الأحد 20 حزيران (يونيو) 2010

سفن لكسر مفارقات الزمن العربي الرديء... حصاري، غزة... ومخيمات اللجوء في لبنان!

الأحد 20 حزيران (يونيو) 2010 par عبداللطيف مهنا

لعل مفارقات هذا الزمن العربي الرديء هي من الكثرة بحيث هفوة ارتكاب تعدادها من قبل متعجل مثلي تعد نوعاً من إضاعة الوقت سوف أتجنبها. لكنما لا بد من القول، إن أغلبها هو نتاج مرحلة انحدارات وانكسارات يتسم حكماً بسماتها وأكثره يبدو بلا معقوليتها. لذا، كان من هذه المفارقات من تعدت المؤسف المحبط إلى المشين المؤلم، فالمهين الموجع. ولا بد لنا أيضاً، بل يجدر بنا، أن نستدرك هنا فنقول، إن قليلها، أو ما ندر منها، يمكن وضعه في خانة المدهش المذهل والمنذر المبشر.

لن نفصل، وسنكتفي بالمرور باثنتين طازجتين من الصنف الغالب الأول: الأولى، والتي سوف نمر بها مرور الكرام، وقد كنا قد تعرضنا لما له علائق بها في مقالات سابقة، تتمثل في استمرار أشكال الحصار العربي المباشر وغير المباشر، السياسية والمعنوية، المادية والإجرائية، المضروب حول غزة. هنا، قد تكفي الإشارة فحسب إلى مسألتين: واحدتهما، ما تمخضت عنه جبال آخر اجتماعات جامعة الدول العربية المتعلقة، وزيارة أمينها العام المتأخرة جداً للقطاع المحاصر، والتي يمكن تصنيفها على أنها ربما تأتي في إطار الرد على التدخل التركي، الذي لم يتورع بأن يشي بتخيل وقوع المحذور، وهو اعتبار قضية فلسطين القضية المركزية للأمة التركية، بعد أن بات لم يعد من المستطاب رسمياً مجرد تذكر كونها كانت القضية المركزية للأمة العربية، وتحوّل الصراع المصيري المحتدم على مدار ما بات يربو على القرن من الصراع العربي الصهيوني إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي! والأخرى، تختصرها حكاية معبر رفح في آخر تجليات فتحه المقنن المؤقت، أو كيفية هذا الفتح، بمعنى جاري تفسيره وتطبيقه، بهدف امتصاص تداعيات مجزرة سفينة مرمرة، التي هزّ الدم المسفوح فيها صنوف أسوار الحصار وجبهة ضاربيه، الدولية والإقليمية، وجعل من غزة المحاصرة تحاصر محاصريها، وحوّل عملية تسيير سفن “أساطيل الحرية” إلى تقليعة إنسانية وفعل أممي، بدأنا نسمع أنباء التباري في حشدها والإعلان عن موعد إقلاعها وتواريخ احتمالات وصولها تتردد في، ومن، أربع جهات العالم ... هذه التداعيات، التي جعلت الغرب وامتداداته الدولية والإقليمية يهب رسمياً هبَة رجل واحد، وإن اختلفت الأدوار والتعبيرات والمواقع، لنجدة إسرائيله، ولهدف واحد متفق عليه، هو منع إدانتها، ولفلفة مسألة وجوب التحقيق الدولي أو حتى المستقل فيما ارتكبته ومحاولة القفز عليه إن لم تنجح أباطيل تبريره ... والأهم العاجل هو الحؤول دون رفع الحصار أو كسره، باجتراع المخارج الالتفافية على ذلك، حيث بدأنا نسمع عن شتى الطروحات التي تصب جميعاً في ما يمكن وصفه بالحصار المعدَل ... أطعموهم وحاصروهم، وساوموهم، على الغذاء مقابل الخضوع وتسليمهم بدفن إرادة المقاومة لديهم!

الغرب، كل الغرب، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، لجنة بلير الرباعية، وبعيداً عن التفاصيل، يحور ويدور ولا يبتعد عن المفهوم الإسرائيلي لما بعد المذبحة المتوسطية، والذي نكتفي ونحن نشير إليه إلى ما قاله اسحق هرتزوغ: “حان الوقت لكي نوقف الإغلاق بشكله الحالي، لأنه لا يأتي بأي عائد ذي قيمة لإسرائيل، بل أنه يحدث من الناحية الديبلوماسية مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالصورة العامة”، وعليه، أبلغنا بلير التزامنا “السماح بتسيير دخول السلع” لغزة ... ونعمل على “وضع التفاصيل الفنية لصيغة معدلة ستمنع تهريب الذخيرة إلى قطاع غزة”!

... تداعيات ما بعد المذبحة، التي ربما أعادت اكتشاف المكتشف بالنسبة لمن لا يزال يدفن رأسه في تراب “المجتمع الدولي”، ويعدو وراء سراب “الشرعية الدولية” الغربيين لحمةً وسداةً، حين يسمع جهابذة الكونجرس، أو عش الصهيونية الأميركي، بشقيه، النواب والشيوخ، يهبون لإدانة مواقف تركيا “المخزية”، ويهددونها بأنها “ستدفع الثمن”، ويلوحون لها مجدداً بإثارة المسألة الأرمنية، ويعيرونها بأنها “لا تستحق” عضوية الاتحاد الأوروبي... وإلى درجة تحميلها مسؤولية الجريمة الإسرائيلية ضد رعاياها واتهامها بأن أيديها هي “الملطخة بالدم” التركي الذي أراقه الإسرائيليون!!!

باختصار، لقد تصرف هذا الغرب منسجماً مع نفسه، وكان لسان حاله، والمعبّر عنها بدقة ووضوح وصراحة وصدق، رجل من مثل خوسيه ماريا اثنار رئيس وزراء إسبانبا السابق المقترنة سمعته السيئة بالغزو المجرم للعراق، حين قال محذراً وهو يدشن لجنة من لجان “أصدقاء إسرائيل” التي بدأت تتوالد هذه الأيام في الغرب:

“إن إسرائيل هي خط دفاعنا الأول” وعليه، فإن تركها “لمصيرها الآن سيظهر مدى غرقنا، ومدى صعوبة علاج انهيارنا”. وحين يضيف: إن “إسرائيل هي جزء أساسي من الغرب وما هو عليه بفضل جذوره اليهودية المسيحية، ففي حال تم نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور وفقدان إسرائيل، فسنضيع نحن أيضاً، وسيكون مصيرنا متشابكاً وبشكل لا ينفصم”!

المفارقة العربية الثانية، هي لبنانية هذه المرة، ويعطيها فرادتها وعجائبيتها أنها تأتي من البلد الصغير الجميل، الذي امتزج فيه الدم الفلسطيني واللبناني والعربي دفاعاً عن لبنان وفلسطين والأمة، والذي لاحقاً ضربت مقاومته الباسلة مثلاً حياً أعاد للأمة من محيطها إلى خليجها ثقتها باستعادة حلم انتصارها، وتتمثل هذه المفارقة فيما لاقته المشاريع الذي قدمها إلى مجلس النواب وأجمع على إقرارها ممثلو الغالبية حكماً ومعارضة، وتقضي بمنح اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا إلى لبنان بعيد النكبة، والمحاصرون في مخيماتهم الأسوأ حالاً من المعتقلات، والممنوع عليهم، مثلاً، العمل والتملك والتوريث الخ، أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية... مشاريع القوانين المقترحة لم تقرّ لأنه لم يتم التوافق عليها، بعد أن أثارت بطرحها الغرائز وأيقظت الشوفينية وأطلقت العنصرية الكامنة من عقالها لدى فئة لبنانية انعزالية بعينها، فكان أن تحصنت خلف متاريس طائفيتها في مواجهة المطروح كل تلاوينها، حكماً ومعارضة، وهي التي لم تكن لتتفق على أمر سوى رفضها لهذه القوانين، الأمر الذي أعاد إلى أجواء أميرة المدائن بيروت جدل بازار كريه لطالما تعودت على سماعه يدور من حين لآخر حول ذات المسألة وذات الأهداف، إما إعادة تهجير الفلسطينيين وتصفية وجودهم في لبنان، باعتبارهم، وفق المقولة الشهيرة للوزير نيقولا فتوش، “نفايات بشرية”، أو بغية المساومة على هذا الوجود في بازار رياح التسوية الدولية حين تهب، أو لمقايضة الحقوق المدنية مقابل السلاح الفلسطيني، وصولاً إلى معادلة التوطين مقابل تصفية الديون، أو ما طرح أخيراً حول مطلب إعادة التجنيس أحفاد أحفاد اللبنانيين وأنسبائهم الذين هاجروا إلى بلاد الله الواسعة قبل قرون وانقطعت صلتهم بأرض الأجداد وثقافتها وهويتها ... ربما من هؤلاء، على سبيل المثال، المبعوث الأميركي التسووي جورج ميتشل، وجنرال الغزو الأميركي للعراق جون أبو زيد!

الجدل اللبناني الذي أفشل إقرار هذه القوانين أو تأجيله، خلاصته ما قاله النائب سامي الجميل، الذي يصفه اللبنانيون بـ“الشيخ الكتائبي الصغير” وما ردده سواه، من أنه “مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية ولكن ضد حصولهم على حقوقهم المدنية”... هل هذا القول بحاجة إلى التعليق؟!

الرد على خطوط سامي الجميل الحمر، جاء من رئيس الوزراء اللبناني نفسه سعد الدين الحريري، الذي قال، إنه “في لبنان ثمة من يخرج في رحلات لفك الحصار عن الفلسطينيين، ولكن قد يأتي يوم نرى فيه العالم يتوجه إلى لبنان لفك الحصار عن الفلسطينيين المقيمين فيه”... هنا تكمن المفارقة... لكنما يجدر الإشارة إلى هاتين الملاحظتين: الأولى أن للمحاصرين من قبل أعدائهم في غزة كرامة الصامد الرافض للانكسار وشموخ المتحدي المقاوم رغم كارثية المعاناة، أما أولئك المحاصرون منذ أكثر من ستة عقود في مخيمات اللجوء القسري في لبنان، فقد نزعت ظروفهم التي فرض عليهم حصار الأشقاء عن معاناتهم، والتي لا تختلف عن معاناة أهلهم في غزة، حتى الكرامة..!

والثانية: أن إذلال الفلسطيني في هذه المخيمات بغية تشريده وتهجيره وتصفية وجوده، بذريعة تخلط عمداً ما بين التجنيس والتوطين، وهما كلاهما مرفوضان فلسطينياً، هو أقصر السبل إلى هذا المرفوض ويعيق نضاله من أجل العودة إلى فلسطين التي لا يرضى عنها بديلاً.

والآن، وماذا عن قليل تلك المفارقات العربية، أو نادرها، الذي قلنا إنه مما يقع في خانة المدهش والمذهل؟!

إنه باختصار، ما ينبجس من رحم مثل هذا الواقع العربي الرديء المنحدر والخارج عليه، والمتمثل فيما نشهد من هذا الذي قلنا إنه المنذر المبشر بعصف ريح إرادة المواجهة واندياح روحها التي تجسدت في أسطورية الصمود الغزي وقبله بسالة المقاومة اللبنانية وانتعاش جبهة الممانعة وإرهاصات المقبل القائل، انتبهوا، هذه الأمة لم تقل كلمتها بعد..!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010