الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010

عائد من مواقع الأبرتهايد

الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010 par سمير جبور

على الرغم من أن زيارة الوطن الحبيب فلسطين، بعد سنين عديدة من الإغتراب، تبعث في النفس الفرح والسرور بلقاء الأهل والأصدقاء والأحباء، وتنعش الحنين الى ذكريات الطفولة، إلا أن جولة في ربوع الوطن، لا تخلو من المنغصّات والحسرات وحتى القهر. فعندما تتجول في المدن العربية المدمرة، وتزورالمدارس والكنائس والجوامع التي حولها الإحتلال العسكري الى خرائب واطلال، تصاب بالصدمة والذهول، وينتابك شعور بالإحباط. ثم تتساءل كيف ان بعض هذا العالم صدق بأنه قامت على أنقاض فلسطين وشعبها وتاريخها وحضارتها «واحة من الديموقراطية»؟ في حين انه يتجسّد أمامك في كل مكان تذهب اليه آثار التطهير العرقي. فعلى أنقاض كل قرية او مدينة عربية تقوم مستعمرة يهودية تضم مهاجرين جلبوا من جميع أنحاء المعمورة، وسكان البلد الأصليون يقبعون في المخيمات على مسافة بضعة كيلومترات، واسرائيل ترفض حق العودة للمقتلعين، وتصدر قانوناً عنصرياً يتيح لكل يهودي في العالم الهجرة الى اسرائيل تلقائياً والإقامة في مدن او مستعمرات قائمة على ارض عربية.

ومما يثير في النفس الإمتعاض والقنوط عندما تزور، مثلاً، رأس الناقورة، وتقف عند البوابة المغلقة التي تفصل لبنان عن فلسطين، وتجد امام تلك البوابة الموصدة جندياً وحيداً من يهود الفلاشا مدججاً بالسلاح، يحرس هذه البوابة الرئيسية التاريخية التي كانت معبراً تجارياً وثقافياً تنتقل عبره تجارة وثقافات سورية الطبيعية كلها.

ثم تعرج من هناك على قرية البصّة العربية لتشاهد ما يقشعر له الأبدان. آثار المنازل المدمرة، أكوام من الحجارة كانت منازلاً لعائلات عريقة، او مؤسسات ثقافية اشتهرت بها البصة، ليمتد بصرك نحو أراضيها الشاسعة المصادرة التي قامت عليها مستعمرة «بيتسات». ثم تقف امام كنيسة البصة التي اصبحت خراباً مهجوراً، ومدرستها التي لاتزال جدرانها ترتفع على الأرض، وتحيط بها الأعشاب البرية، تظن انك تقف امام ما دمره هولاكو الحاكم المنغولي الذي حرق مكتبة بغداد ودمر مساجدها وقصورها.

وعندما تقترب من مناطق مظلمة تدرك انك تدخل قرى عربية. وعندما تتجول فيها تشاهد الإهمال وانعدام خطط تنظيم المدن. ومنذ قيام اسرائيل لم تقم قرية او مدينة عربية واحدة، في حين قامت ولا تزال تقام مئات المستعمرات والمدن اليهودية على اراض اغتصبت من العرب أصحابها الشرعيين من دون أية مسوغات شرعية او قانونية.

عند الحاجز العنصري يا للهول

ربما من الصعب على المرء ولا سيما الأجنبي، ان يلاحظ مدى عنصرية هذ النظام الصهيوني إلا اذا مر في احدى الحواجز العسكرية التي تفصل بين مناطق السلطة الفلسطينية والمناطق اليهودية. فخلال زيارتنا للأراضي المقدسة، قررنا زيارة كنيسة المهد في بيت لحم. فكان لابد إلا أن نمر بحاجز عسكري. توقفنا على الناحية اليمنى من الحاجز ننتظر اكثر من نصف ساعة دون ان نتلقى إشارة بالمرور. فكان أحد الجنود يسمح للسيارات القادمة من الجهة الأخرى بالمرور، ولكنه كان يتأمل في وجوه ركابها. فاذا لاحظ من سحنة وجوههم انهم عرب يأمرهم بالنزول من السيارة ويخضعهم للتفتيش.

فبعد طول إنتظار، أومأ لنا هذا الجندي بالتقدم، فطلب من كل واحد منا إبراز هويته الإسرائيلية ففعلنا، سوى زوجتي التي لا تملك هوية اسرائيلية أعطته جواز سفرها الكندي إلا ان هذا الجندي الذي كانت ترتسم على محياه كل علامات اللؤم والكراهية والحقد على البشرية، متشرباً بتعاليم العنصرية خلال خدمته العسكرية، سأل هل أنتم «نوتسريم» مسيحيون؟ قلت له إننا كنديون نود زيارة كنيسة المهد! فأجاب : ان من يحملون الهويات الإسرائيلية يستيطعون المرور، أما صاحبة الجواز الكندي لا يمكنها المرور، فاشار اليها بالرجوع. ويا لهول الصدمة، كيف نرجع بعد أن قطعنا اكثر من 180 كيلومتراً. لماذا لا يسمح لسيدة لا تبدو عليها أية علامة على انها «إرهابية» او «مخرّبة» (سوى الشغف لزيارة قبر المسيح) أن تدخل اراضي السلطة؟ فعندما سألناه عن السبب، أجابنا هذا المسخ العنصري : الأجانب لا يستطيعون المرور من هنا! حتى الكندية من اصل فلسطيني لا يسمح لها بالمرور؟ عجباً! هل كان سيسمح لها بالمرور لو كانت «إرهابية» تدخل مناطق السلطة؟.

وأردت ان اقول له : إن حكومة كندا ورئيسها يمجدون ديمقراطية اسرائيل ويتغزلون بها ليلاً نهاراً، ويعتبرون اسرائيل معصومة عن الخطأ، وهذه لا تعترف بالجواز الكندي؟ ولكن هذا الجندي لا يفقه في السياسة شيئاً. انه مثل الروبوت تتحرك فيه موجات الكترونية عنصرية كلما شاهد عربياً! وحتى العاملة في محطة القطار لا تريد الإعتراف ببطاقة المسنين الكندية. ثم أخذت أتساءل : ماذا لو عرف رئيس حكومتنا بهذه التفاصيل؟ شاهدت كل ذلك شخصياً وكانت هذه اول تجربة لي على حاجز عنصري. وربما لو روى لي شخص آخر هذه التجربة لظننت أنه يبالغ.

جدار الفصل : مسخ عنصري آخر

ما العمل؟ كيف ندخل بيت لحم مهد المسيح، الذي كان محجاً مفتوحاً لكل أمم الأرض من جميع الطوائف والملل، عندما كانت هذه المدينة تحت الحكم العربي او حتى الإنكليزي او حتى العثماني؟ من أين ندخل ونحن نسير في محاذاة جدار الفصل العنصري. فهذا الجدار مسخ عنصري آخر. استطعنا في النهاية ايجاد مدخل آخر الى بيت جالا. وفيما نحن نسير في أحد شوارع بيت جالا (الواقعة تحت حكم السلطة) شاهدت زمرة من الجنود الإسرائيليين مدججين يالسلاح يقتحمون منزلاً جميلاً مبنياً بالحجر الأبيض، ويحاولون خلع الباب وإقتحام المنزل. إختلط عليّ الأمر! قبل نحو 500 متر شاهدت قوات بوليس من الشرطة الفلسطينية، وعلى بعد مسافة قصيرة ارى جنوداً اسرائيليين يقتحمون منزلاً! ولما سألت أحد أهالي بيت جالا ان يفسر لي هذا المشهد قال «هذا بالإتفاق مع السلطة. دمرونا بهال الإتفاقيات»!

إن مشهد الجدار الفاصل يثير في نفسك الرعب والقرف في آن معاً. انه يذوي مثل الحية الرقطاء ينهش من الأراضي العربية ويقطع أوصال الكثير من العائلات العربية. فقد روى لي احد سكان بيت جالا ان الجدار يمر في منتصف ارضه، حيث اصبح منزله وراء الجدار وارضه من الناحية الأخرى. وكم كنت أود ألا اثقل على القارىء الكريم بالتفاصيل. ولكن من المفيد إعطاء فكرة عن جزء بسيط من هذا الجدار الذي يهدف الى إيجاد منطقة عزل تمتد على طول الخط الأخضر من شمال الضفة الغربية الى جنوبها، مغتصبة أكثر الأراضي الزراعية خصوبة، وعازلة العديد من التجمعات الفلسطينية ضمن معازل كثيرة، ومقوضة بذلك أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة جغرافياً ومستدامة اقتصادياً.

واذا اردت ان تشاهد «وقاحة» هذا الجدار عليك ان تزور احد الأحياء المتطرفة من مدينة بيت لحم التي لا يراها الزوار الأجانب. عندها تقف مشدوها وتتساءل : أين ستقوم الدولة الفلسطينية التي يتشدقون بها؟ وهل للسلطة الفلسطينية القائمة حدود إقليمية او سياسية او سيادية؟

طول جدار العزل العنصري في محافظة بيت لحم 77.9 كيلومتر حيث يمتد من مدينة بيت ساحور، ويقطع «المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، ويمر نحو الجزء الغربي من مدينة بيت جالا، ضاماً مستوطنتي جيلو وهار جيلو متجهاً نحو قرى الريف الغربي، الولجة، بتير، نحالين، حوسان وواد فوكين ووصولاً إلى مستوطنات غوش عتصيون في الجنوب. تم بناء 25.3 كم من الجدار ويوجد 6.9 كم من الجدار في طور البناء كما ويوجد 45.7 كم من الجدار في طور البناء. سيعزل الجدار ما مساحته 160647 دونماً (160.7 كيلو متر مربع) من أراضي محافظة بيت لحم. هذا وسيعمل الجدار على عزل قرى الريف الغربي، بتير، حوسان، نحالين، واد فوكين، خربة عفانة، خربة بيت زكريا وخربة البلوطة في معزل كبير، بينما يضع الجدار أيضاً قرية الولجة ضمن منطقة عزل خاصة بها وذلك بتطويقها بجدار الفصل من جهاتها الشرقية، الشمالية والغربية بالإضافة إلى تطويقها بشارع أمني تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي من الجهة الجنوبية للقرية بمحاذاة شارع رقم 436 والذي يعتبر المنفذ الوحيد المتاح لأهل القرية باتجاه بيت لحم. وبذلك يعزل الجدار 21000 فلسطيني في منطقة الريف الغربي عن باقي مناطق محافظة بيت لحم. كما تسيطر قوات الاحتلال الإسرائيلي على حركة السكان الفلسطينيين في المحافظة من خلال 47 حاجزا كانت قد أقامته قوات الاحتلال الاسرائيلي من خلال سنوات الاحتلال الاسرائيلي.

أعان الله الشعب الفلسطيني على هذا العذاب اليومي، وطوبى للمعذبين على الأرض. قصة الممارسات العنصرية الصهيونية لا تنتهي عند هذا الحد. اذ ان الإستجواب، خلال مغادرتك المطار، من قبل مهاجرة غير معروف اصلها من فصلها: أين كنت وما هو سبب زيارتك؟ وهي لا تدرك انني عائد الى ارض آبائي وأجدادي، الى مرتع طفولتي لأستظل بشجرة زيتونتي .أما عن تفتيش الحقائب، وخضوعك لتفتيش مذل مهين، لا علاقة له بالأمن ولا بالسلامة، حدث ولا حرج. إنها قصة أخرى يضيق المجال لها هنا. ويا لويل من هو مصاب بمرض السكري ويحمل ماكينة فحص السكر حتى مع وشهادات طبيّة. اذ أن حامل ماكينة فحص السكر سرعان ما يشك في أنه يحمل قنبلة نووية مصغرة. وأما قلم حقن الأنسولين يا للويل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165857

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165857 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010