السبت 8 كانون الأول (ديسمبر) 2012

إرحل.. الوضع المنكود والعقل المفقود

السبت 8 كانون الأول (ديسمبر) 2012 par د. كمال الهلباوي

لم يكن أحد يتصور يوم نجاح مرسي في إنتخابات الإعادة للرئاسة، والاحتفالات التي سبقت أو صاحبت دخوله قصر الرئاسة- وخصوصاً الاحتفال بميدان التحرير حيث فتح صدره دون صديري واقي لثقته في حب الشعب له وفي إحتفال جامعة القاهرة، قبل أداء اليمين أمام المحكمة الدستورية- أقول- لم يكن أحد يتصور إلا من قد يعمل في الظلام، أن سيأتي اليوم الذي يقول فيه بعض المصريين لمرسي وبهذه السرعة: إرحل.
قبل ستة أشهر من حكم مرسي طالبه أبناء الشعب بالرحيل، بعد أن صبروا على من كانوا قبله حتى يموت مثل عبدالناصر، أو يقتل مثل السادات أو يسجن بعد 30 سنة في الحكم الفاسد الظالم مثل مبارك. فلماذا لم يصبر أولئك المعارضون ضد مرسي مثل ذلك الوقت؟.
كان من الواجب أن تقوم مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة والأحزاب الإسلامية الأخرى بما فيهم السلفية ومرجعياتهم، بدراسة الوضع القائم في مصر، دون الشعور بالقوة أو الاستعلاء أو روح الانتقام من أي طرف، أو النظرة القاصرة المستهزئة بمن يقفون في المعارضة التي وصفها الإخوان والاسلاميون بالفلول هكذا جميعاً، ومنهم ثوريون كثر لا ينكرهم إلا جاهل أو جاحد، ومن ثم فقد هتف المتظاهرون يوم الثلاثاء الماضي الحزين، وهم في طريقهم إلى قصر الإتحادية: إهتف قول إحنا مش فلول.
ومن أخطاء الرئاسة والاسلاميين، التي أدت إلى هذا الوضع المعقد الذي وضع- كما يقول المصريون: العقدة في المنشار، تلك النظرة الاستعلائية بالقوة وبمؤسسات الدولة وروح الانتقام عند بعضهم وإن كانوا قلة، ومن الأخطاء التي ينبغي الاعتذار عنها لا البناء عليها، ضعف تنفيذ الوعود والعهود التي قطعها مرسي على نفسه قبل الانتخابات أو بعد مجيئه إلى كرسي الرئاسة. ذاكرة الشعب- وخصوصاً بعد الثورة- لا تنسى تلك الوعود الوردية الانتخابية، سواء وعود المائة يوم، لحل المشكلات الخمس المعقدة بما فيها، المرور والقمامة والأمن والطاقة والعيش أو غيرها أين ما يحدث في الواقع بالمقارنة مع التربية الجميلة والسلوك الأجمل الذي عشناه مع الرعيل الأول للدعوة؟.
وبعد المائة يوم الأولى كان التفسير والتبرير غير المعقول في خطبة 6 أكتوبر، حيث جاءت نسب التنفيذ التي ذكرها مرسي في خطبته أمام أهله وعشيرته في الاستاد عالية جداً، يكذبها الواقع ولا أساس لها يمكن أن يقبله الشعب الذي لم يعد يصبر على الأخطاء.
ثم كان الصدام مع المحكمة الدستورية في وقت مبكر، بشأن إبطال القرارات الخاصة بإبطال مجلس الشعب والعودة عنها، ثم إبطال قرارات التأسيسية الأولى والإصرار على نفس التشكيل مرة اخرى. ثم جاء الصدام مع النائب العام في المرة الأولى، والتراجع عنه وبرزت الضبابية في التصريحات وليست الشفافية، ثم النكوص عن التوافقية في التأسيسية الثانية. وكانت الطامة الكبرى في الاعلان الدستوري إعلان نوفمبر 2012، الذي أعطى بموجب مادته الثانية سلطات مطلقة للرئيس، بحجة التحصين لمجلس الشورى والتأسيسية، ولا يحصنها ويحصن غيرها إلا رضاء الشعب في ضوء الاقناع.
أراد مبارك بتعديل الدستور-في أواخر عهده البئيس- أن يمهد الطريق للتوريث، فأغضب حتى الجيش رغم مظاريف الموالاة التي كانت تعطى لأهم القيادات العسكرية، فوقف الجيش بقيادة المجلس العسكري مع الثوار، مما كان له الأثر الطيب في نجاح الثورة، والتخلص من التوريث الذي كان يؤذي قيادات الجيش والمخابرات والشعب في آن واحد. لم تقتنع مؤسسة الرئاسة والمرجعيات التي ترجع إليها بعد، بقوة الشعب على الثورة من جديد. وخاصة أن مرسي فتح لهم هذا الباب عندما كان في أسيوط منذ شهر ونصف تقريباً، وأعلن في خطبته أنه لن يتردد في القيام بثورة جديدة.
كان هذا بمثابة إعلان عن موت الثورة الأولى، ومادام هناك متسع للثورة الجديدة، فلا يستطيع كائن من كان في مصر أن يمنع الشعب من المشاركة في ثورة جديدة حتى لا تكون ملونة بلون واحد. وجاء أيضاً مشروع الدستور-المنتج النهائي- به أخطاء فادحة كان يمكن استخدام صوت العقل بتعديلها، ولكن الاصرار على طرح مشروع الدستور للاستفتاء في مدة 15 يوماً من تسليمه لرئاسة الجمهورية يوم 30/11/2012، دون تعديل أو تصويت، جاء بمثابة صدمة جديدة، لم تتحملها القوى السياسية المعارضة، ولا من يلوذون بهم أو من يكرهون الإخوان أو طبعاً الفلول التي وجدوها فرصة مناسبة للتسرب إلى التحرير والانضمام للمعارضة ومنهم حملة الشهيد عمر سليمان قبل طردها من الميدان. وقد ساعد هذا بعض المتعصبين الذين ينظرون إلى الأوضاع بعين واحدة أن يصفوا المعارضة السياسية والمتظاهرين كلهم بالفلول.
من الأمور العجيبة في حكم الاسلاميين-في تلك الفترة القصيرة- محاصرة المحكمة الدستورية، وترديد شعارات ترهب القضاة والعاملين بالمحكمة ومنها: ’يا مرسي إدينا إشارة واحنا نجيبهم لك في شيكارة’. هل هذا هو الهدف من الثورة أو من مجئ الاسلاميين إلى الحكم؟. هل هذه هى الدعوة الإخوانية أو السلفية التي يجب أن تؤمن وخصوصاً في مرحلة الدعوة بما دعا إليه القرآن الكريم’إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة’ أو’ولوكنت فظاً غليظ القلب لإنفضوا من حولك فاستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله’. لست أدري من يفكر للإخوان أوالقوي السياسية الإسلامية، ولا أدري ما هى الثوابت والمعايير التي ينطلقون منها اليوم وهم في الحكم؟.
وعلى الجانب الآخر نرى المعارضة أو القوى السياسية التي تسمى بالمدنية والديموقراطية والثورية، كأن القوى الاسلامية ليست كذلك، وكأن هذه الأوصاف يجب أن تظل حكراً عليهم فقط، نرى هذه المعارضة قد إجتمعت لمعارضة بعض نتاج النظام القائم ممثلاً في الإعلان الدستوري ومشروع الدستور، وهذا حقهم دون أدنى منازعة طالما كان ذلك سلماً، ولكن أين هذا المشروع الإنقاذي الذي يحملونه جميعاً لمصر ولمستقبل مصر؟ وأين معالمه التي تقنع الشعب؟.
يستطيع هؤلاء-على عكس توقعات الإسلاميين- إسقاط الحكم واثارة الشعب بما فيه المسلمين من غير الاسلاميين وهم الغالبية، ولكنهم لن يقنعوا الشعب بما لديهم للبناء والتنمية وخصوصاً دعوة العسكر للتدخل مرة أخرة أو المجتمع الدولي أو معارضة بعضهم لتطبيق الشريعة. يمكنهم معارضة فهم بعض الإسلاميين للشريعة مثل الفهم الطالباني أو القاندهاري أو البدوي وكل ما هو غير وسطي، ولكن عليهم أن يقتنعوا بأن الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، وعليهم أنفسهم أن يسهموا في إبراز هذه الرحمة وهذا العدل، حتى لا يظهروا في الجانب المعارض للشريعة، علماً بأن معارضة الفهم السئ للشريعة أو المتشدد مقبول، غير الاعتراض على الشريعة نفسها.
لم يكن يتصور أحد في مصر على الأقل، ولا في دوائر المصريين في الخارج، أن يخرج بعضهم للمطالبة برحيل مرسي مبكراً قبل ستة أشهر من الحكم، ولكن الاسلاميين أعطوهم بعض مبررات ذلك. الصدام قادم لا محالة وخصوصاً أن مصر مليئة بالأسلحة المستوردة والمصنوعة محلياً، المرخص بها وغير المرخص بها. كل هذا يمكن أن يحدث مالم يتدارك المسؤولون أولاً هذا الأمر الخطير ، وأن يستجيب المعارضون ثانياً للمبادرات التي تدعو إلى الحكمة، واستخدام العقل ونزع الفتيل واللجوء إلى الحوار دون شروط مسبقة تعسفية. لا أدري عند نشر هذا المقال، كيف سيكون الوضع ولا المآل الذي يجب أن ننظر إليه، فالأمور بمآلاتها.
أقترح كما اقترح آخرون، إنشاء منتدى للحوار الوطني، يظل مستمراً لعلاج أي أزمة تطرأ على الساحة. أما علاج هذه الأزمة القائمة فيجب أن يكون من خلال حوار وطني- ليس مع الدكتور مرسي لمدة ساعة أو ساعات مع بعضهم- ولكن المطلوب حوار جاد وطني شامل بين الأطراف جميعاً وفق أجندة محددة، ومواقيت محددة، ومكان مناسب مثل مكان التأسيسية أو قاعة إجتماعات في إحدى الجامعات أو البرلمان، أو الشورى، يستمر أسبوعاً على الأقل دون شروط مسبقة إلا تعليق وتأجيل الاستفتاء على مشروع الدستور، حتى يتم مناقشته مناقشة جادة وتعديله أو تصويبه أو تحسينه، وحتى لا يشعر المتحاورون بسيف الانتخابات على رقابهم، وقبل هذا كله ينبغي سحب جميع الشباب من الشوارع والميادين وكفى إصابات وشهداء.
وعلى القوى الاسلامية أن تدرك أن شرح الدستور للشعب يحتاج إلى وقت أطول، وأن يطبقوا ما كانوا ينادون به أيام المخلوع ومن كان قبله، من قبيل: المشاركة لا المغالبة، وأن يدركوا أن الدستور يعالج أمراض الأمة بنصوص قوية واضحة غير فضفاضة ولا غامضة، لا تحتمل أكــــثر من معنى ولا تكون مطاطة. وأن ندرك أن مشروع الدستور الحالي ليس منزهاً عن ذلك، في ضوء ما قاله الامام البنا في رسالة التعاليم في الأصل السادس نقلاً عن السلف الصالح’ كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صــــلى الله عليه وسلم’. وفي ضوء ما قاله الأصفهاني’ إني رأيت أنه ماكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده. .لو غيرت هذا لكان أحسن .. ولو زيد كذا لكان يستحسن.. ولو قدم هذا لكان أفضل.. ولو تركت هذا لكان أجمل.. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر’.
وختاماً لهذا المقال، وتأكيداً لما أقول عن مشروع الدستور الذي يحتاج إلى تعديل، فقد تعجبت من السطر الأول من ديباجة المشروع حيث جاء به أن هذا المشروع هو وثيقة الثورة.تعجبت وسألت نفسي هل قامت التأسيسية من أجل توثيق للثورة؟ وهل هذه هى طريقة التوثيق؟ وهل هم أهل لهذه المهمة؟ وهل المدة كافية لاخراج وثيقة الثورة. هذه إضافة غير صحيحة ولا معنى لها. وتأويلها ليس في صالح السلطة ولا القوى الاسلامية، ناهيك عن كثير من البنود التي تحتاج إلى تعديل وتصويب أو تحسين في الدستور وهو ما يجب أن يطمح إليه ويسعى إليه الجميع. لا أخفي إعجابي بموقف الشرطة والحرس الجمهوري عند محاصرة قصر الإتحادية يوم الثلاثاء الماضي بناء على تعليمات من مرسي أو بتصرف ذاتي. هذا الموقف من الشرطة والحرس، ذكّرني بموقفهم في الدول الديموقراطية. ولعلنا نسير في الطريق السليم كاملاً فعقولهم ليست أحسن من عقولنا، ولكن ما حدث يوم الأربعاء وخصوصاً أمام قصر الاتحادية من عراك أو تشابك أو احتراب، وما نتج عنه من إصابات وأضرار أو قتلى إذا وقع، فليس بمقبول ويسأل عنه الجميع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165834

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165834 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010