السبت 26 كانون الثاني (يناير) 2013

انتخابات انتصار الصهيونية: وتواطئات فلسطينيين وعرب وأجانب

السبت 26 كانون الثاني (يناير) 2013 par د. عادل سمارة

من اللافت أن يحظي أي حدث في الكيان الصهيوني الإشكنازي باهتمام عالمي أكبر من حجم هذا الكيان سواء حجمه السكاني (الديمغرافي) أو العلمي أو الاقتصادي، ولا نقول الجغرافي لأن الأرض التي يقوم عليها ليست له. وقد يرتد هذا الاهتمام بدرجة كبيرة إلى سيطرة اللوبي الصهيوني على الإعلام العالمي في زمن صار دور الإعلام كدور الجيوش في تدمير أمم-حالة ليبيا- حيث اسقطت بإلإعلام وسلاح الناتو. لذا صار من المقبول تسمية الإعلام ب “الإعماء”.
سيكون هذا العالم عظيماً وجميلاً لو كان الاهتمام بما يحدث في الكيان الصهيوني الإشكنازي ناتجاً عن إدانة العالم لاغتصابه أرض شعب وطرد هذا الشعب من 1948، حينها تكون ثورة فلسفية بأن يُصحح الإعلام ليقف على قدميه بدل كونه على رأسه (كما فعل ماركس بجدل هيجل) . ولأن هذا الكيان استيطاني واقتلاعي وعنصري، كان يجب أن ينصب الاهتمام أولاً على وجوب مقاطعة العرب هناك لهذه الانتخابات وليس غمر الفضائيات بتحليلات سخيفة :من سينجح ومن سيشكل الحكومة ومن سيتحالف...الخ. نذكر ثلاثة أسباب لوجوب المقاطعة:
الأول طبيعة الدولة نفسها: لأن الدولة نفسها كيان غير شرعي، فقد عمل مركز النظام الرأسمالي العالمي وبقوة السلاح والمال والإعلام والإيديولوجيا على إغراق فلسطين بموجات من المستوطنين البيض (جرى تلوينهم لاحقا) بدأت منذ ستينات القرن التاسع عشر ولم تتوقف حتى اللحظة. هي مستوطنة بيضاء فسكانها موجات من المستوطنين المسلحين المدعومين من المركز الراسمالي الغربي فطردوا الشعب الفلسطيني من 78 بالمئة من وطنه منذ عام 1948 وأكملوا الاحتلال والاستيطان في بقية فلسطين عام 1967. وكل هذا في عملية تدمير شامل متواصل للوجود الفلسطيني جغرافيا وديمغرافيا وطبقيا واقتصاديا مما يكشف أن اطروحة إيلان بابيه بأن ما جرى في فلسطين تطهير عرقي، هي أقل من الحقيقة.
لذا، هذا الكيان ليس شرعياً، ولنتذكر ما قاله فلاديمير إيلتش لينين ل “البوند” الجناح اليهودي في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في بدايات القرن العشرين: “لا يحق لليهود إقامة دولة في فلسطين لأن الدولة تشترط أن يكون للشعب أرضا وهذه ليست أرضا لليهود” لذا، فإن مقاطعة الفلسطينيين لهذا البرلمان هي تأكيد على حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى بيوته وممتلكاته، وأما التصويت فهو إسقاط ضمني لهذا الحق.
وحتى حين تكون هناك دولة لشعبها الحقيقي، تبقى مشكلة الأقليات القومية الأخرى عالقة حيث لا تستطيع الأقلية القومية تحقيق قرارات سيادية لها من برلمان الأكثرية الذي يتكاتف ضدها رغم اختلاف أحزابه بين يمين ويسار ووسط...الخ. بمعنى أنه ينشدُّ إلى موقفه القومي. من هنا فالمقاطعة هي الطريق الصحيح. ولهذا الطريق طبعا ثمنه لأنه يقود في النهاية إلى مشروع نضالي هو حق تقرير المصير بما فيه الانفصال وهذا أرساه لينين وهزم به أطروحة روزا لكسميورغ اثناء النقاش بينهما.
لذا، فإن حالة الفلسطينيين في المحتل 1948 يجب أن تتطور إلى رفض الانتخابات وصولا إلى حق تقرير المصير. وهذا الرفض لا يعني عدم قدرة فلسطينيي 48 على النضال في كافة مجالات الحياة بل إن عدم المقاطعة تحصر نضالهم في أروقة البرلمان والسياسة بعيدا عن لبمجتمع والاقتصاد والثقافة وحق المرأة في التحرر...الخ. بل إن عضوية البرلمان لها مخاطرها حتى في الأوضاع العادية حيث كثيرا ما يأخذ المقعد صاحبه إلى مواقف حتى بعيدة عن مواقف حزبه الذي قام بإنجاحه.
ليس أمراً نادراً أن يقوم مليون ونصف المليون فلسطيني تحت الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بالمطالبة بالانفصال، وهذا لا يُضير حق العودة للأكثرية الفلسطينية المجلاة عن وطنها. فبما أن الأمم المتحدة قد انصاعت لقيام القطبية الإمبريالية بتحقيق استقلالات لكثير من الأقليات التي تعهدت بالدوران في فلكها ضمن (موجة القومية الثالثة[1]) واعترفت الأمم المتحدة بكثير من الإثنيات وتحولها إلى دول كالتي فصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق وعن يوغسلافيا والسودان والمحاولة جارية في العراق...الخ، لماذا لا يطالب فلسطينيو 48 بالانفصال[2] عن الكيان في خطوة لتفكيك الكيان وإضعافه من اجل العودة لتوحيد فلسطين بعد تحريرها من الكيان وتحقيق حق العودة وإقامة فلسطين الاشتراكية كجزء من الوطن العربي. هذا الطرح، كحل اشتراكي، يواجه شعارات المساواة ودولة لكل مواطنيها والحكم الذاتي الثقافي...الخ
والثاني واجب البلدان العربية: كان يجب ان يكون الموقف العربي الرسمي والشعبي هو تحريض فلسطينيي المحتل 1948 على عدم المشاركة في هذه الانتخابات منذ عام 1948 بناء على السبب الأول أعلاه. ولكن الأنظمة العربية بما هي توابع وتقودها الراسمالية الكمبرادورية وهي تدور في فلك النظام الراسمالي العالمي كوكيلة للمركز الرأسمالي، فهي بدل أن تقف ضد الانتخابات، أو تتخذ موقفاً محايداً توجهت باسم جامعة الدول العربية لتشجع فلسطينيي 1948 على المشاركة في هذه الانتخابات.
وهذا يفتح على مسألة هامة، وهي أن هذه الأنظمة قد اعترف قسم منها بالكيان الصهيوني الإشكنازي علانية وقسم سراً وقسم متردد. وبهذا فإن أقصى ما تطالب به الأنظمة العربية هو دولة لجزء من الفلسطينيين في الضفة والقطاع. اي أنها اسقطت حق العودة وتشجع الشعب الفلسطيني على إسقاط حق العودة. وبهذا الانحصار في المطالبة بدولة في الضفة والقطاع أوقعت الشعب الفلسطيني واصدقائه من الثوريين والإنسانيين في العالم في مأزق الشغل الكبير لإفهام العالم بأن المشكلة ليست في حدود 1967 بل في استلاب وطن وطرد أهله.
إن الموقف الطبيعي من العرب يجب أن يكون استغلال الصعود الملموس لقوى المقاومة والممانعة العربية وتطور قوى إقليمية في المنطقة، إيران، وبدء ظهور قطبيات جديدة (روسيا والصين ومجمل البركس) من أجل شد عزيمة فلسطينيي 1948 للرفض الكامل لهذه الانتخابات.
والثالث القوى الاجتماعية والسياسية لفلسطينيي 1948: من الواضح أن معظم القوى السياسية في المحتل 1948 قد نحت منحى الاعتراف بالكيان الصهيوني وتورطت في ما قامت به الشخصيات التقليدية والعشائرية منذ عام 1948 ولكن بعد أن البست مسألة الانتخابات أثواباً مزركشة، مثل المساواة، ودولة لكل مواطنيها...الخ. وباستثناء حركة أبناء البلد، وجزء من الحركة الإسلامية، فإن مختلف القوى السياسية قد تورطت في هذه الانتخابات. وبالطبع، فإن تشجيع المؤسسة الصهيونية لمشاركة الفلسطينين في الانتخابات تقوم على أمرين:
الأول: هو تطويع كل فلسطيني للقبول بالدولة ليهودية
والثاني: الاستفادة من الصوت الفلسطيني في التنافس الداخلي بين الكتل البرلمانية الصهيونية.
لعل ما قاله رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي واصل طه (وريث د. عزمي بشارة الذي انتهى مستشاراً لأمير قطر للشؤون الصهيونية) هو التعبير الفعلي عن تورط الفلسطينيين في تعاقد إيديولوجي مع المؤسسة الصهيونية حين سُئل عن الموقف من مقاطعة الانتخابات فقال: "في السابق قاطعنا لأن الخيار كان بين نتنياهو وشارون ( فضائية القدس 15 -1-2013 ) هذا وكأن المنافسة اليوم في مكان غير الأرض المحتلة، أو هي بين صهيوني وبين كاسترو!
الصهيونية هي الرابحة
بعد الدرس المبدئي ما هو الدرس السياسي المستفاد من هذه الجولة للكنيست؟ هل التعادل التقريبي بين اليمين الكلاسيكي وما يسمى (الوسط واليسار) يشكل مدعاة لاغتباط الاستسلاميين العرب وخاصة دُعاة حل الدولين؟
هنا يجب تذكير هؤلاء العرب والفلسطينيين وأمثالهم من اصدقاء الكيان الملتحفين يافطة دعم “السلام” بأمور اساسية عدة:
أولاً: ما حصل منذ مؤتمر مدريد 1991 واتفاق أوسلو 1993 هو سلام راس المال الذي جوهره تخلي قيادة م.ت.ف عن حق الشعب الفلسطيني في العودة. وسلام راس المال، للتذكير هو الطبعة الأولى لما يعرضه نتنياهو دائماً: “السلام الاقتصادي”.
وثانياً: إن ما يسمى اليسار في الكيان هو الذي احتل أراضي 1967، وهو الذي طرح الخيار الأردني والتقاسم الوظيفي، وهو الذي اسس الاستيطان في أراضي 1967، وهو مع يهودية الدولة، والأهم هو ضد حق العودة للشعب الفلسطيني. وما يردده اليمين اليوم بأنواعه ليس سوى إجترار لأطروحات من يسمى أو ما كان يُدعى يسارا!
وثالثاً: فإن “اليسار” الحالي هو من جهة إشكنازي والاشكناز هم مؤسسو دولة الاستيطان الأبيض هذه، وهذا اليسار اليوم، أقل ارديكالية حتى اجتماعيا مما كان عليه قبل عقدين فما دون، فهو مع الخصخصة والنيولبرالية وجزء من حقبة راس المال المنتقلة من الإمبريالية إلى العولمة.
هذا يوصلنا إلى الاستنتاج بأن هناك إجماع بين جميع هذه الكتل والقوى على رفض حق العودة. كما أن حديث بعضها عن دولة فلسطينية في الضفة والقطاع هو للاستهلاك السياسي بدليل أن هذه القوى لم تطبق هذا المشروع حينما كانت في السلطة.
والمهم، أن ثرثرة بعض هذه القوى عن السلام وعن دولة في حدود 1967 هو لإغواء وإغراء قوى وتيارات في الغرب الرأسمالي هي مؤيدة للصهيونية وحتى يهودية الدولة وتعتقد بأن الحل هو في رشوة الفلسطينيين بدولة في الضفة والقطاع، ولذا، فإن هذه القوى والأحزاب والمثقفين يسقطون في حالة من الصهينة بوعي أو بخبث. فليس هناك عنصرية أكثر من الاعتراف بكيان عنصري هو الطبعة اليهودية للنازية وهو (نووي) كذلك، وإنكار حق شعب في العودة لوطنه وتبرير ذلك بالسعي للسلام! بل إن هذه القوى تكشف عن أن تحت جلدها فهم استشراقي وأنثروبولوجي للعرب والفلسطينيين. والغريب أنها ربما جميعاً تزعم بأنها من منظمات المجتمع المدني! فكيف تكون مدنيا في بلدك ومؤيداً للكولونيالية في بلد آخر؟ هذا ما يشجع مختلف القوى السياسية في الكيان باتجاه عنصري واستيطاني إضافة إلى عوامل أخرى مثل:
أولاً: أن من يسيطر قيادياً على معظم القوى السياسية في الكيان وبالطبع على الكتل البرلمانية هم اليهود الإشكناز: وخاصة حزب الليكود، إسرائيل بيتنا (وكلاهما يمين)، و حزب العمل وميرتس (يسار إشكنازي)، والحركة وعتيد وسط إشكنازي. وهذا ما يؤكد طرحنا بأنها دولة الإشكناز حيث يقودون اليمين ويمين اليمين ويسار اليمين...الخ. أليس الإشكناز هم السلطة والثروة في الكيان؟ فلماذا لا يكونوا يميناً!
وثانياً: ضعف الموقف العربي وسيولته واستطاعة الثورة المضادة امتطاء “الحراك-الربيع” العربي والاحتتفاظ بمعظم سمات الأنظمة السابقة وخاصة في مصر وبالتحديد تجاه الاعتراف بالكيان الصهيوني. هذا إضافة إلى دول الريع النفطي التي تقوم بتدمير الأنظمة العربية قومية الاتجاه نيابة عن الإمبريالية والصهيونية.
وثالثاً: إلتقاط القيادات الصهيونية جميعاً لتفريط الأنظمة العربية بإنجازات المقاومة وخاصة بعد أن تمكنت المقاومة من إيصال قيادات الكيان العسكرية والسياسية إلى حقيقة جديدة وهي استحالة قدرته على التوسع بعد سلسلة الحروب الجديدة (على اساس حرب الغوار) أي في معارك المقاومة في لبنان 2000 و 2006 وفي غزة 2008-9 و 20012.
وهذا بيت القصيد وهو الأمر الذي سيحكم اية حكومة مقبلة في الكيان سواء حكومة اليمين التام أو الوسط أو حكومة موسعة...الخ. ما سيحكمها هو التالي: طالما أن إمكانية التوسع قد وُضع لها حداً، على المدى المرئي وربما نهائياً، فعلينا التوجه لتقوية البيت الداخلي والتهام الضفة الغربية كلياً واستغلال سيولة الوضع العربي. اي أن تقوية الوضع الداخلي سيكون على حساب الفلسطينيين. وكما قال بينيت حين سُئل عن ثمن طرحه بضم مناطق (ج)، قال سيمر الأمر كما مر ضم القدس والجولان. هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف يستسعر الكيان من أجل اندماجه اندماجا مهيمناً في الوطن العربي عبر الاقتصاد والتكنولوجيا والدور العسكري لمساعدة انظمة ضد شعبها وسيشارك في تحالفات عسكرية مع دول الخليج تحت ذريعة منع خطر إيران، اي كبديل لعجزه عن ضرب إيران.
لن يقف اي حزب من مختلف أحزاب الكنيست ضد هذا التوجه لأية حكومة مقبلة، لأنه حينها سيبدو خائناً ومفرطا “بأرض إسرائيل”. وكيف لا يقوم اي حزب بتأييد هذا التوجه طالما معظم القوى السياسية الفلسطينية داخل الكيان منخرطة في اللعبة البرلمانية، وطالما أن جامعة الدول العربية تشجع الانتخابات وكأنها تتحدث عن دولة جارة وليس عن دولة اغتصاب؟ وهذا هو أحد اشكال اندماج الكيان في الوطن العربي اندماجا مهيمناً.
أما والحالة هكذا، فإن المناقشات والتحليلات العربية عن حصة كل حزب من المقاعد، وطبيعة السلطة المقبلة، وموقفها من “السلام” ليس سوى ثرثرة المقصرين.
ولنختم بالقول، بأن احتمال حكومة صهيونية موسعة أعلى من احتمال مصالحة فلسطينية فعلية بين فتح وحماس! أليست هذه ماساة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2166017

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2166017 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010