الأحد 3 شباط (فبراير) 2013

عدوان جمرايا : الهدف والرسائل

الأحد 3 شباط (فبراير) 2013 par عبداللطيف مهنا

” ... لم يقدم الصهاينة على غارتهم هذه دون مشاورة الحلفاء والرعاة الأميركان والأوروبيين وأخذ ضوء أخضر منهم بل والتنسيق معهم. أولم تكشف صحيفة " نييورك تايمز عن علم واشنطن المسبق بها، وتباركها هذه وتؤيدها عقب حدوثها مباشرةً وحتى دون أن تعترف تل أبيب بها ؟!”

الغارة الجوية الصهيونية العدوانية على منشأةٍ للأبحاث العسكرية الدفاعية السورية في منطقة جمرايا بريف دمشق وعلى مقربةٍ من الحدود اللبنانية لاتشكل، كما يقال، دخولاً صهيونياً مباشراً على مشهد الأزمة السورية. هذا الكلام فيه غفلة، إن لم يكن تجاهلاً لكون الكيان الصهيوني في فلسطين لم يكن، ومن غير المتوقع منه أن يكون، بعيداً عن خط هذه الأزمة منذ أن إندلعت. كانت البصمات الموسادية تسم الكثير من العمليات الإجرامية التي شهدتها ساحة الأزمة. لذا، وعلى مر تجلياتها، لاغرابة في كون هذا العدو كان الأكثر حماسةً لتفاقماتها ومتابعتةً ومراقبةً لمآلاتها باعتباره الرابح الأول من كارثيتها. كان هذا طبيعياً وفي حكم المنتظرمنه نظراً لإدراكه أكثر من سواه لموقع سورية التاريخي الدائم ودورها الفاعل وأثرها المستمر، سابقاً وراهناً ومستقبلاً، في الصراع العربي الصهيوني الذي لم ولن يخبو أواره. كل مافي الأمر، إن هذه الغارة العدوانية قد أشَّرت على إستغلال الصهاينة للظروف السورية الراهنة لدخولٍ معلنٍ على خط الأزمة عبر عمليةٍ محدودةٍ إختارت هدفاً سهلاً لايعدو كونه موقعاً لايمكن وصفه بالإستراتيجي لقربه من الحدود ولكونه واحداً من عديد المراكز من أمثاله المنتشرة في طول وعرض سورية ... وذلك بغية توجيه جملة من الرسائل دفعةً واحدةً وفي مختلف الإتجاهات. وعليه، نحن هنا ازاء عدوانٍ وتوقيتٍ له مدروسان بعناية وسبقتهما تمهيدات تكثفت في الأيام الأخيرة السابقة عليه. بدأت بعودة النفخ والتركيز على حكاية الأسلحة الكيمياوية السورية وخطر تسربها المزعوم، وتهديدات نتنياهو ونائبه سلفان شالوم والجنرال يائير غولان قائد مايسمى المنطقة الشمالية في الجيش الصهيوني، بالتزامن مع إعلانات متلاحقة عن نصب منصات صواريخ الباتريوت في الجولان السوري المحتل وشمال فلسطين المحتلة، والإعلان عن حلول أفيف كوفاحي رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية في هذا الجيش ضيفاً على البنتاغون، الذي كان لافتاً كشفه عن الغارة وإعلانه عنها قبل تل أبيب ، للتباحث مع نظرائه الأميركان، وفق المعلن، حول مسائل أمنية والأوضاع في سورية.
قبل التعرَّض للهدف من الغارة، أورسائلها، علينا بادىء ذي بدءٍ ألانلقي بالاً للضجيج المفتعل المثار السابق واللاحق على الغارة، والذي لايصدِّقه مثيروه أنفسهم، حول نقل الأسلحة الكيمياوية، ولاأكذوبة قافلة الأسلحة المتطورة، أو صواريخ سام 17، المتجهة إلى لبنان، إذ على مدى الصراع بين المقاومة اللبنانية والعدو الصهيوني، وحيث ظل لبنان من جنوبه إلى شماله، براً وبحراً وجواً، تحت مجهر المراقبة الغربية – الصهيونية، تجسساً وطائرات واقمارٍ إصطناعية، لم يصدف لمرة واحدة أن كانت مثل هذه القوافل البرية المزعومة أو البحرية عادة ً في إستقدام أسلحةٍ لحزب الله أو كانت طريقته في تزوُّده بها. ثم الم يزعم الجنرال جولان نفسه سابقاً بأن هذا السلاح المتطور، “مهما بلغ مستوى تطوره، قد تم نقله إلى حزب الله” ؟!
التسريب الصهيوني، والمحاط بالغموض لخبر الغارة، مع فرض الصمت الإعلامي حولها ، بدايةً، وعدم التبني الرسمي لها، أمور تشي بما أعتاده هذا العدو في توجيه رسائله، والتي نرى أنها هدفت للآتي:
أولاً، جس نبض ردة الفعل السورية في مثل هذه الظروف المصيرية الصعبة التي يمر بها هذا البلد النازف، ومحاولة لاكتشاف مدى إستعداداته في ظل أزمته الراهنة لمواجهة أي عدوان صهيوني، أو أطلسي، عليه ... وصولاً إلى نوعٍ من محاولة اختبارٍ لما يشاع حول تزوِّده بأسلحةٍ روسيةٍ متطورةٍ. ومن محاولة لإعادة ترميمٍ لأسطورة الردع المتآكلة التي هشَّمتها المقاومة في لبنان وغزة المحاصرة.
ثانياً، وعلى هامش حديث التفاوض بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة حول ترتيب أوضاع المنطقة، والحل للأزمة السورية وعلى ضوء تزايد مناسيب القناعات بالحوار الوطني سبيلاً وحيداً لحلها، وضيق تل أبيب بهذا التحول، أوخشيتها من توصُّل السوريين إلى كلمةٍ سواء توقف حمام الدم المراق وتحفظ سوريا الدولة والوطن والدور والمكانة والموقع الريادي في امةٍ تخوض أعتى مراحل صراعها المصيري مع جبهات أعدائها المتعددة داخلاً وخارجاً ... تظل وجهة هذه الرسائل في المقام الأول موسكو وبيجين وطهران، وكافة قوى المقاومة المتخندقة في الموقع المقابل للغرب وإسرائيله وتوابعه في المنطقة.
ثالثاً، لا تعدم هذه الغارة العدوانية من توجيه رسالة للداخل الصهيوني يفاد منها في تذليل تعقيدات تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات وإشباع عدوانية لا تحد لمجتمع، أوتجمُّع، استعماري إحلالي بطبيعته ودوره ووظيفته في المنطقة.
... وأخيراً، لم يقدم الصهاينة على غارتهم هذه دون مشاورة الحلفاء والرعاة الأميركان والأوروبيين وأخذ ضوء أخضر منهم بل والتنسيق معهم. أولم تكشف صحيفة “نييورك تايمز عن علم واشنطن المسبق بها، وتباركها هذه وتؤيدها عقب حدوثها مباشرةً وحتى دون أن تعترف تل أبيب بها ؟! وهل زاد رد الفعل الأوروبي حيال عدوانيتها على الإعلان عن أن السيدة كاثرين أشتون تتابع عن كثب التقارير حول هذه الغارة”المزعومة" !!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165260

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165260 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010