الثلاثاء 12 شباط (فبراير) 2013

نوايا« إسرائيلية» سيئة، وأهداف أمريكية مركّبة.!

الثلاثاء 12 شباط (فبراير) 2013 par د.عادل محمد عايش الأسطل

تباينت الآراء والتكهنات، حول الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للمنطقة، والتي لم يُحدد لها موعداً بعد، وإن أشارت تقديرات بأنها ستكون في أواخر مارس/آذار المقبل. فبينما رأت الخارجية الأمريكية أن “أوباما” قد يغتنم فرصة ما أفرزته الانتخابات «الإسرائيلية» الأخيرة، ووضع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» “بنيامين نتانياهو” كونه أصبح أقل ثقة بالنفس وأكثر حساسية للمؤثرات الخارجية، باستخدام (العصا والجزرة) فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية والقضية الفلسطينية. فقد رأى آخرون بأن الزيارة، تأتي في إطار الدعم الأمريكي« لإسرائيل» وبالذات لشخص “نتانياهو” وبأن الزيارة ستخلو من أيّة ضغوطات قد يُمارسها “أوباما” على الأخير، بغض النظر بشأن الاختلافات والتباينات في وجهات النظر الخاصة لكل منهما، حول عدد من القضايا، والاتهامات المتبادلة بتدخل كل منهما في شؤونه الانتخابية.

أيضاً، كان البيت الأبيض قد أكّد على أن المتغيرات الحاصلة، داخل البلدين الأمريكي و«الإسرائيلي» وأهمها: بداية الولاية الثانية للرئيس “أوباما” وتشكيل حكومة جديدة في إ«سرائيل،» تسمحان بتأكيد الصلة العميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي ستؤخذ بعين الاعتبار كأساس في البحث عن سبل مريحة، تتمكن من خلالها «إسرائيل» التقدم بشأن عملية السلام، وعدد من مواضيع الاهتمام المشترك، خصوصاً إيران وسوريا وبعض دول المنطقة مثل مصر والأردن وتركيا. ومن جانبٍ آخر، فقد أوضح متحدث باسم ديوان رئاسة الحكومة ا«لإسرائيلية»، أن زيارة كهذه، ستوفر فرصةً هامة، لتأكيد الصداقة والشراكة القوية بين« إسرائيل» والولايات المتحدة. وكانت مصادر إسرائيلية قد أكّدت منذ الأيام الأخيرة، وجود محاولات إسرائيلية لإقناع الإدارة الأمريكية بضرورة استمرار ضغطها على الجانب الفلسطيني، من أجل العودة إلى المفاوضات مع« إسرائيل» دون الحاجة لإيقاف العمليات الاستيطانية. لا سيما وأن تلك المحاولات تم التأكيد عليها خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها “أوباما” نهاية يناير/كانون ثاني الماضي مع “نتاياهو” لتهنئته بالفوز في الانتخابات «الإسرائيلية».

عموماً، فإن هناك تحفظات مهمة بشأن التكهنات التي تقول بدرس العصا والجزرة، لِعلّة أن هذا الدرس، كان قرأه الرئيس “أوباما” كثيراً خلال الفصل الفائت على “نتانياهو” وحكومته المنتهية. وكان حاصله صفر، وذلك في ضوء الإصرار على مواصلة تطبيق النوايا «الإسرائيلية» السيئة، باتجاه كافة القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني. حينما أشهر “أوباما” عصاه التي لا تكاد تُرى بمجهر، مع المزيد من الخس والجزر، تمثّلا في سلة غنية بالضمانات الأمريكية المكتوبة، بهدف جذبه فقط إلى ناحية تجميد الاستيطان لمدة شهرين، للمساعدة في استـئناف المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية.

ربما يكون وارداً، ما من شأنه إثارة بعض التخوفات «الإسرائيلية،» من أن يُقدم “أوباما” خلال زيارته، على طرح مقايضة توقف بموجبها« إسرائيل» الاستيطان، مقابل منع إيران من الحصول على السلاح النووي. ولهذا سارع “ننانياهو” بالإيعاز لمسؤولين إسرائيليين كبار للقيام بزيارات مكوكية إلى واشنطن وبضمنهم مبعوثيه الخاصين، المحامي “اسحق مولخو” ومستشار الأمن القومي الجنرال احتياط “يعقوب عميدرور”، ثم ألحق بهم وزير الجيش «الاسرائيلي» “إيهود باراك”، من أجل الالتقاء مع مسؤولين سياسيين كبار، ومع قادة أجهزة المخابرات والجيش الأميركية، لإعداد وتنسيق الأفكار «الإسرائيلية» هناك. وحتى قبل وصول وزير الخارجية الأمريكي الجديد “جون كيري” الذي من المتوقع أن يبدأ جولاته في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر، وذلك للبحث في شأن تلك التخوفات، وللنظر في الملفات ذات الاهتمام المشترك.

وفي محاولة استباقية، لحيازة مكاسب سياسية مختلفة ومهمة، فقد أرسل “نتانياهو” بإمكانية استعداده لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، بعد تجميد محدود للعمليات الاستيطانية، في بعض المناطق التابعة للضفة الغربية، مع استمراره في مدينة القدس التي تشهد هذه في الأثناء(عمليات تهويدية ضخمة) والتجمعات الاستيطانية الضخمة الثلاث (معاليه أدوميم وغوش عتصيون ومجمّع أرئيل). وإمكانية إطلاق بعض السجناء الفلسطينيين، وتوسيع نفوذ السلطة الفلسطينية في مناطق من الضفة الغربية، في مقابل وعود فلسطينية، بعدم التوجه للمحكمة الدولية ضد «إسرائيل»، بهدف إظهار نواياه السلمية، ومن ثمّ إزالة الحرج الأمريكي، إضافةً إلى ترطيب الأجواء الأوروبية – الإسرائيلية، التي اضطربت في أعقاب استمرار السياسة «الإسرائيلية» المتعنتة، تجاه القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، فضلاً عن المطالب الداخلية، خاصة المؤيدة لسياسة التطرّف، وعلى رأسهم وزير المخابرات ونائب رئيس الوزراء “نتنياهو” “دان ميريدور” التي تنادي، بأنه يتوجّب على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة لإجراء مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية، ووقف البناء والتشييد خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، التي تضعف كثيراً من المواقف والمطالب الإسرائيلية أمام الأصدقاء الغربيين، وبدعوى أن معظم ناخبي الليكود يؤيدون دعم العملية السياسية مع الفلسطينيين.

كما حمل موفدو “نتانياهو” للإدارة الأمريكية، الرغبة« الإسرائيلية» الجامحة، حول تشكيل تحالف تركي- أردني، لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بالتزامن مع استئناف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، خاصةً وأن ما تخطط له« إسرائيل» ويجري حالياً ضمن هذا الإطار، هو الترتيب لعقد قمة مصغرة تضم كل من الرئيس “أوباما” و“نتنياهو” والرئيس الفلسطيني “محمود عباس” وربما ينضم إليها الملك الأردني “عبد الله الثاني”، بهدف السير في اتجاه تحقيق تلك الرغبة.

وفي ظل الوقائع والمعلومات الواردة، يظل الاعتقاد السائد بالنسبة للقضية الفلسطينية، وحتى في حال وجود ضغوطات أمريكية على الطرفين، من أجل العودة للمفاوضات، فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه الحكومة «الاسرائيلية» الجديدة، لتصف نفسها بالطرف المتجاوب، هو ليس أكثر مما ذُكِر بشان التنازلات الإسرائيلية المعلنة في هذا السياق.

بالمقابل فإن للرئيس “أوباما”، أهدافاً متعددة ومختلفة، فبالإضافة إلى تواجد الملف الفلسطيني داخل أجندته ويسعى لتحقيق تقدّم يدخل في رصيده السياسي، فقد اختار إسرائيل ليقوم بأول رحلة له اثناء ولايته الجديدة، لتجاوز حالة الإرباك التي أحدثها الجمهوريون أثناء خوضهم الانتخابات الأمريكية ضده، حيث انتقده المرشح الجمهوري “ميت رومني” بشأن عدم قيامه بزيارة إسرائيل، وفضّل زيارة مصر ودولاً أخرى، في مستهل ولايته الأولى في أوائل يونيو/حزيران عام 2009، ووعد بزيارتها في حال فوزه بالرئاسة. كما أن “أوباما” يريد تجديد ثقة عامة اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة، به على مدى فترته الرئاسية وبالحزب الديمقراطي فيما بعد، والتي كانت قد اهتزّت في أعقاب تكاسل الإدارة الأمريكية، في منع الدول من الاعتراف بفلسطين كدولة(عضو مراقب) في الأمم المتحدة. كما أن “أوباما” أراد قطع الطريق أمام الاتحاد الأوروبي أو أيّة دولة أوروبية منفردة، من محاولة القيام بمبادرات سياسية بشأن القضية الفلسطينية“، خاصة وأنه يريد أن تظل الولايات المتحدة متفرّدة بها وحدها، وضمن إطار حل الدولتين. كما أن هذه الزيارة ستسمح بدون شك على أن تظل هذه المنطقة (الشرق الأوسط) من أولويات الإدارة الأميركية. ويمكن إضافة، أن”أوباما" يأمل في كسر حالة شبه القطيعة التي تعيشها القيادة الأمريكية مع القيادة الفلسطينية، والتي أثرت سلباً على العلاقات العربية- الأمريكية خاصةً في ظل فترة (الربيع العربي) وتداعياتها المتواصلة إلى الآن.

وإذا ما سارت الأمور على تلك الشاكلة، فسيكون “أوباما” قد نجح في استدراك ما تقدم أو بعضه على الأقل، واستطاع تحريك المياه الراكدة بالنسبة للعملية السياسية، أمّا “نتانياهو” يكون قد نجح في إغلاق فم الضيف، وباستعادة قوّته السياسية المنهارة على الصعيد الدولي، بعد الإعلان عن التنازلات التي استطاعها، باعتبارها كافية لدى العديد من الدول الغربية المؤثرة في العالم. وبالمقابل ستبقى الأيدي الفلسطينية فارغة تماماً، وتبقى العصافير فوق الشجرة، لأن مجموع الحركة الأمريكية وجملة التنازلات« الإسرائيلية،» لا ترقى إلى الحد الأدنى من الطموحات الفلسطينية. وبالتالي لن تساعد في دفع العملية السياسية، وحتى إلى أي اتجاه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010