الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2012

لو كنت فلسطينياً...!

الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2012 par أحمد الدبش

سؤالٌ يُراوِدني منذُ الصِغَر؛ منذُ أن قرأتُ روايةً ذات يوماً (ما يُقارِب الخمسة والعشرينَ عاماً)، كانت تَحمِل نفسَ عُنوان مَقالي هذا؛ لكني لا أتذكَّر كاتِبها، ولا أحداثها؛ أتذكُّرُ، فقط ، وجيداً، عنوانها؛ “لو كنت فلسطينياً...”.

منذُ اقحامِ فلسطين في الصراعاتِ العربيَّة الداخليَّة، بعد ما يُسمي بالربيعِ العربي، وأنا أتساءل أين مَوقِع فلسطين من خريطةِ هذهِ الثورات؟! وأين هذهِ الثورات من فلسطينِ؟! ومن يومِها، قرَّرتُ الصمتَ، وعدم تأييد أية ثورة، من هذهِ الثورات العربية؛ إلا بشروطٍ ؛ أولها أن تكون بوصلتها تحرير فلسطين، ومعركتها ضد الهَيمنة الصهيو- أمريكية؛ ثانيها ألا تستعينَ، وتستجدي بالخارجِ المُحتل، على الداخل الديكتاتوري؛ ثالثها أن يكونَ قادتها في الميدانِ، ولا يُديرونَ الثورة من فنادقِ أوروبا؛ رابعها ألا تَرفع شعارات طائفيَّة، أو أثنيَّة، أوعرقية؛ وأن يكون شعارها وِحدةَ الجماهيرِ.

وبذلك قرَّرتُ على اتِّباعِ مَوقفاً مَبدئياً؛ أن أكونَ مع الشعبِ العربي ضد النظام الظالم الديكتاتوري، في مُطالبَتِهِ بعيشِهِ، وحُرِّيتِةِ، و وكرامتِهِ؛ ولكني مع النظامِ ضدَّ أي تَدخَّل خارجي؛ يؤدّي إلى تَفتُّت مُقوِّماتِ البلدِ، وتقسيمِها إلى أثنيَّاتٍ، وعِرقيَّاتٍ.

المُثيرُ للدهشةِ، أن هذه المَواقِف لا تُرضي أي طرف من أطرافِ الصراعِ في مِنطقتِنا العربيَّة؛ وبالتالي نصبح نحنُ ــ كفلسطينيّين ــ جنسًا ملعونًا حاقدًا، أو كما أَطلق علينا الكاتِب العُنصري، نبيل فيّاض “الفلسطينيّون والقرود”.

الفلسطيني مُطارَد من أغلبِ أجهزةِ الأمنِ العربيَّةِ، والغربيَّةِ، بتهمةِ الإرهابِ، لمُطالَبَتِهِ بتحريرِ كامِل تُرابِهِ الوطني؛ ومُطارَد بتهمةِ قلبِ نظامِ الحُكمِ، إن تَحدَّث عن الحُريّات، والكرامة؛ ومُطارَد بتهمةِ الخيانةِ العُظمي، إن أخفى هُوِيَّتِهِ الفلسطينيَّة؛ خوفاً من بطشِ الأنظِمةِ العربيَّةِ؛ ومُطارَد بالعنصريَّةِ، إن جاهَرَ بأنهُ فلسطيني ويَفتخِر!

هذا ليسَ جَلداً للذاتِ؛ ولا أكاذيب نُردِّدها؛ ولا كلمات نَشحذ بها تعاطُف عربي مع قضيَّتِنا؛ ولكنها حقيقة مُرَّة بمعني الكلمة.

ففي مصر؛ عندما انطلَقَت شرارة ثورة 25 يناير 2011، ضِدّ حُكم الطاغِية مبارك؛ والذي مثَّل المخزون الاستراتيجي للكيانِ الصهيوني؛ بدأت حملات مُداهمات، واعتقالات، للعديدِ من الفلسطينيّين، بتهمةِ إثارةِ الفَوضى، والشَغَب؛ وبدأت أجهزة الأمن تتحدَّث عن قَنَّاصة فلسطينيّون! يُطلِقونَ النار على المتظاهرين، لإسقاطِ حُكمِ مبارك؛ وإلى آخرِهِ من أكاذيبِ الإعلامِ.

ويتكرَّرُ المَشهد مَرَّة ثانية، بحُكمِ علاقةِ حماسِ مع الإخوان المسلمين في مصر، لتتحدَّث المُعارَضَة عن أطماعٍ فلسطينيَّة في سيناءِ، وخُطَّةٍ لتوطينِ اللاجئينَ؛ ليس هذا فحسب؛ لكنهم يُكرِّرونَ مقولات النظام السابق، بأن الجناح العسكري لحماس “كتائب القسّام”، يُساهِم في ضبطِ الشارع المصري، وقمعِهِ!

أما في الأردن؛ فنسبةٍ كبيرةٍ من السُكَان، في الضفةِ الشرقيَّةِ فلسطينيّون؛ وينأون بأنفسهم عن التدخُّل في الشأنِ الأردني، بعد أحداثِ أيلولِ الأسودِ؛ إلا أن أي حراكاً أردنياً بامتيازِ، يُتَرجَم على الفورِ بأنهُ مُخطَّط فلسطيني، ضِمنَ كراهيَّة الفلسطينيّون للنظامِ الأردني؛ وأننا (كفلسطينيّين) نُريد إسقاط النظام، ونحلُم بالوطنِ البديل.

أما الشأن اللبناني؛ الذي لا يتمتَّع فيه الفلسطيني بأقلِ من أدنى حقوقِ البشرِ؛ علي الفور، تَتحدَّثُ أبواقُ المُعارضةِ، والموالاة، بأن هناك خطراً فلسطينياً لتهديدِ الأمنِ، والسلمِ المُجتمعي.

أما الشأن السوري، يَتعرَّض الفلسطيني لاتهاماتٍ من الموالاةِ، والمعارضةِ؛ تَتحدَّث المُعارَضَة عن استمرارِ تَعاوُن الفلسطينيّون مع النظامِ السوري، وتستهجِن سيطرتهُم على المناصِب العُليا في الدولةِ، وهُم لاجئونَ، و معاملتهُم كأبناءِ الشعبِ السوري، في كلِّ الحقوقِ، والواجباتِ؛ أما لِسان حال بعض شُخوصِ السُلطة، عندما يَصرُخ فلسطيني، مُطالباً بالحريَّةِ، والكرامةِ، تنطِقُ بلا فِطنة: “أنتم ضيوف؛ التزِموا الأدب”!

لن أتحدَّث أكثر عن باقي الأنظِمةِ العربيَّةِ، فالحديث يحتاج لمُجلَّداتٍ؛ يكفي أن نُجزِم بأن العقليَّة العربيَّة؛ الحاكِمة، والمحكومة؛ اتَّفقَتَا على أن الفلسطيني “شيطان رجيم” يجب رَجمُه؛ بذنبٍ، أو بدون ذنب؛ وأن الدول العربيَّة هي الفردوس المفقود، التي يَنعم فيها النِظام، والمعارَضة بالخُلدِ؛ وقد جاءَ هذا الشيطان ليُوَسوِس، تعكيرًا للنسيجِ الوطني.

لقد عبَّر “محمـود درويش”، عن ذلك، في قصيدتِهِ الرائعة “أنا يوسف يا أبي”؛ قائلاً:

أَنا يوسفٌ يا أَبي؛

يا أَبي، إخوتي لا يُحبُّونَني؛

لا يُريدونَني بينهم يا أَبي؛

يَعتَدُونَ عليَّ ويَرمُونَني بالحَصى والكلامِ؛

يُرِيدونني أَن أَموتَ لكي يَمدحُوني؛

وهم أَوصدُوا باب بيتك دوني؛

وهم طردوني من الحقلِ؛

هم سمَّمُوا عِنبي يا أَبي؛

وهم حَطَّمُوا لُعبي يا أَبي.

وأخيراً؛ فبالرغم من معاناتِنا؛ فأني أفتخِر بأني عربي فلسطيني؛ وطني ليس كامِل التراب الفلسطيني؛ ولكنَّهُ بمَنطِقِ العروبةِ، كامِل الوطن العربي، من مُحيطِهِ إلي خَليجِهِ؛ وعلى من لا يقبل هذهِ المُسلَّمات، والبديهيّات؛ عليهِ ألا يُشهِر خِنجرٌ في ظُهورِنا؛ وأن يَترُكَنا لنُتِمّ صلاتنا الحَتميَّة؛ وِجهَتنا بلادُنا، ومصلاتُنا مَدًا عربيًا، ندفَعُ نحن ضريبة عجزهُ، وصمتهُ، واستكانتهُ



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2166096

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166096 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010