الأحد 7 نيسان (أبريل) 2013

ميسرة

الأحد 7 نيسان (أبريل) 2013 par عبداللطيف مهنا

“لقد سقط ميسرة ضحيةً لقهر السجَّان الإسرائيلي، وفداءً لمعركة العزة والكرامة التي سطَّر حروفها الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد”. هذه الكلمات هي مقتطف من رسالة تعزية باستشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية وجهها لأسرته ولشعبه رفيقه الأسير المشرف على الاستشهاد والمضرب عن الطعام لليوم الخامس والعشرين بعد المئتين سامر العيساوي. المُعزِّي والمُعَزَّى به والكلمات المقتطفة هذه تلخيص كافٍ لملحمةً الأسرى الفلسطينيين النضالية الفريدة، التي هي في حد ذاتها إضافة أصيلة وجزء لا يتجزأ من الملحمة الكفاحية الأشمل لشعبٍ مناضلٍ، هو أسطوري في صموده، وفريد في تضحياته، ومعطاء بلا حدود فيما بذله ويبذله وما هو جاهز لأن يبذله في سبيل قضيته العادلة كالشعب العربي الفلسطيني ... كلمات سامر تختصر عذابات ومعاناة هذا الشعب التي تعدت كل المعهود من الحدود، وأشَّرت، وعلى امتداد ما ينوف عن الستة عقودٍ، على مدى غير مسبوقٍ، من حيث كونه الموغل في همجيته ووحشيته وفجوره، هذا الذي قطعه المستعمرون الصهاينة منذ اغتصابهم لفلسطين، مستندين إلى غربٍ استعماريٍ هم، كما هو معروف، صنيعته ومدللوه، وحيث يتيح لهم ما يرتكبونه واقع لعالمٍ هو، إما متواطئ معهم، أو صامت ازاء جرائمهم، أومتستَّر على فظائعهم، أو هو إجمالاً باتً المنقسم موضوعياً إلى داعم لهم فمشارك فيها، أو متجاهل لها فمتستِّرعليها، أو عاجز أو لا مبال، كغالب العرب، يشيح الوجه فيغدو كشاهد الزور، بل الأقرب عمليًّا إلى المتواطئ .
لم يكن الشهيد ميسرة أبو حمدية ولا سامر العيساوي، الذي هو، ووفق حالته الصحية المتدهورة، قاب قوسين أو أدنى من الاستشهاد، بالمختلفين كثيراً عن الآلاف من رفاقهما في معتقلات الاحتلال ... تاريخ نضالي مشرِّف وسجِّل فدائي ناصع مضحي، ومرات اعتقالٍ تعددت وتوالت إفراجاً واعتقالاً، وانتهت إلى عقودٍ خلف القضبان، ومؤبدات من أحكامٍ، مع ما رافقها من تعذيبٍ وأمراضٍ وصمودٍ حتى الشهادة. ولا حالهم، بالمعنى الأشمل، يختلف عن حال شعبٍ بأسره، هو إما رهن معتقلاته الكبرى المجزأة المسوَّرة داخل وطنه المغتصب أو في منافيه البعيدة والقريبة الشبيهة البائسة ... لكنما ميسرةً تفرَّد بأن أرسله سجَّانوه القتلة إلى الموت بمنع علاجه من مرض السرطان إلا بعد تفشيه واستحالة علاجه أو عدم جدواه وقبل أيامٍ قليلةٍ من وفاته ... كانوا قبلها يكتفون بإعطائه دواء إنفلونزا أو يجرون عليه كباقي رفاقه المرضى تجاربهم الدوائية، وأخيراً، عندما قرروا معالجته الصورية اخضعوه لجلسات علاجهم مكبلاً بالأغلال. أما سامر العيساوي فقد غدا رمزاً لما يعرف بمعركة “العزة والكرامة”، التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون، وبات أيقونةً من أيقونات صمودهم الأسطوري في نضالهم المعروف بمعركة “الأمعاء الخاوية” ... هناك في المعتقلات الصهيونية العديدة، التي تكتظ بهؤلاء الأبطال الأسرى، الالاف من ميسرة وسامر، وحديثهم، حديث هؤلاء القادة الميامين، تاريخ لا ينقطع، ومشاعلهم النضالية التي جسَّدوها تتلقفها معهم أو من بعدهم الأيدي المكبلة يدا بعد يدٍ فلا تخبو ولا تنطفئ.
مثل ميسرة، خمسة وعشرون من الأسرى مصابون بالسرطان، تشير بعض الدلائل إلى أن أمر التسبب في إصابتهم بهذا المرض الخبيث مُتعمَّد لا يمكن تبرئة الصهاينة منه، وهؤلاء حالهم لا يختلف عما كان هو حال الشهيد ميسرة، أي يعالجون بحبوب مكافحة الإنفلونزا، أو يعطونهم أدويةً غامضةً تخدم برامج التجارب الصهيونية الدوائية المتبعة التي تجرى على الأسرى، وإن هم اضطروا أخيراً لإخضاعهم لجلسات علاجٍ فهي تتم وهم يرسفون في الأصفاد. ومن حيث مدى التدهور الصحي للأسرى في سجون الاحتلال، فهى تضم الفاً وخمسمئة من الحالات المتردية والعديد منها في أوضاعٍ حرجةٍ، ومنها حالة سامر العيساوي مثلاً، وثمانية عشر من هؤلاء هم الآن يقيمون في سجن الرملة العسكري بسببٍ من حلاتهم المزمنة والخطرة. وما يجدر ذكره، أن عدد من استشهد حتى الآن من الأسرى هو مئتان وسبعة وخمسون أسيراً، واحد وسبعون منهم جراء التعذيب وأربعة وخمسون نتيجةً للإهمال الطبي المُتعمَّد، وأربعة وستون قتلاً، أو تصفيةً متعمدةً، أثناء عمليات الاعتقال أو برصاص حرَّاسهم ...
عاد ميسرة مسجىً إلى الخليل. غادر معتقلهم وبقيت فلسطين خلف قضبانهم. شيَّعته مدينته كما يليق بفرسانها. سارت فلسطينه كلها خلف نعشه ... عمت غضبتها واتسعت وطناً ومنافى. سقط شهداء وكان كثير الجرحى وعديد المعتقلين ... هل هي الانتفاضة الثالثة؟!
ربما من التسرُّع قول مثل هذا الآن على الأقل، فالموانع عديدة، ذكرنا بعضها في مقالٍ سابقٍ، ومنها أن السلطة الأوسلوية تستميت لأن تحول بين تطور هذه الغضبة الشعبية إلى انتفاضة لا يمكن السيطرة عليها ومواصلة التزاماتها الأمنية تجاه الاحتلال في ظلها. هذا إذا بقيت سلطة إن هي اندلعت... تريدها أن تبقى ما دونها، بمعنى القابلة للصرف في بازارات جولات كيري التفاوضية الإيهامية المقتربة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010