الأحد 10 آذار (مارس) 2013

رصاص على زقزقة عصفور

الأحد 10 آذار (مارس) 2013 par أمجد عرار

لم يكن الشاب الفلسطيني محمد عصفور يحمل سلاحاً عندما رد المحتلون على هتافه بالرصاص . لم يكن يلبس حزاماً ناسفاً ليفجّر جسده في الناصرة أو العفولة أو “تل الربيع”، ليزعم جيش الصهاينة أنه شكّل خطراً على حياة الجنود المحتلين القتلة، بل كان بصدره العاري يقف على بوابة بلدته الوادعة عابود . كان يؤدي واجبه الوطني والإنساني والديني تجاه أسرى يواجهون الموت البطيء في سجون الاحتلال، ولا ناصر لهم في هذا الوطن العربي الممتد من البحر إلى البحر، أو في هذه الكتلة الإسلامية ذات المليار ونصف المليار، ولا في هذا العالم المعولم الذي يلوك شعارات حقوق الإنسان كما العلكة .

محمد عصفور كان حنجرة هاتفة في وجه هذه العوالم الصامتة علّها تسمع صرخة ضمير لأجل أسرى فلسطين المنسيين من البعيد والقريب، فلا اجتماعات جامعة، ولا قمم، ولا تلويح، مجرّد تلويح بوضع مبادرتهم “السلامية” في ثلاجة التجميد نصف ساعة، ولا حتى بند نقاش عابر على سبيل رفع العتب على جدول لقاء مع مسؤول دولي أو مندوب مؤسسة تلبس ثوب الإنسانية . كان استشهاده الاحتجاجي صرخة موجوع يطالب العالم المنافق بأن يمنح آلاف الأسرى واحداً بالمئة من الاهتمام الذي منحوه للجندي الصهيوني غلعاد شاليت الذي أسره مقاومو غزة من دبابته على مرمى قذيفة من شرفات منازلهم .

لم يملك محمد عصفور سوى زقزقاته المغرّدة هتافاً لأخوته الموشكين على الموت جوعاً، وهو يرى الصهاينة ينسفون اتفاق التبادل ويعيدون اعتقال المحرّرين، ولا يسمع حتى كلمة احتجاج من نظام مصر الإخواني الذي رعى اتفاق التبادل، مثلما رعى اتفاق التهدئة بعد العدوان الأخير على غزة، وهذا الاتفاق ايضاً بقي حبراً على ورق حيث لا يمر يوم من دون اجتياح “إسرائيلي” لهذه المنطقة أو تلك في غزة، ومن دون أن تطلق النار على مزارع في أرضه أو صيّاد على بعد خمسين متراً عن شاطئ غزة، في حين تلتزم حركة “حماس” بالتهدئة، رغم أن الحرب على غزة كانت بذريعة رد الحركة على اغتيال القائد أحمد الجعبري .

لا يستطيع الشهيد محمد عصفور وآلاف الفلسطينيين المنتفضين دعماً للأسرى فهم معنى التهدئة مع الاحتلال في غزة وتركه يفتك بالأسرى والقدس والضفة، مثلما فتك سابقاً بغزة وكانت الضفة ملتزمة بالتهدئة . أليس هذا إقراراً فلسطينياً ضمنياً بالفصل ما بعد الجغرافي بين غزة والضفة؟

قبل أسبوعين استشهد الشاب الأسير عرفات جرادات تحت التعذيب في سجن مجدو، وقبل يومين استشهد الشاب محمد عصفور برصاصة يسمونها “مطاطية” لكنها تخترق الجمجمة . وتستمر الهبّة الشعبية الفلسطينية المشتعلة منذ إضراب الأسرى عن الطعام . وعلى “إسرائيل” ومن يدعمها ويتواطأ معها ويصمت على جرائمها أن يعلموا أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يترك أسراه يموتون في السجون، كما أنه لا يمكنه أن يهدأ أو يستكين طالما بقي هذا الاحتلال يدنّس أرضه وينهبها ويسمّن المستوطنات، ويهوّد القدس والمقدّسات الإسلامية والمسيحية .

لن يكون محمد عصفور آخر الشهداء على طريق حرية الوطن والأسرى، كما أنه ليس أول الشهداء، ذلك أن دماء الشهداء والجرحى وأنات الأسرى، هي الوقود الذي يشعل مرجل النضال المستمر لأجل كنس الاحتلال واسترداد الوطن والحقوق الوطنية كاملة غير منقوصة . من يسأل ذوي الشهداء يسمع منهم أن كرامة الأوطان لها ثمن . نعرف أن محمد عصفور كان على أعتاب التخرّج في الجامعة، لكنّا نعرف أيضاً أن الشهادة في سبيل الحرية أسمى أنواع الشهادات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010