الثلاثاء 8 كانون الثاني (يناير) 2013

الهجرة المعاكسة ... الى فلسطين و {«حماس» الجديدة: تحديات المقاومة

الثلاثاء 8 كانون الثاني (يناير) 2013 par ابراهيم الأمين

في احدى الشقق المنزوية في منطقة الدورة، يقدم لك جاك (اسم مستعار) الخدمات التي لا تنسى. باسبورات وهويات وأوراق رسمية مزورة، تعود لجنسيات عربية وافريقية ومن اميركا اللاتينية وبعض دول اوروبا الشرقية. والبدلات تتراوح بين الف وخمسة الاف دولار لكل وثيقة. وهو مستعد، لكن من دون ضمانة، لان يحاول تأمين وثيقة تخص احدى الدول الاوروبية أو الاميركية الشمالية، مقابل بدل اولي قيمته عشرة الاف دولار. لكنه لا يضمن لك استعادة المبلغ او الحصول على الوثيقة. وهو يصارحك بأنه نجح في اربعين في المئة من محاولاته مع الدول المتقدمة، وبرأيه المسألة مرتبطة بالحظ ليس اكثر.
جاك كان مشغولا قبل مدة في تزوير جوازات سفر لسبعة أشخاص، هم افراد عائلة سورية هربت من جحيم المعارك في منطقة حمص. نجح على ما يبدو في الحصول على وثائق تعود الى دولة في اميركا اللاتينية. والمجموعة استحصلت على اذونات بالسفر بالهويات السورية الى دولة اقليمية ومن هناك شدوا الرحال نحو هذه الدولة البعيدة، حيث يأملون لقاء افراد من عائلاتهم سبق ان هاجروا قبل عقود طويلة.
سألت جاك المساعدة في الحصول على وثائق لعائلة فلسطينية هربت من مخيم اليرموك في سوريا، وانفقت ما كان معها من اموال في احدى المناطق اللبنانية. سألني عن وجهة الاستخدام. هل هي للسفر الى بلد بعيد، ام للتحرك بحرية بين لبنان وسوريا ودول عربية اخرى، ام ماذا؟
اجبته بأن هؤلاء يريدون العودة الى فلسطين، وان الامر بات ممكنا الآن من ناحية مصر. وان هذه العائلة توافق على العيش ولو بصورة لاجئ، لكن داخل فلسطين التاريخية بعد ستين سنة من التهجير بين الاردن ولبنان وسوريا، وانها تملك الفرصة لاستئجار شقة صغيرة داخل القطاع، ولدى الزوج والزوجة واحد الابناء مهن صالحة للعمل في اي مكان في العالم. ويمكن لهم تدبر امورهم بعد الاستقرار في القطاع. وان المطلوب الحصول لهم على وثائق تتيح لهم ليس الوصول الى مصر فحسب، بل الدخول الى القطاع ولو كسائحين، حيث حصل الامر مع كثيرين. وانهم عندما يصلون وينامون ليلتهم الاولى في منزلهم، سيعمدون الى تمزيق هذه الوثائق والتوجه الى الجهات الرسمية في القطاع لطلب الحصول على اوراق تتيح لهم التحرك، ومعهم ما يثبت انهم من بلدة فلسطينية في منطقة عكا، ولديهم اقارب هناك ايضا. وان احد اولاد العم يعيش اصلا في قرية بقضاء نابلس. ثم انهم ليسوا منتمين الى احزاب فلسطينية. كان الجد نصيرا لحركة فتح، لكن الابن والاحفاد بدوا بعيدين عن النشاط لاسباب غير واضحة. ولو انهم مثل اي فلسطيني، يقبلون بالركض خلف كل من يعيدهم الى بلدهم.
لم يناقش جاك كثيرا في الامر، قال انه سيقوم بما يقدر عليه، ولكن المفاجأة كانت في انه اشترط عدم الحصول على مقابل في حال وصلت العائلة فعلا الى قطاع غزة. وقال انه مستعد للتبرع بألف وثيقة اذا كان الامر يساعد الف شخص فلسطيني بالعودة الى ارض فلسطين التاريخية. هو يعرف ان هؤلاء قد لا يعودون الآن الى قراهم الاصلية في مناطق الـ 48. لكنه قال ممازحا: «هذه افضل طريقة في التعبير عن عدم ترحيبي بهؤلاء في لبنان، فلا انا مضطر لمقاتلتهم وكرههم والتحذير منهم، ولا انا مستعد لأن أتهم بالعنصرية ان دعوت الى تدبير امورهم بعيدا عن لبنان، هكذا اكون قد تخلصت من عبئهم، وهم عادوا الى بلدهم... اليس حق العودة هو الشعار المركزي لكل لاجئ فلسطيني في العالم؟».
العملية قيد الانجاز، ويفترض، اذا سارت الامور كما يجب، ان تكون قد تحولت الى حقيقة خلال شهرين على ابعد تقدير، اما العقبات فهي محصورة حتى الان بثلاثة عوامل:
الاول، ان تصل اسرائيل الى قرار بمنع عودة الفلسطينيين حتى الى قطاع غزة، وتبادر الى خطوات سياسية او لوجستية او حتى امنية لمنع الامر.
الثاني، ان تمنع السلطات المصرية هذه العائلة من الدخول الى القاهرة، وهو امر مستبعد من الناحية المنطقية والقانونية، لكنه ممكن من الناحية الامنية.
الثالث، ان تمنع سلطات حماس في القطاع العائلة من الدخول الى الاستقرار في القطاع. وهو امر يفترض انه مستبعد ايضا لاسباب وطنية واخلاقية ودينية وسياسية.. وانسانية!
اثناء انجاز هذه العملية التي تساوي قيمتها الفعلية الف عملية عسكرية ضد اسرائيل، سارع اصدقاء الى مفاتحتي في فكرة فتح صندوق مالي، يجمع التبرعات التي تتيح جمع المبالغ المطلوبة لانجاز عمليات شبيهة وهذا هو سبب نشر هذه الرواية، الذي يبدو انه لن يعطل العملية.
غير أن السؤال الذي يقلقني هو: كم عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يقبلون القيام بمثل هذه المغامرة، غير المحفوفة بمخاطر كبيرة؟
وسؤالي مرده الى استغرابي، لا بل جنوني، من قيام نشطاء في حركة «حماس»، يقيمون في لبنان ومصر، بالانتقال الى غزة قبل اسابيع لتهنئة الاهل هناك بالانتصار، ثم ما لبثوا ان عادوا، لماذا؟ يقولون انهم مشغولون بمهمات نضالية، لكن حقيقة الامر، انهم لا يعملون شيئا سوى متابعة (وبحماسة فائقة) نشر وحث كل ما يزيد في لهيب جحيم سوريا باسم مناصرة الثورة هناك... او طلب محاكمة جبران باسيل!
اي عقل واي قلب يحمل هؤلاء؟

«حماس» الجديدة: تحديات المقاومة



التحيات والتقدير الكبير لصمود أبناء غزة وقوى المقاومة بوجه العدوان لن تفيد في جعل النقاش متعامياً عن أسئلة وحقائق تتصل بما حدث. أما الهدنة التي أُعلنت أمس، وعلى أهميتها وضرورتها لوقف آلة القتل الإسرائيلية، فإنها تزيد من الأسئلة المعقدة، وتدل على وجود طبقة كثيفة من الدخان، ليس دخان القصف الذي يرافق التراجع أو الهروب، بل الدخان الذي يقصد به التعمية على مؤشرات تدعو الى القلق على مستقبل القضية الفلسطينية. وفي أحسن الأحوال، تدعو هذه المؤشرات إلى الحذر والتنبه وإلى طرح السؤال حول استراتيجية المقاومة بعد هذا الانتصار.
في «يديعوت أحرونوت» أمس، كتب كبير المعلقين ناعوم برنياع مقالاً حول ما يتصل بالمساعي من أجل الهدنة قائلاً: «تحاول الادارة الاميركية أن تستعمل التفاهم لتعزيز المحور السنّي في العالم العربي في مواجهة المحور الشيعي. إن العدو هو إيران الشيعية، وحزب الله وسوريا الأسد اللذان ترعاهما إيران. ويشتمل الحلف السنّي على مصر الإخوان المسلمين وعلى السعودية وتركيا وعلى الأردن في الهامش وعلى السلطة الفلسطينية وإمارات الخليج. وستضطر حماس إلى الاختيار بين إيران ومصر. وإذا كانت إيران تقدم صواريخ ومالاً، فإن مصر ستقدم حصانة من هجوم إسرائيلي وسيادة على غزة وباباً مفتوحاً للعالم».
طبعاً يتحدث الإسرائيليون بشغف عن رهانهم على انضواء مصر في المشروع نفسه. هم يعوّلون بقوة على ربط المساعدات المالية للإدارة المصرية بمواقف سياسية تخدم المحور الداعم لخط التسوية. وفي أميركا أيضاً اهتمام بكسب من تسميهم «المعتدلين» في التيار الإسلامي المنتشر بقوة في البلدان ذات الغالبية السنيّة. ولكنّ ثمة استعجالاً من جانب أميركا ومعها إسرائيل لجعل المكسب يتجاوز هذا الحياد، ودفع الامور الى حدود قطع المقاومة في فلسطين للعلاقة مع إيران وتالياً سوريا وحزب الله، والى استخدام الشرعية الشعبية والنضالية لقوة مثل حماس، في مواجهة الفريق الآخر، باعتبار أن محور إيران ـــ سوريا ـــ حزب الله إنما يحقق نفوذاً عاماً في العالمين العربي والاسلامي بسبب انخراطه في مقاومة الاحتلالين الاميركي والاسرائيلي.
هل هذه التقديرات في مكانها؟
الحقيقة القاسية تشير الى ضرورة الأخذ بهذه الأمور على محمل الجد، والتصرف على أساس أن هناك متغيرات كثيرة حصلت في الموقف العربي عموماً من القضية الفلسطينية، ومن قضية المقاومة نفسها، إذ وجب على تيار المقاومة الإقرار بأنه، في سابقة خطيرة، لم تشهد أي عاصمة عربية تظاهرة جدية واحدة تضامناً مع قطاع غزة. ثم إن وسائل الاعلام العربية النافذة والأكثر انتشاراً تعاملت مع العدوان الاسرائيلي بطريقة لا تتناسب مع حجمه من جهة ولا مع تاريخها المهني في هذا السياق. وأيضاً إن النقاش الكيدي الذي قام بين أنصار محور إيران ـــ سوريا ـــ حزب الله وبين أنصار الطرف الآخر حيال ما يجري في غزة، وشعور المحور الأول بحاجته الى تلقّي الشكر العلني من قوى المقاومة في فلسطين، وتعمّد قادة حماس على وجه الخصوص عدم الإشارة الى الدعم الفعلي لهذا المحور لقوى المقاومة، كل ذلك يدل على مأزق. ومن كان يعتقد أن المعركة مع إسرائيل توحّد الجميع فهو مخطئ، تماماً كمن يعتقد أن الحروب الاسرائيلية من شأنها تخفيف وهج المواجهات في سوريا.
النتيجة هنا لا تتعلق بعملية حسابية على طريقة المعادلة البسيطة. بل هي عملية حسابية وفق مبدأ التضاعف المتوالي، ومصلحة تيار المقاومة تقضي بأن يكون قبول حماس مبدأ الهدنة الطويلة يعني أن حماس تعلن وقف عمليات المقاومة لفترة زمنية غير محدودة، لكن في سياق يقوم على أساس تجنّب شر الآخرين من الأقربين إلى الأبعدين، بينما يجري العمل من دون توقف على تعزيز البنى التحتية العسكرية والبشرية التي تكون مستعدة لمواجهة أخرى في مسيرة التحرر الكامل من الاحتلال. ونجاح هذه الخطوة يتطلب توافقاً فعلياً، لا شكلياً، بين حماس وبين جميع أو مع أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية على هذه الاستراتيجية.
لكن المخاطر توجب إثارة الخيارات الأخرى، وهي خيارات مطروحة مع الأسف على طاولة جميع المعنيين، ومنها:
أولاً: أن يكون قبول حماس بهذه الهدنة مندرجاً في السياق السياسي الاقليمي، بمعنى أن تكون حماس قد قبلت، ليس فقط الانتماء الى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولو تحت اسم حماس، بل الانتماء الى القواعد النظرية والتكتيكية لهذا التنظيم في الفترة المقبلة. وهي قواعد تقوم على نظرية تحسين مواقع الحكم وتأجيل الأمور الأخرى الى وقت آخر. وإذا كان خطاب المقاومة بعد الانتصار هو البقاء على الزناد والالتزام بقضية المقاومة من جوانبها كافة، فإن هذه الأولوية ليست هي البند الاول نفسه عند الآخرين. والذي نعرفه جيداً، أن أولوية مصر وتركيا والسعودية وآخرين هي أولوية تثبيت الحكم القائم أو المستجد.
ثانياً: أن تسارع أطراف محور تركيا ـــ مصر ـــ الخليج العربي إلى إغراق حماس وأهل غزة بالحنان والحب عن طريقة تدفق كميات هائلة من المواد الداعمة لإعادة بناء القدرات المدنية وتسيير أمور الحياة، وأن تُربَط هذه الخطوة بضمان عدم تعرضها للتدمير مجدداً. وهم في هذا السياق لا يطلبون من حماس توفير ضمانة من إسرائيل، بل يطلبون من حماس التقيد ببرنامج له عنوان نعرفه نحن في لبنان جيداً، ويكرره أنصار هذا المحور من فريق 14 آذار، وهو القائل بـ«تجنّب القيام بأي خطوة قد تأخذها إسرائيل ذريعة للعدوان من جديد».
ثالثاً: إن تورط حماس في هذا الأمر يعني أنها سوف تكون مقبلة على مشكلة داخلية. وسوف يكون الجهد منصبّاً على تقليم أظافر ما يمكن وصفه بـ«التيار الجهادي» في الحركة، أي التيار الذي لا يريد لأي أولوية أن تتقدم على أولوية المقاومة. وللعلم، فإن الشهيد أحمد الجعبري كان أحد أركان هذا التيار. ثم سوف تجد حماس نفسها في مواجهة مع قوى مثل حركة الجهاد الإسلامي وفصائل مقاومة أقل تأثيراً، من فتح ـــ كتائب الأقصى إلى الجبهة الشعبية وفصائل أخرى. وفي حالة المواجهة هذه، سوف تجد حماس نفسها ملزمة باللجوء الى الخيارات القاسية من أجل تبرير سيطرتها ومسؤوليتها إزاء المحور الإخواني وإزاء متطلبات الاستقرار العام. وهذا يعني مع الأسف الاقتراب من حافة حرب أهلية فلسطينية جديدة.
رابعاً: إن قبول حماس الانضواء الكامل في هذا المحور، يعني ارتفاعاً سريعاً لسقف موقفها من الأزمة السورية. وبدل الاكتفاء بنقد سياسات النظام والدعوة الى الحوار، سوف نسمع الكلام الأعلى ضد النظام في سوريا، والله أعلم ما إذا كنا سوف نسمع الكلام المهين بحق إيران وحزب الله الوارد على لسان مناصرين لحماس من قيادات رسمية أو من مستويات أرفع. والخطير، الذي يجب العمل على منعه، هو أن الولايات المتحدة تريد بالضبط هذه الخدمة من هذا المحور، وهي سوف تضغط على مصر وتركيا وعلى دول الخليج لتدفع حماس باتجاه تولّي مهمة «نزع شرعية المقاومة لأجل تحرير فلسطين» عن أي جهة أخرى غير فلسطينية. وهذا يقصد به محور إيران ـــ سوريا ـــ حزب الله، وبالتالي دفع هذا المحور خطوات إلى الوراء، والانزواء في مربع الدفاع عن شعار بات مرفوضاً من أهل الأرض نفسها، وبالتالي إعادة حشر هذا المحور في هوية طائفية ومذهبية ضيقة عنوانها «الجبهة الشيعية».
المشكلة ليست متصلة فقط بوجود من دعم مثل هذه الخيارات. المشكلة سوف تكبر إذا ما تم تجاهل التيار الكبير داخل مصر وفلسطين، الذي يحتاج الى كل دعم الآن لأجل التأكيد أن الهوية الوطنية المستقلة توجب عدم التبعية للمحور الذي ترعاه أميركا، وهذا وحده الطريق لإبقاء مسألة تحرير فلسطين أولوية حقيقية.
بالمناسبة، شكراً سامي شهاب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 69 / 2178885

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2178885 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40