الأحد 3 آذار (مارس) 2013

اغتيال فلسطين

الأحد 3 آذار (مارس) 2013 par هاشم عبد العزيز

لم يترك رئيس الوزراء« الإسرائيلي» وقتاً للانتظار، ولا مجالاً لوضع الاحتمالات وإطلاق التوقعات في شأن سياسة ما بعد الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة الجديدة . مبكراً أطلق نتنياهو ما صار يعرف بـ “الأولويات” و”الثوابت”، الأولى تجاه الملف النووي الإيراني الذي يرى أن المجتمع الدولي مطالب بتحذير إيران بإجراءات عسكرية، بعد أن فشلت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية في إجبار طهران على الرضوخ للمطالب “الإسرائيلية” والغربية عامة، والأمريكية خاصة، والثانية تجاه ثلاث قضايا هي القدس بتهويدها، والضفة باستيطانها، والأسرى بتصفيتهم .

بالنسبة إلى هذه الأخيرة، كان مقتل الأسير عرفات جرادات أقرب إلى القشة التي قصمت ظهر البعير، أو الشرارة في سهل الألم والغضب المفتوح على ردود أفعال فلسطينية تذهب أبعد من المصادمات والاحتجاجات ضد قوات الاحتلال إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة .

ومع أن عرفات ليس القتيل الفلسطيني الأول في سجون الاحتلال وهو لم يمض في السجون الصهيونية أكثر من خمسة أشهر، فيما تذكر التقارير الفلسطينية أن عدد القتلى وهم شهداء من الفلسطينيين في تلك السجون قبل استشهاد عرفات بلغ 202 شهيد، وهناك من الأسرى من زادت فترة أسرهم على 30 عاماً، غير أن مقتل عرفات صار قضية مفتوحة على ما يقارب 5 آلاف أسير فلسطيني رازحين في زنازين الاحتلال، وهم في أوضاعهم المأساوية هذه قتلى لانعدام حقوقهم القانونية، وانتفاء كل ما هو إنساني في ما يخص مصير وجودهم تحت وطأة الوحشية .

والأمر يعود إلى أن الجريمة ارتكبت في ذروة الاحتجاجات التي ينفذها الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية، ومنها لجوء العشرات منهم إلى الإضراب المفتوح عن الطعام الذي تجاوز عند استشهاد عرفات 200 يوم ضد السياسات والإجراءات التعسفية، ومنها الحرمان من زيارة الأهالي والرعاية الطبية الذي تبين في أغلب الحالات عن إهمال عمد .

ومعلوم أن الحركة الناشطة في صفوف الأسرى أرغمت سلطات السجون الصهيونية على الموافقة على طائفة من المطالب الحقوقية للسجين، لكنها قبل أن تبدأ التنفيذ تراجعت ليعود الأسرى إلى تحركهم المتاح المدعوم من حركة متنامية في الشارع الفلسطيني، وقد بدأت بأسر الأسرى لكنها تحولت إلى قضية مجتمعية ووطنية وإنسانية، حيث يواجه الكيان الصهيوني ضغوطاً ومطالب من أطراف وأوساط دولية وإنسانية للالتزام بالمواثيق الدولية في شأن حقوق السجين والأسير من قبل الاحتلال .

إلى ذلك، كان عرفات عند اعتقاله في كامل صحته، ما يعني أن تدهورها جاء بسبب التعذيب الجسدي والنفسي، والأمَرّ من كل هذا أن عرفات يمثل نموذجاً من ضحايا الاعتقالات العشوائية، فهو لم يكن مرتبطاً سياسياً بأي فصيل فلسطيني، واغتياله على النحو الذي جرى يمكن تفسيره بأنه رسالة لكل أسير في سجون الاحتلال وكل مواطن فلسطيني في السجن الكبير الذي تعربد فيه قوات الاحتلال الصهيونية .

عرفات اغتيل، هذا أمر لا يحتاج إلى تأكيد، لكن ما يمكن أن يشار إليه أن الجريمة لم ترتكب بدماء باردة وحسب، بل باستسهال حسبتها قوات الاحتلال أنها ستكون رادعة للأسرى الفلسطينيين في الزنازين أو الشوارع الذين حولوا هذه القضية إلى حركة مقاومة قوية للاحتلال، وإلى قوة طاردة لهذا الكيان بجرائمه ضد الإنسانية .

غير أن النتائج جاءت عكسية داخل الزنازين وفي شوارع الضفة الغربية التي تشهد هبّة شبابية وجماهيرية وشعبية كانت صادمة ومربكة للاحتلال الذي سارع إلى “مناشدة” السلطة الفلسطينية العمل على تهدئة الشارع المتفجر، ولجأ إلى خديعة الإعلان عن “استعداد” ب”الإفراج عن مبالغ مالية من أموال السلطة الضرائبية” و”الإفراج عن أسرى” في التفاف على الجريمة واستدراج للسلطة إلى متاهة استرخاص الدم الفلسطيني وإلى لعبة الإفراج عن الأسرى التي تدور على اتفاقات الإفراج الإعلامية والإعلانية بعد أن استقر الكثير ممن أفرج عنهم في زنازينهم القديمة أو الجديدة، فهم يمرون في غضون أيام قليلة بدورة اعتقال جديدة بما يترتب عليها من إجراءات تعسفية .

أما بالنسبة إلى قضيتي الاستيطان والتهويد، فيكفي أن يشار إلى ما نشرته جمعية “عبرميم” وهي “إسرائيلية” ومتخصصة في مراقبة العملية الاستيطانية للاحتلال الجمعية آنفة الذكر، التي قالت إن الحكومة “الإسرائيلية” طرحت خلال عام 2012 عطاءات لبناء 2386 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة، في حين لم يتجاوز إجمالي الوحدات الاستيطانية التي تضمنتها عطاءات البناء خلال العقد الأخير 729 وحدة استيطانية سنوياً .

الجمعية أوضحت أن الحكومة “الإسرائيلية” أقرت خلال العام الماضي بناء 6932 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة مقابل 1772 وحدة عام 2011 و569 وحدة استيطانية خلال عام 2010 .

والأمر مفتوح على مشاريع استيطانية ضخمة في الضفة والقدس بآلاف الوحدات، وهذه القضية كانت في أولويات خيارات نتنياهو وهو يقود حملته الانتخابية، وكانت كذلك لمن نافسوه في الانتخابات البرلمانية .

الاغتيال، هو عنوان السياسة الصهيونية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، فالاغتيال لم يعد قاصراً على النيل من كوادر وقادة المقاومة الفلسطينية الذي كان ينفذ بعمليات عسكرية فقط بل غدا عملية ممنهجة مفتوحة على كل ما هو فلسطيني .

والسؤال هو: إلى أين ستمضي هذه السياسة الفاشية والعنصرية؟

للجريمة مداها، لكنها على الشعب الفلسطيني تجاوزت في الحد كل شيء، بما في ذلك الزمن ذاته الذي فاق الستين عاماً من نكبة التهجير والتنكيل وحروب الإبادة العنصرية .

والمفارقة أن للصهاينة من يدعمهم ويحمي جرائمهم ضد الإنسانية، في المقابل فإن للفلسطينيين قوة احتمالهم المصيري وإرادة مقاومتهم في استعادة حقوقهم المسلوبة، فأين هي أمتهم بمسؤوليات دولها “العتيدة”؟ وأين هو عالمنا الدولي بمواثيقه، والإنساني بضميره؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165786

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165786 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010