الاثنين 1 نيسان (أبريل) 2013

الاعتذار الصهيوني الكاذب

الاثنين 1 نيسان (أبريل) 2013 par د. فايز رشيد

جاء ما يسمى بالاعتذار “الإسرائيلي” لتركيا بضغط وترتيب مباشرين من الرئيس أوباما في أثناء زيارته الأخيرة إلى المنطقة، ليضع ملف العلاقات بين الطرفين التركي و”الإسرائيلي” على الطاولة من جديد . الإعلام التركي حاول الإيحاء بأن الدولة الصهيونية خضغت للمطلب التركي . فقد تناولت صحيفة “يني شفق” التركية الموالية “لحزب التنمية والعدالة” هذا الموضوع تحت عنوان رئيس فيها “تركيع “إسرائيل””، فمن وجهة نظر أنقرة فإن “تل أبيب” استجابت للطلبات التركية: قدمت الاعتذار، وستدفع تعويضات لأهالي ضحايا ومصابي سفينة “مرمرة” التي تعرضت لاعتداء وحشي في 31 مايو/أيار 2010 وذهب ضحيته تسعة أتراك وأصيب عديدون، وأن “إسرائيل” ستعمل على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، هذا وفقاً لتصريحات العديد من المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو وزير الخارجية، عن الشرط التركي الثالث “رفع الحصار عن غزة” .

جاء في البيان الذي أصدره رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو عن هذا الموضوع “إن “إسرائيل” لن ترفع الحصار كلياً عن قطاع غزة والضفة الغربية، وإنها سترفع بعض القيود عن حركة المواطنين الفلسطينيين والبضائع” . البيان “الإسرائيلي” تضمّن أيضاً، أن تركيا وافقت على إغلاق ملف الإجراءات القضائية التي تبنتها قبلاً ضد الجنود “الإسرائيليين”، هذا الأمر لم تجر الإشارة إليه من قبل أي مسؤولٍ تركي .

بداية، فإن من الضروري التأكيد أن العلاقات التركية-”الإسرائيلية” تأثرت قليلاً بعد العدوان الهمجي على السفينة مرمرة، وبعد إهانة السفير التركي في وزارة الخارجية “الإسرائيلية”، لكنها لم تنقطع! فقد تم سحب السفير التركي من “تل أبيب” في ظل عدم قطع العلاقات الدبلوماسية .

هذا من جانب، أما من جانب ثانٍ فإن العلاقات العسكرية والأخرى الأمنية بقيت كما هي متينة بين الجانبين، فقد استأنفت “إسرائيل” تزويدها لطائرات الأسطول الجوي التركي، بأجهزة إلكترونية (هذا وفقاً للعديدين من المراقبين العسكريين) . كما أسهمت تركيا عبر إرسالها طائرات، في إطفاء الحرائق التي اندلعت في شمالي فلسطين المحتلة في نهاية العام ،2010 وإن جاء هذا الأمر تحت عنوان “المشاركة الإنسانية” وفقاً للتفسير التركي .

أما العلاقات الاقتصادية فيشير ميزان التبادل التجاري بين الجانبين إلى أن حجم التجارة بين البلدين في العام 2009 بلغ ثلاثة مليارات دولار، وخمسة مليارات في العام 2011 (أي بعد حادثة السفينة مرمرة) . الصحف “الإسرائيلية” أجمعت من جانبها على أن: التقارب بين البلدين (بعد الهجوم الصهيوني على السفينة التركية) قد تم الإعداد له في السنتين الأخيرتين وبحماسة شديدة في الولايات المتحدة و(الناتو)، وأن ما سرّع التوصل إليه هو التطورات في سوريا وتدخل جون كيري وأوباما شخصياً في هذا الملف، وكذلك خشية البلدين من خطر انتقال الأسلحة الكيماوية إلى حزب الله والتنظيمات الأصولية .

يأتي التقارب التركي-”الإسرائيلي” في وقت تراجعت، بل تدهورت فيه علاقات تركيا مع دول أخرى كثيرة في المنطقة مثل سوريا وإيران والعراق وأخرى خارجها مثل، روسيا والصين، الأمر الذي يشي بضغوط أمريكية وغربية و”إسرائيلية” كبيرة مورست على أنقرة لبدء سياسة جديدة لتركيا في المنطقة، متقاربة تماماً مع السياسات الأمريكية والغربية تجاهها، ولهذا حرص (الناتو) على نشر صواريخ “باتريوت” في الأراضي التركية . الغريب أن تركيا بدت وكأنها في انتظار طويل لسماع هذا (الاعتذار) من الدولة الصهيونية، ليأخذ التعاون بين الجانبين وتائره السابقة، وبخاصة أن ملفات كثيرة تطرح استحقاقاتها على جدول الأعمال التركي: الملف السوري، الملف الكردي، إعادة رسم خرائط المنطقة . سفير تركيا السابق في “إسرائيل” (وهو السفير التركي الحالي في واشنطن) ناميك تان صرّح قائلاً: “إن الأصدقاء الحقيقيين فقط هم الذين يستطيعون الاعتذار إلى بعضهم” . في كل الأحوال فإن الدولة الصهيونية هي المستفيد الأول والأخير من إعادة العلاقات مع أنقرة: إن بالنسبة إلى فتح المجال الجوي والأراضي التركية لسلاح الجو “الإسرائيلي”، وإجراء المناورات المشتركة مع تركيا (وفقاً للاتفاقيات المعقودة بين الجانبين وما تقتضيه شروط حلف الناتو) . أيضاً وفي إعادة العلاقات المتينة بين الجانبين في المجالات الأخرى كافة .

بالنسبة إلى العلاقات التركية-”الإسرائيلية” (بعد الاعتذار)، وتأثيرها في القضية الفلسطينية، فإن فك الحصار كلياً هو غير تخفيفه، لكن تركيا لم تجعل من شرط إنهاء الحصار على غزة، قضية رئيسة، فقد أعلن أردوغان بعد الاعتذار أنه سيقوم بزيارة إلى قطاع غزة، الأمر يبدو وكأنه “مجاملة سياسية تركية للفلسطينيين ليس إلا”، فتركيا تدرك مثلما أردوغان، أن “إسرائيل” وفي حالة إعادة الكرّة بإرسال سفينة تركية جديدة تحمل مواد غذائية وإنسانية إلى قطاع غزة من دون موافقة الدولة الصهيونية ودون التنسيق معها،فستقوم باعتداء جديد على هذه السفينة، وبخاصة في ظل وجود الحكومة الأكثر تطرفاً في الدولة الصهيونية على رأس الحكم، ووجود حلفاء لنتنياهو ولليكود يقفون موقفاً معارضاً من تقديم (الاعتذار) الذي جاء على لسان نتنياهو مثل الفاشي ليبرمان .

في السياق إياه تأتي الاتصالات الهاتفية التي حرص أردوغان على إجرائها مع محمود عباس وإسماعيل هنية وخالد مشعل، ووضعهم في أجواء ما يسمى ب(الاعتذار “الإسرائيلي”) هو محاولة “تبرئة ذمة” من قبل تركيا وأردوغان شخصياً وحزب التنمية والعدالة، أمام تراجع الالتزام التركي عن عدم إعادة العلاقات مع إسرائيل قبل رفع الحصار الصهيوني الكامل عن القطاع .وهو محاولة أيضاً لكي يبدو الفلسطينيون وكأنهم موافقون على عودة العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى طبيعتها . حركة حماس في بيانها الصادر عن هذا الموضوع اعتبرته “انتصاراً وإنجازاً كبيرين” . السلطة الفلسطينية لم تُصدر أي بيان ضد عودة هذه العلاقات، رغم الحصار المستمر المفروض على قطاع غزة وأيضاً إلى حد ما على الضفة الغربية .

دول الحراكات العربية، وبخاصة مصر وتونس والحزبان الحاكمان فيهما (حزب الحرية والعدالة في مصر وحركة النهضة في تونس)، وهما يمتلكان أوثق الصلات مع حزب التنمية والعدالة التركي، وكل هذه الأحزاب تابعة لحركة الإخوان المسلمين، اعتبرا أن عودة علاقات تركيا مع الدولة الصهيونية يبدو أنه أمر طبيعي وكأنه لا يمسهما ولا يمس المنطقة العربية، بغض النظر عن الاستهدافات الأمريكية “الإسرائيلية” الغربية لدول المنطقة ومنها مصر وتونس ، وبخاصة أن الطرفين (التركي و”الإسرائيلي”) يقعان على تجاور وتلاصق مع المنطقة العربية .

على ما يبدو، فإن أردوغان لا يدرك حقيقة “إسرائيل”، فهو، على رغم مجازرها ضد الفلسطينيين والعرب والسفينة التركية، وافق على إعادة العلاقة معها إلى طبيعتها السابقة، فإن كان لا يدرك (فهذه مصيبة)، وإن كان يدرك حقيقتها ورغم ذلك يعيد العلاقات معها فالحالة فالمصيبة أعظم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010