحققه النظام حتى الآن من تفوق ميداني . بل وأكثر من ذلك، فإن إطاحة النظام السوري أو رأسه عسكرياً لن تنتج أمناً ولا استقراراً ولا ديمقراطية وحريات ولا استقلالاً وطنياً وتنمية، والدليل هو مشهد العراق على هذه المستويات كافة، رغم مرور عشر سنوات على إطاحة نظامه وتفكيك جيشه بالغزو الأمريكي الذي على ظهر دباباته جاء حكام العراق “الجدد” شكلاً والطائفيون والمذهبيون في مضمون نظامهم مع كل ما أفضى إليه من حالات التقتيل والتذبيح والتدمير والتخريب التي ما انفك الشعب العراقي يعاني ويلاتها حتى اليوم ومن دون أمل منظور في وقفها .

لكن يبدو أن جماعة “الإخوان المسلمين” في غير وارد التعلم مما حدث في العراق وليبيا والسودان، بل، ولا حتى من تراجع شعبيتها وعدم استقرار سلطتها في مصر بفعل عقلها السلطوي الاستحواذي الإقصائي . إذ ها هو الفرع السوري للجماعة يستعجل فك عرى علاقته بالحركات الثورية والقوى السياسية الوطنية السورية حتى قبل إسقاط النظام أو إطاحة رأسه، بل والدخول معها في صراع يشبه الصراع على جلد الدب قبل اصطياده . هذا فضلاً عما يقدمه ذلك من خدمة سياسية للحركات التكفيرية التي راحت تتكاثر تكاثراً بكتيرياً في جسد المجتمع السوري، وما انفكت تغزوه من أربعة أرجاء المعمورة لا بهدف إطاحة النظام، فقط، إنما بهدف إسقاط دولته “الكافرة”، أيضاً . فهل ثمة لدى “إخوان” سوريا بعضٌ من تفكير كهذا؟ في مقابلة مع فضائية الميادين أفصح المعارض الوطني الديمقراطي السوري، هيثم مناع، عن سر موثّق بالصوت والصورة في شريط فيديو، (وعد بنشره في الوقت المناسب)، يؤكد أن قيادياً “إخوانياً” كبيراً التقى في تركيا مجموعة من المقاتلين، وقال لهم: “فرصة نجاح حكومة هيتو واقعية . . والدليل أن “حماس” طردت “فتح” وأقامت “دولة الحق” في غزة رغم معاداة “إسرائيل” ونظام مبارك . . بينما تدعم تركيا قيام مثل هذه الدولة في الشمال السوري . . . .” . ويضيف مناع أن القيادي “الإخواني” رد على تساؤل عفوي لأحد المقاتلين: “وماذا لو أدى ذلك إلى تقسيم سوريا إلى دولتين”؟ بالقول: “عندها سنكون أمام “دولة الحق” مقابل “دولة الكفر” وسوف تهزم الأولى الثانية لا محالة . . .” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165456

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165456 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010