السبت 23 شباط (فبراير) 2013

مشروع الدولة الواحدة في فلسطين !

السبت 23 شباط (فبراير) 2013 par د. إبراهيم علوش

هل المشكلة في “يهودية الدولة” أم في وجودها؟
يمكن أن يقودنا الحديث الدائر اليوم عن رفض ما يسمى “يهودية إسرائيل” باتجاهين: اتجاه تسووي تفريطي، وأخر جذري مقاوم.

فهناك من يجعل مناهضته ليهودية دولة “إسرائيل” مدخلاً للتأكيد على مطلب “دولة لكافة مواطنيها” أو الدولة ثنائية القومية“، باعتبار ذلك رداً على الهوية اليهودية الصافية لدولة”إسرائيل“. وهذا البرنامج يعني فعلياً: 1) نفي الهوية العربية عن فلسطين، باعتبارها لكافة مواطنيها من غزاة وغير غزاة، أو ثنائية القومية، عربية ويهودية، 2) المطالبة بالتعايش مع الغزاة في فلسطين تحت عنوان”حقوق المواطنة“، وهنا تصبح”مقاومة التمييز العنصري“، لا التحرير، إستراتيجيتنا الأساسية، 3) تبني الوسائل السلمية في النضال، بالأخص تلك التي تضم”تقدميين يهود" أو أمميين!

ويطرح هذا التوجه “مشروعه” باعتباره أكثر “واقعيةً” من مشروع الدويلة الفلسطينية المسخ على أراضٍ مساوية في الحجم للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أو على 6200 كم2 كما قال محمود عباس. ويسوق أنصار “الدولة الواحدة” الأدلة والحجج على تهافت مشروع “الدولة الفلسطينية”، وكيف أنهى الجدار الاستيطاني التوسعي هذا المشروع، وكيف لا تملك الدولة المفككة إلى كانتونات مقومات الحياة، وكيف يخاف الجمهور “الإسرائيلي” من تحول الدولة الفلسطينية المنشودة إلى قاعدة للعمل ضده، الخ...

والحقيقة أن هذين المشروعين التسوويين: مشروع الدويلة ومشروع الدولة الواحدة، ليسا إلا تعبيرين عن نهج واحد هو نهج التعايش مع اليهود في فلسطين، ونهج إسقاط الحق العربي التاريخي بفلسطين، ونهج التخلي عن إستراتيجية العمل المسلح وعن هدف تحرير الأرض. والفرق ما بين هذين المشروعين بهذا المعنى لا يختلف عن الفرق ما بين الليكود والعمل في الكيان الصهيوني، أو ما بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. فالمهم هنا أن كلا المشروعين ينبثق من غرة التناقض مع نهج المقاومة والتحرير وعروبة الأرض، وأن كليهما يبدأ بإسقاط أهم ثلاثة بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل: عروبة فلسطين، الكفاح المسلح، والمادة السادسة من الميثاق الوطني الفلسطيني التي لا تعتبر اليهود القادمين إلى فلسطين مع بدء المشروع الصهيوني فلسطينيين. وهذه المادة الأخيرة بالذات كثيراً ما تغيب أهميتها، حتى عن بعض المتمسكين بالميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل، فهي تنفي حق الإقامة في فلسطين عن اليهود القادمين إليها منذ بدء المشروع الصهيوني. وهذا الوضع الطبيعي طبعاً، كما يفترض أن يكون في أي بلد مع غزاتها...

بالمقابل، من يرفض “يهودية إسرائيل” أولاً على قاعدة التمسك بعروبة أرض فلسطين، وعاشراً بعد المليون على قاعدة رفض العنصرية، يبدأ برفض حق “إسرائيل” بالوجود، ككيان وكدولة وكمجتمع استيطاني إحلالي، قبل أن يدخل في دهاليز ومتاهات “يهودية الدولة” لكي يصل بالضرورة إلى ضرورة الانخراط بقوة في النظام السياسي “الإسرائيلي” بذريعة جعله أقل عنصرية... وهي نتيجة تطبيعية بامتياز منطلقها أن المشكلة تكمن في “يهودية الدولة”، وليس في “الدولة نفسها” التي تتم مناقشة يهوديتها هنا.

وفي الحالات المتطرفة، تجد بين مناصري “إسرائيل الواحدة، الديموقراطية، غير العنصرية”، من يعتبر الإسلاميين بكافة ألوانهم المعادل العربي الفلسطيني للحاخامات اليهود، ما دامت القصة قد أصبحت قصة فصل للدين عن الدولة في “إسرائيل”، وقصة إزالة العنصرية فحسب... سلماً طبعاً... على غرار مثال جنوب أفريقيا... الذي لا ينطبق على الوضع الفلسطيني إلا بمقدار ما ينطبق مثال المهاتما غاندي على العراق. فالشعب جنوب الأفريقي لم يكن أكثر من نصفه من اللاجئين، خارج بلاده، والقضية في جنوب أفريقيا اتخذت بعداً إنسانياً أكثر مما اتخذت بعداً حضارياً ارتبط في بلادنا بقوة، منذ نهاية القرن التاسع عشر، بالصراع على هوية الأرض، وما إذا كانت عربية أم توراتية.

ومن البديهي أن من يتبنى برنامج “الدولة الواحدة” لا بد له أن يبدأ بالتخلي عن الهوية العربية لأنه يتمسك ببرنامج يفترض عملياً بأن فلسطين معلقة في الفضاء، في مكانٍ ما بين عُطارد وزُحل، لا جزءٌ من الوطن العربي والعالم الإسلامي. فمشروع “الدولة الواحدة” الذي يستمد كل قوته المعنوية من أخر صيحة في عالم أزياء العولمة، ونزعة الإمبريالية العالمية لتبني شعارات حقوق الإنسان والتعددية كغطاء لتفكيك الهويات والحواجز القومية أمام الشركات متعدية الحدود، لا قيمة له في فلسطين حيث تتبنى الإمبريالية العالمية المشروع الصهيوني بالكامل.

وما سبق لا يتناقض مع وجود أبعاد سياسية، مقابل الأبعاد الأيديولوجية أو العقائدية، لمقولة “يهودية الدولة”. فالكيان الصهيوني يريد أن يهندس البيئة التفاوضية مع السلاطة الفلسطينية والأنظمة العربية بطريقة تفرض شروطه مقدماً، وأن يحضر الأذهان لفكرة الترانسفير، أو ترحيل فلسطينيي ال48، سواء بطردهم فعلياً عندما تكون الظروف مناسبة، أو بضم كانتوناتهم للدولة الفلسطينية المسخ. وهو يريد أن يقطع الطريق مسبقاً على أي نقاش لحق العودة، ليس لأن حق العودة مطروح على الطاولة فعلاً، بل لتخفيض المبالغ أو التنازلات المستحقة عليه في أي تسوية مهما كانت هزيلة، والتسوية لا يمكن إلا أن تكون هزيلة، فليس هناك من تسوية مشرفة مع العدو الصهيوني، وليس هناك حق بلا مطالب، وليس هناك عودة بمعزل عن مشروع التحرير. والمهم أن الكيان قد جر الجميع للتفاوض حول مطالبه القصوى بطرحه قضية “يهودية الدولة” بعد تخلينا عن طرح قضية “وجود الدولة”



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165458

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165458 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010