السبت 16 شباط (فبراير) 2013

تصالحوا.. لم يتصالحوا

السبت 16 شباط (فبراير) 2013

يتفق المحللون، وكذلك عدد كبير من المسؤولين الفلسطينيين الذين شاركوا في اجتماعات المصالحة في القاهرة، على أن الاجتماعات المذكورة لم تحقق اختراقاً كبيراً، هي بالأحرى لم تحقق الاختراق المطلوب، ولعل الخشية الآن، هي من عودة سريعة إلى التراشق الكلامي وتبادل الاتهامات المعتاد، وفي هذا ما يفسر الابتعاد عن استخدام وصف “الفشل”، عند الكلام عن محصلة جولة القاهرة الأخيرة، إذ من شأن إطلاق هذا الوصف، إعطاء إشارة للناطقين الرسميين كي يباشروا دورهم المعتاد في تحميل الآخر وزر جريمة الفشل في إتمام المصالحة، وفي حالة كهذه، ستكون الجولة الأخيرة شبيهة بكل الجولات التي سبقتها تماماً، أي كأنها منسوخة عنها، والقيادات المتنبهة لعدم إيقاع الشعب الفلسطيني في مشكلة التكرار حرصت على التنويع، فابتكرت مقولة: “الجولة لم تفشل، ولكنها لم تحدث اختراقاً كبيراً”.

ورغم كل هذه الاحتياطات، فقد كان هناك من سارع إلى القول إن “رئيس السلطة قد أفشل المفاوضات، بعد تلقيه اتصالاً من السفارة الأميركية، قام في إثره بالتعطيل والمغادرة، قبل وضع اللمسات الختامية على اتفاق شبه ناجز”، بالمقابل تحدث آخر عن أن “حماس لا تريد المصالحة أصلاً، وهي تعاني انقساماً داخلياً بشأنها، كان سبباً في التعطيل، وإفشال جولة القاهرة المحاطة بتوقعات كبيرة”، وبين هذا وذاك، جاء من يذكر بمقولات سابقة “لن تحدث مصالحة أبداً، ألم أقل لكم هذا”؟

وقائع

في ما أمكن الوقوف عليه من تسريبات المشاركين في الاجتماعات، فإن المجتمعين قد أنجزوا خطوة صغيرة في كل ملف على حدى، دون التوصل إلى اتفاق إجمالي حول أي من الملفات المعروضة للنقاش، ناهيك عن الاتفاق الكامل على بنود المصالحة كافة.

في الوقائع تريد حماس اتفاقاً على تشكيل “حكومة الوحدة”، وتأسيس كافة النقاشات اللاحقة، حول كل الموضوعات على هذا الإنجاز، بينما تسيطر على دماغ رئيس السلطة الفلسطينية، كلمة واحدة يراها مفتاحاً لكل تطور هي: “الانتخابات”.

لذلك هو يريد ربط تشكيل الحكومة المؤقتة بالانتخابات، ويحدد للحكومة مهمة تنتهي خلال ثلاثة أشهر، تكون قد أنجزت الانتخابات في نهايتها، وعند فتح موضوع منظمة التحرير، يطرح أيضاً مسألة انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.

وهكذا تبدو مسألة تشكيل حكومة والتأسيس على هذا، إشكالية لا تلبي مطلب حل فعلي أو مصالحة حقيقية، ويظهر موضوع الانتخابات مثل بوابة على تعقيد شديد، مع الإصرار على إجرائها داخلاً وخارجاً في ظروف وافرة الصعوبة تحيط بوضع الفلسطينيين في أقطار اللجوء كافة، خصوصاً العربية التي يتركز فيها غالبية اللاجئين الفلسطينيين.

بسبب الخلاف حول مدة عمل الحكومة، والتي رفضت حماس، أن تقتصر على ثلاثة أشهر، كما رفضت الربط بين تشكيلها وإجراء الانتخابات على ما طلبت فتح، فقد جرى تأجيل البحث في هذا الملف إلى موعد يحدد لاحقاً، أي أنه صار قيد تأجيل مفتوح، وتقول مصادر مقربة من حركة حماس، إن فتح اقترحت التزامن بين إصدار مرسوم تشكيل الحكومة، ومرسوم الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، بينما طالبت حماس بالتشكيل فوراً، وتحديد موعد الانتخابات في وقت لاحق.

موضوع الانتخابات، ظل النقطة الأكثر تعقيداً، وبرزت هنا خلافات عديدة، وتحديداً في ملف انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني (الإطار التشريعي لمنظمة التحرير الفلسطينية)، اتفق الجميع على نسبة الحسم وهي واحد ونصف في المئة، واختلفوا على الباقي، وقد تردد كلام عن وجود توافق على اعتماد النسبية، ولكن مصادر حماس نفت حدوث مثل هذا التوافق، وقالت إنه جرى الاتفاق سابقاً في القاهرة، على انتخاب 75 % وفق النسبية، و25 % وفق نظام الدوائر، ويوجه مقربون من حماس انتقادات حادة للكلام من جديد حول النسبية، ملاحظة أن العودة لطرح هذه المسألة كنقطة خلافية يمثل عودة إلى الوراء، ويكشف عن نيات لدى البعض بعدم الوصول إلى اتفاق.

مصادر فتح تقول: إن الحركة جددت مطالبتها بأن يكون الخارج كله (أقطار اللجوء والشتات) دائرة واحدة، وفي مقابل ذلك اقترحت حماس أن يكون الخارج موزعاً على ست أو ثماني دوائر، وهو ما رفضته فتح وفصائل المنظمة.

وأعيدت إلى واجهة النقاش نقطة خلافية قديمة تتعلق بطبيعة العلاقة بين أعضاء المجلس التشريعي في الضفة وغزة، وبين عضوية المجلس الوطني الفلسطيني، حماس تتمسك بموقف قديم لفتح، بأن يكون أعضاء التشريعي أعضاء كاملي العضوية في المجلس الوطني، بينما تريد فتح، ومعها عدد من فصائل المنظمة، الفصل بين عضوية المجلس التشريعي، وعضوية المجلس الوطني.

في موضوعي لجنة الحريات العامة، ولجنة المصالحة المجتمعية، حدث توافق على متابعة العمل، بدعم من الراعي المصري، والذي سيحضر اجتماعات للجنتين تعقد في غزة والضفة، ويمكن أن يحافظ عمل هاتين اللجنتين على بقاء زخم في الحديث عن المصالحة، والتأسيس عليه لاحقاً، لكن نشاطهما بحد ذاته لا يوصل إلى المصالحة المنشودة، أو يعول عليه في تحقيق الاختراق المطلوب.

عرض هذه الوقائع يفرض التساؤل حول توصيف ما حصل بالضبط في اجتماعات القاهرة الأخيرة، هل هو فشل أم نصف فشل؟ وهل يعني عودة إلى المربع الأول، أم أن من اجتمعوا في القاهرة أبقوا على باب موارب يمكن أن يشرع في وقت قريب؟

التجربة والتوقعات

ثمة من يحسم بالقول: إن المصالحة مستحيلة، معيداً التذكير بجملة من الوقائع القائمة على الأرض، والتي أفرزت قوى لا تريد المصالحة، وتملك ما يكفي من إمكانات القدرة على تعطيلها متى شاءت، ومن هؤلاء من يرى أن حجم الافتراق بين الجانبين (طرفي الانقسام) لا يمكن ردمه، وهنا يحضر أيضاً الحديث عن تأثيرات إقليمية ودولية، وبالتحديد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وقد كان لافتاً للانتباه، ومع أولى المؤشرات على تعثر مشاورات القاهرة، الحديث عن أن رئيس السلطة تلقى اتصالات تحذره من مواصلة السير في إنجاز المصالحة، وفي رواية أخرى تردد أن الأميركيين اتصلوا بالسيد عباس، وهددوا بإلغاء اللقاء المرتقب مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، في حال تكللت جولة القاهرة بالاتفاق على بنود المصالحة، الرواية الثالثة، وهي أقرب إلى التصديق، تتعلق بكلام أميركي عن نية أوباما دفع المفاوضات في زيارته القادمة الربيع المقبل، والطلب إلى عباس التريث لرؤية النتائج التي قد تتحصل عن هذه الزيارة، بدل تقييد نفسه في مندرجات بناء النظام السياسي الفلسطيني الجديد.

ربما تكون هذه الروايات واقعية، وربما تكون مستندة إلى مجرد التجربة، مع جولات المصالحة والاجتماعات الفلسطينية، وفي الحالين نكون أمام نتائج متقاربة إن لم نقل متطابقة، هنا يشير البعض إلى أن موعد زيارة أوباما كان معروفاً، وكلامه عن تحريك المفاوضات كان معروفاً أيضاً، مثل هذه المعطيات لا تنبت في الواقع فجأة، بل تمر بترتيبات يعرفها المنخرطون في عالم السياسة، والإشارة هنا هي إلى استبعاد فرضية الاتصال المفاجئ في لحظة حاسمة، ما أدى إلى انهيار المصالحة، والأرجح أن الجميع يتوجه إلى تلك الاجتماعات وليس لديه نية الاتفاق النهائي، بل متابعة التمارين إن جاز التعبير، والفرق الوحيد في هذه المرة، هو رفع وتيرة الصوت بقرب التوافق، مع أن ارتفاع الصوت لم يقنع كثيرين.

بعض المراقبين ينصح بالعودة إلى الوقائع لاكتشاف مدى الجدية، تشكيل الحكومة بسرعة، وهو ما تصر عليه حماس، لا ينتج حلاً للمشكلة، بل نمطاً جديداً من أنماط إدارة الأزمة، وكلمة عباس السحرية عن الانتخابات، لا تنتج الحل أيضاً، والبعض من هؤلاء المراقبين يشير إلى ما يمكن اعتباره انزلاقاً واعياً إلى أوهام يعرف الجميع طبيعتها، كمثل البدء بإعادة تشكيل المنظمة من انتخابات المجلس الوطني في دائرة واحدة، أو في دوائر متعددة، ويكاد المراقب يصرخ بالسؤال: عما يتحدث هؤلاء، عن انتخابات في مخيم اليرموك الذي جرى تهجير سكانه، ولم تستطع الفصائل حتى الآن التوافق على رؤية محددة بشأن التعامل مع احتلاله من قبل المسلحين الذين يعيثون فيه خراباً ونهباً، أم في الأردن، حيث يكون التعبير عن الهوية الفلسطينية جواز مرور إلى التشرد والحرمان من نعمة جنسية جلالة الملك؟ وكيف سيتم إحصاء الفلسطينيين في الأردن وعلى أي قاعدة؟

الانتخابات كلمة جميلة، لها فعل السحر هذه الأيام، ولكن المطلوب من القيادات الفلسطينية الرشيدة، أن تكون عالمة بالضبط بأحوال من تتحدث عنهم، ولو أن نية جدية تتوفر حقاً لإعادة بناء منظمة التحرير، لأمكن إيجاد مئات الطرق، فعلاً إن كانت النوايا جادة، وفعلاً إن كانوا يريدون وضع برنامج وطني جدي يجيب على المشكلات القائمة، وتلك الناشئة في الواقع الفلسطيني المعقد والصعب.

ثمة كلام يبقى عالقاً في الحلق، الأفضل هو عدم قوله الآن بالذات، لأن الجراح عميقة بما يكفي، ولأن نظرة الفلسطينيين إلى قواهم، تتشكل بمزيج من الريبة، وعدم الثقة، وهذا يكفي.

عبد الرحمن ناصر- الثبات



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2181730

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع تقارير وملخصات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181730 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40