الأحد 10 شباط (فبراير) 2013

انقسام يرعى مصالحة

الأحد 10 شباط (فبراير) 2013 par أمجد عرار

ثمة مفارقة مضحكة مبكية في جمعة مشتعلة ودامية في غير مكان يمكنها أن ترسم لوحة من المزيج الكوميدي التراجيدي المعبّر عن الواقع العربي الأسوأ منذ مؤامرة “سايكس - بيكو” . فالإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية عقد اجتماعاً في القاهرة وتحت رعايتها لبحث سبل تفعيل المصالحة الفلسطينية الداخلية . وهو اجتماع يتعذّر تذكّر رقمه في سلسلة اللقاءات الفلسطينية الفاشلة لاستعادة الوحدة الوطنية، بدءاً باللقاءات الأولى في غزة برعاية المسؤول في المخابرات المصرية كمال حماد، الذي اضطر للمغادرة عندما اندلع الاقتتال الداخلي المؤسف، مروراً بلقاء مكة الذي أجل التفجير، واتفاق صنعاء الذي طويت صفحته سريعاً بسبب خلافات داخلية في “فتح”، وانتهاء بإثارة الأجواء الإيجابية ظاهرياً بعد العدوان الأخير على غزة .

الحوار الفلسطيني يغيب ويعود للانعقاد بين الحين والآخر تحت رعاية مصرية حصرية . هذه الرعاية تغيرت ماهيّتها، فقد بدأت مع النظام السابق الأقرب ل “فتح” وحكومتها في الضفة، وواصلها النظام الإخواني الحالي الأقرب ل “حماس” وحكومتها في غزة، باعتبارها فرعاً فلسطينياً لحركة الإخوان المسلمين . رعاية النظام المنحل كانت واضحة في انحيازها لـ ”فتح”، أما الحالية فلم تتضح معالمها بعد، لأن الحوار في عهدها ما زال في مرحلة الحبو ولم يقف على قدميه بعد رغم العدوان الدموي على غزة، وما يبدو من تغيير سياسي في مصر . لكن هناك شيئاً مشتركاً بين الرعايتين هي أن كلا النظامين تعامل مع الموضوع الفلسطيني باعتباره ملفاً أمنياً، وأوكله بالتالي للمخابرات المصرية .

لكن المفارقة الكبرى تتجلى في كون نظام الإخوان الحاكم في مصر يرعى المصالحة الفلسطينية في حين يفشل في إطلاق حوار داخلي في مصر التي تموج ميادينها بتظاهرات حاشدة ضده . هذا النظام لم يسع إلى تهيئة الأجواء لحوار مصري حقيقي، جدي، وغير استعلائي ومسقوف بقرارات الأمر الواقع، كما تجلّى في دعوات الحوار منذ الإعلان الدستوري ذي النفس الدكتاتوري الواضح الذي مرّر الدستور بمشاركة اثنين وثلاثين بالمئة من أصحاب حق الاقتراع، الأمر الذي أشعل جذوة التوتّر المبني على خوف حقيقي تجاه مصير البلد وأهداف انتفاضة 25 يناير، ينتاب أغلبية وازنة من الشعب المصري وفقاً لنتائج المحطات المختلفة للانتخابات، بما فيها الرئاسية .

لم يقف تجاهل النظام لسخونة الوضع الداخلي المشحون، علاوة على الوضع السياسي، بتدهور كبير في الوضع الاقتصادي والمعيشي، بل امتد تجاهله ليطال وحدة المجتمع المصري المهدّدة جدياً كما لم تكن في أي وقت آخر . ولا شك أن مشاهد سحل متظاهر ووفاة آخر تحت التعذيب في أحد اقسام الشرطة، وما بينهما من قمع عنيف للمتظاهرين وسقوط المئات من الجرحى، وكذلك سكوت النظام عن فتاوى قتل المعارضين، كل هذه تشكّل مقوّمات حقيقية للقلق على مصير مصر ودورها الذي ينتظر كل العرب وشرفاء العالم عودته إلى مكانته التي كان عليها في خمسينات وستينات القرن الماضي .

النظام الذي يدعو غيره للتعلّم من دروس التاريخ هو الأولى بتعلّم هذه الدروس، فالأغلبية البسيطة التي حصل عليها من النسبة الضئيلة التي شاركت في الانتخابات من الشعب المصري، وأجلسته في سدة الحكم، لا تمنحه مفاتيح حياة المصريين وموتهم، ولا تعطيه حق التصرّف الاحتكاري، وليس من مصلحته تحمّل المسؤولية منفرداً . قد يختلف الأمر بعد تحقيق الاستقرار واعتياد المصريين على الانتخاب الديمقراطي والتعددية الحزبية، أما في هذه المرحلة فلا مفر من التوافق الذي لو اعتمده “الإخوان” لما عاد هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2166096

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2166096 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010