الاثنين 26 نيسان (أبريل) 2010

الفلسطينيون ومشاريع التسوية الأميركية

الاثنين 26 نيسان (أبريل) 2010 par سماك العبوشي

ما أن تناهى لسمعي خبر قدوم جورج ميتشيل هذه المرة تحديداً، حتى خطرت ببالي قصة سيدنا إسماعيل (ع) واستحضرت في مخيلتي كيف قام بتطليق زوجه “عماره” بعد أن قامت الأخيرة بمجرد نقل عبارة (غيـّر عتبة بابك) إليه والتي رددها على مسامعها سيدنا إبراهيم (ع) وأوصاها بأن توصلها إلى إسماعيل ما أن يعود للدار بعد رحلة صيد مضنية طلباً للقوت والمعيشة، فما كان إلا أن امتثل سيدنا إسماعيل (ع) لنصيحة أبيه، فكان أن طلقها، ثم أراح بعدها واستراح!!.

وقد يتملك العجب بعضكم فيتساءل مستغرباً مستهجناً، وما الرابط بين قصة طلاق سيدنا إسماعيل (ع) لزوجه بخبر زيارة المبعوث الأميركي الجديدة، فأجيبه:

1. كيف لا يُرى الرابط بين هذا وذاك ولقد تزوج الفلسطينيون ومنذ أوسلو تحديداً زواجاً قسرياً ورغم أنوفهم من مشاريع التسوية الأميركية المفروضة!؟.

2. وكيف لا يكون زواجاً قسرياً مكرهاً وقد رأينا بأن جنين السلام الموعود وما يتبعه من الدولة المنشودة !! لم يحن أوان ولادته برغم شرط استمرار ذاك الزواج الذي طال لأكثر من عقد من تلك المشاريع الأميركية والتي لطالما تلاعبت بمصائر أبناء فلسطين وخداعها المستمر لسلطتهم الوطنية الفلسطينية من جانب، ومراءاتها المستمرة لحكومات يهود ومحاباتها لهم من جانب آخر!؟.

لقد جرت العادة دائماً مع كل جولة جديدة للمبعوث الأميركي جورج ميتشيل، أن تسبقها جملة من تصريحات صحفية تتسم في معظمها بالتفاؤل والأحلام الوردة عن قرب حل لقضية الصراع الفلسطيني الصهيوني، فتارة ما تسرب الأنباء عن بشارة قرب وصول ذاك المبعوث إلى الشرق الأوسط وقد حمل في جعبته أفكاراً بنـّاءة جديدة لدفع عملية السلام نحو الأمام!!، وتارة أخرى نسمع تأكيداً من المبعوث على التزام إدارة أميركا بمواصلة جهود إحياء مفاوضات التسوية المعطلة منذ أواخر عام 2008 !!، والأدهى والأمر ما نسمعه ونقرأه بين هذه التصريحات وتلك دعوة ميتشيل الصريحة للضحية والجلاد الفلسطيني والصهيوني !! على حد سواء إلى ضرورة ضبط النفس!! وتقديم التنازلات!! من أجل تخطي الصعاب لتحقيق السلام المنشود!!، غير أن القاسم المشترك الأعظم لكل تلك الجولات وما اكتنفها من تصريحات التفاؤل يكمن في حسن استغلال “إسرائيل” للفرص المتاحة من خلال قيامها باستثمار أمثل للوقت المـُضَيـّع في إجراء تلك المشاورات التمهيدية التي تلي تلك الزيارة من خلال توطيد أقدامها وتنفيذ أجندتها، ولعل خير دليل على ما استثمرته حكومة “إسرائيل” من زيارات السيد ميتشيل المتكررة المنوه عنها تلك ما نراه اليوم في المعطيات التالية، على سبيل المثال لا الحصر:

1. استمرار حفريات الأنفاق تحت أسس المسجد الأقصى!!.

2. حملات تهجير أبناء القدس والاستيلاء على دورهم أو هدمها بحجة عدم شرعية تراخيص بنائها!!.

3. قرار ضمها الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح باعتبارهما إرثاً يهودياً!!.

4. أقامتها لكنيس الخراب على مقربة من المسجد الأقصى!!.

5. اتساع دائرة الاستيطان في معظم مدن الضفة وإعلانها من أن الاستيطان لن يتوقف في مدينة القدس وأنها عاصمة أبدية لكيانها!!.

6. ولعل آخر المطاف ما أعلنته من قرار 1650 الخاص بطرد واستبعاد عشرات آلاف الفلسطينيين من أرض الضفة الغربية !!.

واليوم، إذ يطل علينا ميتشل، وكعادة كل زيارة جرت، فلقد سبقت زيارته الأخيرة هذه أنباء كانت قد سربتها صحافة العدو تبشر بقرب تحقيق اختراق واستئناف المفاوضات غير المباشرة بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، وذلك بعد التوصل إلى صيغة ترضي الطرفين!! حول الاستيطان في القدس الشرقية المحتلة بعدما وافق النتن ياهو على معظم المطالب الأميركية التي وضعت كشرط لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، غير أن تلك الأنباء قد تداركت الأمر فأكدت من أن النتن ياهو لم يـُبـْدِ موقفاً واضحاً من مشروع الدولتين والذي دعا له أوباما، وأن جـُلّ ما أظهره النتن ياهو من مرونة يتمثل برغبته في مواصلة المفاوضات غير المحددة !! مع الجانب الفلسطيني من أجل التوصل إلى ما شاء الله تعالى !! إلى اتفاق مرحلي يقضي بقيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة!! وإرجاء المفاوضات المتعلقة بشأن القدس الشرقية إلى فترة غير معلومة!!،هذا كما وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تشمل بوادر حسن النية الصهيونية إرضاءً لإدارة أوباما وتطييباً لخاطره المتكدر ما يلي:

1. إبداء مرونة في موضوع الاستيطان في القدس.

2. التأكيد على إظهار استعدادهم ( برغم رفضهم التعهد بوقف البناء ) للتعهد بالامتناع عن البناء في قلب الأحياء الفلسطينية.

3. وقف تنفيذ أوامر هدم البيوت الفلسطينية.

4. الموافقة على فتح مقرات منظمة التحرير الفلسطينية!!.

5. إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من حركة فتح حصراً.

6. إزالة بعض الحواجز العسكرية!!.

7. تسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية عن مناطق معينة في الضفة الغربية!!.

وأتساءل بدوري ... وما الجديد في نقاط بوادر حسن النوايا الصهيونية تلك التي ورد ذكرها آنفاً والتي حملها ميتشيل في جعبته حتى يتجشم عناء السفر فيحط برحاله بين ظهرانينا!؟، فهل يعقل أن يقدم النتن ياهو تنازلات حقيقية قد تؤدي بالتالي إلى انهيار حكومته الائتلافية والمؤيدة لقطعان المستوطنين اليهود الممسكين برقاب حكومتهم، هذا إذا ما أخذنا بالحسبان بأن “إسرائيل” دولة ديمقراطية، شئنا أم أبينا، حيث تحكمها مؤسسات وقوانين، ويتحكم بحكوماتها الناخب الصهيوني أولاً ونوعية المواقف التي تتخذها وتعتبر من المحرمات يهودياً ثانياً، ولا ننسى أيضاً حقيقة كون حكومة النتن ياهو يمينية متطرفة مؤتلفة لطالما شعرت بالزهو والفخار لما تقوم به وتتخذه من قرارات تندرج ضمن الواجب المقدس الساعي أبداً لتحقيق حلم المشروع الصهيوني على كامل ما تعتبره ارض “إسرائيل” اليهودية التاريخية، وإزاء تلك الحقائق، فهل تبقى لنا بصيص أمل كي نتوقع حدوث معجزة ما!! من حكومة النتن ياهو تتمثل بتقديم تنازل ذي شأن يخل بالتالي بمفاهيم استراتيجية “إسرائيل” مما قد يفقدها ناخبها وداعمها وساندها!!.

ومما ورد أعلاه، فإنني لا أتوانى أبداً من أن أقسم بالله ثلاثاً بألا جديد في جعبة ميتشل، فالموضوع الأهم للفلسطينيين لم يحسم بعد وهو إقامة دولة فلسطين بكامل سيادتها وعاصمتها القدس، أما ما نراه من نقاط بادرة حسن النوايا الصهيونية تلك، فهي في واقعها لا ترتقي للمطالب الحقيقية لشعب فلسطين، كما ولا نرى في الأفق الأميركي والصهيوني على حد سواء إلا تلاعباً بالمشاعر والمواقف، مما يدفعنا بالتالي لتقديم النصح لقيادة السلطة الفلسطينية بضرورة الإسراع لتدبر الأمر ودراسة هذه الحقائق ومن ثم اتخاذ قرارها التاريخي والستراتيجي المتمثل بـ “تغيير عتبة بابها” لتستبدلها بمشروع أكثر نفعاً وذي جدوى يتمثل بلملمة الصف والعودة إلى خيار تدرك حكومة يهود أبعاده وتداعياته والعودة بملف فلسطين إلى مجلس الأمن الدولي، لتحيل حلم الفلسطيني الذي طال انتظاره إلى حقيقة ولتـُبـْعـِدَ عن أبناء شعبها رحلة الشقاء ووطأة الآلام وتفاهة أضغاث الأحلام، تماماً كما فعل سيدنا إسماعيل (ع) يوماً حين أحس بسوء اختياره لزوجه أولاً وبمنطق وحكمة ما أشار إليه سيدنا إبراهيم (ع)!!.

ختاماً ...

وبعد التعنت الصهيوني ورفضهم تقديم التنازلات الجوهرية التي نصت عليها خارطة الطريق، وإزاء إصرار أوباما على تحقيق وعده برغم تراجعه عن اشتراط وقف الاستيطان، فإننا نقول لهؤلاء المتفائلين بنهج التسوية بألا أمل أمام الرئيس أوباما إلا المراهنة على ليونة في مواقف السلطة الفلسطينية وقبولها بما يعرض عليها الآن من أجل إنعاش آمال الرئيس أوباما لبدء جولة مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، ونؤكد كما ونكرر على مسامع هؤلاء المتشبثين بنهج التسوية من أننا، وفي ظل التخاذل والهوان العربي، لسنا ضد تسوية عادلة تحقق لشعب فلسطين أحلامه، فنحن لا نرى ضيراً من تسوية تحقق المبتغى والمرجو في آخر المطاف لينال شعب فلسطين الحد الأدنى مما ناضل من أجله طويلاً وما كان ينتظره على أن تجري وفق جدول زمني محدد، والمستقبل بعدها لفلسطين وأبنائها، وكفى استخفافاً وعبثاً بمشاعر وآمال الشعب الفلسطيني الجريح!!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010