الاثنين 18 شباط (فبراير) 2013

العرب اختاروا الثورة ضدا على الإرهاب الدولي!

الاثنين 18 شباط (فبراير) 2013 par مطاع صفدي

أسوأ مصير تواجهه أية ثورة من أجل الديمقراطية، هو أن يغدو قرارها في غير يدها. هذا يعني بكل بساطة أن ثورة التحرير محتاجة إلى من يحررها من المتجرئين على براءتها، من مستغلي قواها الشعبية المنطلقة وراء أسمى الأهداف الإنسانية، وتحريفها إلى قوى منقسمة على بعضها، ومتصارعة، متفانية فيما بينها.
ثوراتنا العربية معرضة لكل أشكال النهب والخطف والاستغلال، والمجتمع الدولي تحديداً هو عش اللصوص الكبار. هذا فضلاً عن كون كل ثورة عربية حية حتى اليوم، تناضل ضد حجوم أخرى من اللصوص المحليين الصغار، أو الذين كانوا هامشيين مجهولين، ثم يبرزون فجأة في مقدمة المسيرات الجماهيرية، أو أن ألسنتهم الطويلة تجتاح الفضاء العام بالزعيق الزائف، مرددة كل الكلمات الخشبية المستهلكة، إذ تظل الثورة حالة شعبية سابقة على الانتظام، حدودها مفتوحة لأنواع من الدخلاء والخوارج في وقت واحد. هناك من يدخل عليها بأعبائه الخاصة، مستثمراً الحماس العام لتمرير أهدافه الذاتية، هناك من يخرج عن جسمها، من ينحرف عن صفوفها، ويبني في ضواحيها مجاميع بشرية أخرى، شراذم احترافية لاستبضاع إنجازات الثورة قبل نضوجها، أو أنه يقحمها عليها دون إرادة أو تبصر.
هذا يحدث في شوارع المدن العربية الثائرة، في الوقت الذي تحاصرها فيه عيون العواصم العالمية الكبرى. فالربيع العربي أمسى همّاً كونياً، و(الكبار) يتسابقون بطرقهم الملتوية، للفوز بحصص من مواسمه، فارضين عليه، شراكات إكراهية؛ وآخر هذه المحاولات الماكرة، بل أخطرها وأهمها هو هذا السعي المحموم لتصفية الثورة السورية. مع اختيار لحظتها الراهنة من نشاطها المتميز كيما تَفرض عليها الانقطاعَ عن مسيرتها باسم الخلاص من فوضى العنف والاقتتال العبثي. هذا هو جوهر ما يسمّى بالتدخل الدولي. فقد امتنع طويلاً عن النجدة الجدية عندما كان بعض الثوار ينادون عليه. وها هو اليوم يتدافع أقطابه لفصم عُرَى الحياة بين الثورة وأهدافها. إنهم يقطعون أوصال وحداتها البشرية، يعيدون شرذمتها إلى أفرقاء وجماعات، ومواقف سياسوية مصطنعة. إنهم يحشرون الثورة في مضائق النقاشات العقيمة، كل شيء يصير مباحاً ماعدا الفعل الثوري في ساحاته المعهودة. ثم يأتي دور القسمة العظمى، إذ ينشطر القادة وأطيافهم وراءهم، ما بين الشعب المقاتل والشعب المهادن، لكن القسمة هذه هي التي ستتكفل بسلاسل لا تنتهي من الفرعيات والشذرات المتنامية من بعضها، وضداً على بعضها.
لقد حسم (المجتمع الدولي) أمره أخيراً. لم يعد مصنّماً في مواقع التفرج على مآسي الآخرين من بعيد، صار فجأة ضد العنف، يستنكره ويدينه، موحداً تحت تحت غطائه بين قطبيْ الفاعل والمفعول معاً. المجازر تصير سورية هي مرجعها، وليس الديكتاتور هو مرتكبها. جماعات (حقوق/الإنسان) التي تملأ الدنيا صخباً ببياناتها وأرقامها، لكنها، ومعها كل المؤسسات الرسمية، تعجز عن إيصال أسماء المجرمين إلى قاعة أية محكمة عالمية. قوائم الضحايا السوريين كل يوم ينبغي أن تُعلّق صفحاتُها على أبواب حكّام هذا العصر، المتميز بأحدث بربرية، تشارك في ارتكاباتها الجنونية معظمُ الغالبيات الصامتة من إنسانية القرن الواحد والعشرين عن إرادة واعية أو آلية عمياء.
والمشاركة هي بالأفعال أو النوايا أو باللامبالاة، وهي الأفجع في هذه التهلكة العمومية لأنها تستهدف التعمية على أية مسؤولية، في حين أن استمرار الاستبداد في هذا العصر لم يعد يعيش بقوته الخاصة، بل لأن الآخرين كل الآخرين لا يفعلون شيئاً إزاءه. لماذا إذن لا يكونون المسؤولين الأصليين عنه!
أما حين ينتفض الشعب المقموع، يصبح الثوار الملامين، إذ كسروا تقاليد هؤلاء الآخرين، ارتكبوا المعصية الكبرى، لم يقاوموا وحوش الاستبداد وحدهم، بل أدانوا تقاعس الآخرين كذلك، هؤلاء الذين يصيرون شركاء القتلة باختيارهم واقعياً، وإنْ ادعوا البراءة من كل فعل.
المستبدون عندما يتحولون إلى قتلة علنيين، فإن القانون المحلي الوطني يصنّفهم أنهم أصبحوا أعداء الشعب، وينعتهم القانون الدولي بتهمة الإبادة ضد الإنسانية. وبالتالي فإن مكافحة هؤلاء تؤلف صميم الواجب الأمني لكل نظام قائم، دولي أو محلي. ذلك أن مكافحة المستبدين هي التي كان ينبغي للمجتمع العالمي أن يصمم ملفها، وأن ينخرط في تنفيذ مفرداته، بديلاً عن ملف الإرهاب. لكن هذا الاستبدال الوقح كان دليل السياسوية الشوهاء، فلقد ارتكب الغرب دائماً طرق الخطأ المقصود والممنهج. فليس هناك إرهاب إلا عندما يستحيل كل تغيير أو اعتراض ضد الاستبداد، عندئذ يتولد الإرهاب كأنه دعوة عدمية مطلقة، وهكذا يغدو الإرهاب بديلاً عن الثورة الحقيقية، معيقاً انحرافياً لولادتها، محبطاً لتفاعل أسبابها العقلانية، ومع ذلك، تجد الأمم الحية طريقها إلى الثورة، وتحاول أن تسترد من الإرهاب زمام المبادرة المخطوفة، تعيد إلى الشعب المقهور ثقته بقدرته على استنهاض قوى الحرية المقموعة في عقر داره. تسحب الثورة (الأرض الموضوعية) من تحت أقدام الإرهاب.
هكذا يمكننا القول أن الثورة الربيعية موكول إليها أن تضع حداً لأكبر حَقَبَةِ تزويرٍ وتحريف لثقافة الحرية في عالم ما بعد انقضاء الحرب الباردة، تلك الحقبة التي كانت تتصاعد ويلاتها الشريرة تحت عناوين الإرهاب وحروبه القذرة العبثية. فقد كان عالم ما بعد انهيار القلعة السوفيتية، مقبلاً على العصر الذي يتصدى فيه لاقتلاع أسس الظلم والظلام الكوني، كان مركب الاستبداد/الفساد في طريقه إلى الانهيار. كان الاستعمار، ربيبُ هذا المركب وسيّده، موشكاً كذلك على افتقاده لأسس شرعيته من خارطة الصراع الكوني. كان العالم في سياق ثَوَران إنساني يختم به نهاية تاريخه المظلم الحافل بنماذج مجتمعات اللامساواة وأنظمتها البالية؛ في طليعتها كانت تبرز الكيانات العربية كأنها المثال الصارخ للعبودية المتمادية، الفاقدة لحلولها فكرياً وسياسياً.
ومع ذلك، كان عالمنا العربي ـ في اعتقاد بعض طلائعه التنويرية ـ موشكاً حقاً على الانخراط في ذلك الجانب الآخر المهمل من نهضته، الذي هو العمران المتكافئ حضارياً وتنموياً.
وأيضاً كان بعض الفكر الغربي الأوروبي آنذاك يبشر نفسه بمولد ثقافة العالم أخيراً مقابل ثقافة الكاتونات المصلحية المغلقة التي رعتها واستخدمتها الرأسمالية تحت وطأة حروبها الطبقية والقومية والعالمية، التي غطت القرن العشرين، وجعلته من أقذر عصور الموت المجاني المنظم للأمم والحضارات معاً. كان العالم حقاً يكاد يولد جديداً معافى، مختلفاً كلياً عن ماضيه الدموي البربري.
هنا، وفي هذه اللحظة من أعظم القطيعات الكونية، تمَّ اختراع ’الليبرالية الجديدة’ التي بدورها اكتشفت ودشنت وقادت دوامة (الإرهاب العالمي)، جعلته في مركز العاصفة المحوري الذي يولد زوابع غبارية دموية متنقلة في أقطار القارة المتحركة العربية الإسلامية.
نحن نراجع هنا بسرعة بعض الملامح لهذه الحقبة المشؤومة، لأن الربيع العربي المتطور والمتنامي عالمياً، قد يوحي بنهاية هذه الحقبة، كما يعتقد بعض الفكر المتنور هنا في أوروبا، ولأن الهجمة الغربية على هذه الثورات سوف تحرك من جديد الإرهاب بديلاً عن المنجزات التقدمية المنتظرة لهذا الربيع، ولأن مواقف بعض الغرب خاصة من الثورة السورية، يمكنها أن تتحول إلى درس وعناوين خبيثة لما يضمره الغرب من وسائل إحباط الربيع ذاتياً.
إن إدامة النزف السوري بتَعِلَّة الخوف من ثوار إرهابيين، ما هي إلا الذريعة/المفتاح لإلصاق ملف الإرهاب كلياً، ما فوق أديم الثورة في مناحي الوطن العربي من شماله الأفريقي (مالي) إلى عمقه الشرقي العراقي الشامي معاً. فما تزال (صناعة) الإرهاب هي المحتلة لمركزية الاستراتيجية الليبرالية، وإن كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكنها لا تزال في أوج توقّدها قبل الإنطفاءة المحتومة.
سوف نراقب، نرى، نسمع أن قاموس المفردات الإرهابية سيكون سيد النص السياسي والعملي تردده أبواق الغرب، ثم يصبح بمثابة التعاويذ الدينية في تأويل كل حدث، وفي ترجمة مساره، وابتكار الحلول الملائمة لتحريفه وتزويره.
ثورة الشام قد تكون واعية إلى حد ما بعض ما يحيق بها من تضليل وتشويه، لكنها مدعوة اليوم، وأكثر من أي وقت آخر، إلى تغليب طابعها الوطني والإنساني على مختلف فصائلها ومكوناتها الاجتماعية والعقائدية.
فالأفخاخ الإرهابية تحيطها من كل جانب، لكن تشبثها بثقافة الحرية وحدها سوف يجنبها كل مطبات الغرب وأتباعه المحليين. هذه الحرية هي السلاح الأمضى في اليد الثورية النظيفة، وقد عرفت الثورة كيف تستعمله حتى الآن، وتستغني به عن أسلحة كل الآخرين من تجار الموت وصفقاتهم المشبوهة. ولعلها أضحت مدعوة لتكون الرائدة المميزة لشخصية ثورة عربية أصيلة، يمكن للعالم أن يتفهمها ويكون صديقاً لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178165

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178165 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40