الجمعة 15 شباط (فبراير) 2013

الثورة المصرية تثلّث دوراتها

الجمعة 15 شباط (فبراير) 2013 par الياس سحاب

عندما اتفقت جماهير الشعب العربي في مصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على التلاقي في ميدان التحرير بالقاهرة صبيحة يوم الخامس والعشرين من شهر يناير/ كانون الثاني قبل عامين، لم يكن في نيتها أبداً إطلاق تحرك ثوري يطيح برأس النظام الحاكم خلال ثمانية عشر يوماً . كان غرض الجماهير الاساسي استغلال ذلك اليوم الذي يصادف العيد السنوي لقوات الشرطة المصرية (أنشىء في العام 1952 تخليداً لمواجهة قوات الشرطة في الإسماعيلية لقوات الاحتلال البريطاني)، من أجل التعبير عن احتجاجها على الممارسات العنيفة التي تواجه بها الشرطة المصرية جماهير الشعب، والتي كان رمزها موت الشاب خالد سعيد في الإسكندرية تحت تعذيب الشرطة .

لكن حماقة وغباء تصرف الحكم وأجهزة الحزب الوطني الحاكم، في الأيام الأولى لتلك الحركة أنسى الجماهير غرضها الأول الذي خرجت من أجله، وأصبح الشعار المرفوع للجماهير التي ملأت ميادين مصر كلها من أسوان جنوباً إلى الإسكندرية شمالاً: “يسقط يسقط حسني مبارك” .

تلك كانت الدورة الأولى من ثورة 25 يناير المصرية، والتي لم تسقط فقط رأس النظام الحاكم، بل أسقطت معه مبدأ وراثة ابنه جمال له . كما أسقطت قراره في أيامه الأخيرة بتعيين عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية .

في أيام تلك الدورة الأولى من الثورة، كان قرار قيادة الجيش بعدم التصادم مع الجماهير لحساب النظام، هو الذي جعل تلك الجماهير تهتف لوحدة الشعب والجيش، وتقبل بترحاب، وبعدم قلق، قرار مبارك بالتنازل عن سلطة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة . وقد كان ذلك في وقته قراراً غير دستوري، لأن الدستور كان ينص على نقل سلطة الرئيس، إذا شغر موقعه لسبب ما، انتقالاً مؤقتاً إلى رئيس مجلس النواب، وفي حال شغور هذا المنصب الثاني، إلى رئيس المحكمة الدستورية .

وسارت الأمور بهدوء سياسي وأمني في الأيام الأولى، غير أن المجلس الأعلى، سرعان ما كشف عن شهوة بتمديد بقائه في السلطة أطول فترة ممكنة، كما أثبت - أكثر من ذلك - أنه كان الوجه الآخر للرئيس المخلوع حسني مبارك، في الحفاظ على كل معالم نظام الحكم السابق .

لكن ذلك سرعان ما تحول إلى محطة لإطلاق سريع للدورة الثانية للثورة المصرية، التي أصبح شعارها الصريح “يسقط يسقط حكم العسكر” .

وقد لفتت سرعة رد الفعل الجماهيري هذه، وعمقها وتجذرها، لفتت أنظار المراقبين إلى تبدل واضح في مزاج الشعب المصري، الذي كان يعرف عنه عادة بطء الحركة في ردة فعله على مظالم النظام الحاكم .

وبعد شد وجذب استمر أشهراً طوالاً بين الجماهير الغاضبة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، اضطر هذا المجلس إلى الإنسحاب من الواجهة السياسية، وإفساح الأمور أمام ولادة مرحلة مدنية جديدة .

لكن مخاض ولادة هذه المرحلة المدنية الجديدة، سرعان ما كشف فيه الإخوان المسلمون، أنهم زاحفون للسيطرة على الحكم، علما بأنهم لم يكونوا طرفاً أصيلاً واضحاً وحاسماً، في الدورتين الأولى والثانية للثورة، فيما تؤكده تفاصيل وقائع هاتين الفترتين .

عندئذ، خالفت جماهير الشعب المصري عاداتها القديمة في بطء التحرك في مواجهة ما تراه إعوجاجاً في السلطة، فانطلقت لتدشن الدورة الثالثة من ثورة 25 يناير، التي ارتفع شعارها واضحاً، كما في المرتين السابقتين: “يسقط يسقط حكم المرشد” .

لكن الوضع في هذه الدورة الثالثة أكثر تعقيداً من كل ما سبق ذلك أن على رأس السلطة رئيساً منتخباً بانتخابات حرة ونزيهة، لا يغير من نتيجتها إحساس جماهير الثوار أنهم اخطأوا عندما توجهوا لانتخاب محمد مرسي بأنفسهم، في مواجهة ترشيح أحمد شفيق، الذي كان نجاحه يهدد بعودة النظام السابق بصورته الأصلية، وليس بمن يقلده في كرسي الحكم .

ذلك هو المشهد الدرامي الذي يلف الحراك السياسي في مصر، والذي يزيد من دراميته أن الجماعة الحاكمة، لا يحركها حتى الآن، سوى شهوتها في التسلط والاستفراد بكل منصب في مصر، بما في ذلك منصب مفتي الديار، ومنصب شيخ الأزهر . وهو ما فشلت في الوصول إليه .

الأمر يستدعي الكثير من التعقل لدى الجماعة الحاكمة بشكل خاص، خاصة بعد أن أثبتت جماهير الشعب المصري، وتثبت كل يوم، أنها طلقت عاداتها التاريخية السابقة في بطء الحركة لمواجهة أي اعوجاج تراه في السلطة الحاكمة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165521

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165521 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010