الأحد 10 شباط (فبراير) 2013

استراتيجية أميركية متحركة وليست جديدة

الأحد 10 شباط (فبراير) 2013 par د. فايز رشيد

يأخذ بعض الباحثين والمحللين السياسيين خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في مناسبة تجديد ولايته الثانية، والتحولات الطارئة على مجمل السياسات الأميركية في المنطقة, كأساسين لنهج استراتيجي جديد تتخذه واشنطن فيما يتعلق بالشرق الأوسط. يستشهد هؤلاء بتحول الموقف الأميركي من سوريا وميْل أوباما لحل هذه القضية بالتوافق مع روسيا، اعترافاً بدورها الإقليمي، بعد الفشل في تنفيذ المخططات الأميركية في المنطقة، في ظل تبدل الأوضاع عالمياً وتغير في المناخ الدولي. أصحاب وجهات النظر هذه يرون أن الإدارة الأميركية في ولاية أوباما الثانية أكثر تحرراً من الضغوط, ولذلك ستُقدم على قرارات تاريخية جريئة لعقد التسويات وإحلال السلام والقبول بالشراكة الدولية, فهناك قرار استراتيجي بإطلاق رؤية جديدة للعمل في المجال الدولي وفي كيفية التعامل مع ملفات وأزمات المنطقة. يأتي كل ذلك من وجهات نظرهم نتيجة للفشل الأميركي في العراق وأفغانستان, والإخفاق في سوريا وثبات المقاومة في لبنان, وعودة روسيا إلى الساحة الدولية وصعود الصين وغير ذلك من العوامل.

بداية، فإن الخطوط الاستراتيجية الأميركية فيما يتعلق بالشرق الأوسط جرى تحديدها في عام 1947 بقرار اتخذه الكونغرس الأميركي في عهد الرئيس ترومان(بعد أفول بريطانيا) وعرف“بقرار فاندنبرغ” وهو يدعو إلى انتهاج سياسية أميركية معادية للشيوعية في الشرق الأوسط , على أساس الاتفاقات الجماعية(مع دول المنطقة) حيث أمكن ذلك، والعمل الانفرادي حين تدعو الحاجة.إعطاء الولايات المتحدة حق استخدام القوة حيثما تعتبر ذلك ضرورياً, حتى وإن تنافض ذلك مع القانون الدولي المعاصر وقرارات الأمم المتحدة.أيضاً تسييد مبدأ الإحتواء(Containment) والمبدأ الذي يرتكز إلى مفهوم توراتي وهو(من ليس معنا فهو ضدنا).

من أجل تحقيق سياساتها اتخذت الولايات المتحدة أساليب كثيرة من بينها تقديم مساعدات للدول الأخرى، إنشاء مشاريع اقتصادية، مشروع مارشال، ومشروع النقطة الرابعة H4. إيجاد واجهات ويافطات للتدخل تحت مسميات كثيرة ..ثقافية ، اجتماعية، اقتصادية، تفعيل دور المخابرات المركزية، التدخل العسكري(إنزال عسكري في لبنان عام 1958)أحلاف:حلف بغداد وغيرها.
واشنطن غطت كل تدخلاتها بعناوين مثل“الاستجابة” لنداء المبدأ،“حق الشعوب في تقرير مصيرها”, تنفيذ مبادئ الرئيس ويدرو ويلسون الأربعة عشرة , التي أعلنها بعد الحرب العالمية الأولى وجعل منها أسساً للسياسة الخارجية الأميركية.(هشام شرابي،المقاومة الفلسطينية في وجه إسرائيل وأميركا، دار النهار للنشر، بيروت،1970،ص37-53).

بعد إنشاء إسرائيل وبمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية, جعلت أميركا من هذا الإنشاء ركناً استراتيجياً أميركياً لسياساتها الخارجية في المنطقة، والمحافظة على الأمن الإسرائيلي أولاً وأخيراً. حاول جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركي في ولايتي الرئيس أيزنهاور تجسيد الخطوط الاستراتيجية الأميركية من خلال الجمع بين مفهومي“الإمبريالية”و“الأخلاقية”, من خلال تعبير“الإمبريالية”الأخلاقية“لذلك فإن”الحرب الباردة “هي” كفاح بين قوى الخير ـ أميركا والغرب ـ وقوى الشر ـ الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية“. لقد اعتبر دالاس الشرق الأوسط ذات أهمية فائقة في” الحرب الباردة". ذلك تماشى مع اعتبار الرئيس أيرنهاور(الذي كان قد شغل منصب القائد الأعلى لقوات حلف الأطلسي إبّان الحرب العالمية الثانية) للشرق الأوسط بأنه المنطقة الأهم في العالم. حرصت الولايات المتحدة على إبقاء الاتحاد السوفياتي خارج المنطقة، تقوية إسرائيل بالمعنيين الاقتصادي والتسليحي, عدم السماح للدول العربية بامتلاك أسلحة تهدد الأمن الإسرائيلي.التدخل المباشر في حروب إسرائيل مع الدول العربية.سياسة الأحلاف مع دول المنطقة ,التآمر مع إسرائيل لهزيمة وإسقاط عبدالناصر في عام 1967. قبل ذلك التآمر على الوحدة بين مصر وسوريا, فقد حدث الانفصال في عام 1961 وغيرها من الخطوات.الولايات المتحدة وتنفيذاً لسياساتها اتبعت أسلوب الحصار الاقتصادي للدول.

من ناحية ثانية تجدر الإشارة إلى دور المجمع الصناعي المالي الأميركي في السياسة الخارجية.لقد تحدث الرئيس الأميركي أيزنهاور في خطابه الوداعي إلى الشعب الأميركي مساء يوم 17 يناير من عام 1961 عن خطر هذا المجمع قائلاً:“عليّ أن أقول صراحة: أن هناك مجموعة صناعية عسكرية، مالية، سياسية، فكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأميركية, ومع أننا نتفهم الظروف التي أدت إلى نشأة هذه المجموعة. فإننا لابد وأن نحذر من وصولها إلى موقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي على القرار الأميركي, لأن ذلك خطر شديد علينا قبل أن يكون خطراً على غيرنا...ويستطرد...إذا وقع القرار الأميركي رهينة للمجمع الصناعي العسكري فإن الخطر سوف يصيب حرياتنا وممارستنا الديموقراطية. وقد يصل إلى حجب الوثائق عن المواطنين، والخلط ما بين أمن الشعب الأميركي وحرياته، وبين أهداف أطراف هذا المجمع ومصالحهم”. إن مبيعات خمس شركات أميركية هي( جنرال موتورز، وول مارث, إكسويل موبايل، فورد، وديملر كرايسلر) تتجاوز الناتج القومي لـ182 دولة في العالم. إن دخل شركة(إكسون)للبترول يفوق دخل الأوابيك(مجموعة الدول العربية المصدرة للبترول)مجتمعة.
الملاحظة الأهم أن هذه الشركات الكبرى وهي القوة الصانعة للعولمة، هي الأسخى تبرعاً لمرشحي الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة الأميركية وهي الأكبر إسهاماً في تمويل نشاطات مؤسسات ومراكز البحث السياسي والاستراتيجي. بالمعنى العملي، فإن تأثيرات هذا المجمع زادت أضعافاً مضاعفة مقارنة مع الستينيات في التأثير على السياسات الخارجية الأميركية ( بيتر مارتن،هارولد شومان، فخ العولمة،الطبعة الثانية،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،عالم المعرفة،الكويت 2003،ص212).

الرأسمالية التي تمثل أميركا هرمها،ورغم وصولها إلى مرحلة الإمبريالية , فإنها لم تسقط.لقد استطاعت التكيف مع الواقع الجديد من خلال أنماط اقتصادية جديدة كان أبرزها“العولمة”, وبخاصة أنها وجدت منظّريها(فرانسيس فوكوياما ونظرية نهاية التاريخ).بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أتيح المجال للولايات المتحدة الاستفراد في العالم الذي أصبح ذو قطب واحد.فيما يتعلق بالمنطقة جرى طرح“الشرق الأوسط الجديد”أو الكبير وتم رسم خطوطه العريضة في الولايات المتحدة بمشاركة خبراء إسرائيليين.
جاء جورج بوش الابن إلى الرئاسة وهو وإداراته الصقورية طرحاً مبدأ الضربات الاستباقية وشعار“من ليس معنا فهو ضدنا”وبخاصة بعد أحداث نيويورك في عام(2001)،فتم غزو أفغانستان والعراق،وابتدأ العجز في الميزانية الأمريكية فيما بعد وتتابعت الأحداث التي نعيش إرهاصاتها الآن.

استعراض ما سبق هَدَفَ إلى إثبات المسائل التالية:أولاً:“أن الاستراتيجية الأميركية فيما يتعلق بالمنطقة هي ثابتة. ما يتحول فيها هو انماط التعامل وفقاً لطبيعة الحدث وظروفه. هذه المسألة هي أقرب إلى التكتيك السياسي المتحرك أكثر منه تغييراً للاستراتيجية.ثانياً:إن الصانع الحقيقي للاستراتيجية هو رأس المال المالي المتمثل في المجمع الصناعي العسكري،الإدارات الأميركية المتعاقبة هي واجهات تمثيلية لاستراتيجية المجمع.ثالثاً: إن ما بدا أنه شعارات جديدة في السياسات الأميركية: الضربات الاستباقية وشعار”من ليس معنا فهو ضدنا" هي مبادئ أساسية في الاستراتيجية الأميركية جرى رسم ملامحها ووضع أسسها في الأربعينيات.رابعاً: إن ما يبدو حالياً من استراتيجية أميركية جديدة هي توجهات يمكن تغييرها سريعاً.كمثل على ذلك نقول: خطاب أوباما في جامعة القاهرة والذي وعد فيه باتباع اساليب جديدة قائمة على التفاوض والاحترام في التعامل مع العالمين:العربي والإسلامي, وكان ذلك بُعيد تسلمه للرئاسة في ولايته الأولى، ضرب أباما بوعوده عرض الحائط ,وكرّر تجربة حقبة بوش الابن بكل ما فيها من صقورية. كذلك وعوده حول الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية.

صحيح أن الولايات المتحدة قد أخفقت في العراق، لكنها سيطرت على بتروله، وملأت أراضيه بالقواعد العسكرية الأميركية , ثم أعادته عقوداً طويلة للوراء فيما يتعلق بقواته وقدراته القتالية.كل هذه العوامل أنجزتها الولايات المتحدة الأميركية. الآن فيما يتعلق بسوريا لم يفت إمكانية توجيه ضربات عسكرية لها،رغم أننا نستبعد ذلك.تتمحور السياسة الأميركية الآن في تفتيت وتجزئة الدول العربية وهذا ما يجر تنفيذه.التغيير في سياسة الولايات المتحدة بالنسبة لسوريا هو نتيجة الإحساس بالخطر القادم لتسلم الأصوليين(والقاعدة تحديداً من خلال جبهة النصرة)للسلطة , ونتيجة للموقف الروسي الإيراني الصيني من سوريا. ولأن الجيش السوري ما زال قويا. جملة القول إننا لسنا أمام استراتيجية أميركية جديدة في المنطقة، وإنما أمام تحولات سياسية تكتيكية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 31


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010