السبت 8 كانون الأول (ديسمبر) 2012

كيميائيّ في سورية.. وعطور في فييتنام!

وأرض فلسطين أَوْلى بالجهاد!
السبت 8 كانون الأول (ديسمبر) 2012 par سليم سعدو سالم

قبل ستة أشهر تقريباً، ارتفعت الصرخات الأميركية والأصوات الأوروبية والعربية المتأمركة منذرةً بالويل والثبور، تعلن «تخوّفها» من إقدام النظام السوري على استخدام السلاح الكيميائيّ ضدّ «الثوار المسالمين» وضدّ الشعب السوري، وأعلن النظام يومئذٍ أن ذلك من المستحيلات. كان ذلك عاملٌ من عوامل الضغط على النظام السوريّ بغية زحزحته عن موقفه ولكن من دون جدوى، وتطلّب الأمر بعدئذٍ ابتكار أساليب جديدة للضغط والتخويف والتهويل من أجل إسقاط النظام. امتدت أيّام المهل إلى أسابيع وأشهر، ثم «عادت حليمة إلى عادتها القديمة»، إلى التهويل على النظام أنّها تقف له بالمرصاد.
لا نستغرب إقدام أميركا والمتأمركين على التهديد «باحتمال» إقدام النظام على استعمال السلاح الكيميائيّ. فما قصّة هذا السلاح؟ وما قصة التهديد والتخويف والتلويح بالعقوبات؟ إلى نهاية المعزوفة المشروخة في هذا الموضوع؟
لسنا بحاجة إلى التفلسف في التحليل أو استخدام البلاغة في اللغة، لأنّ الطفل الصغير في العالم العربي ـ على الأقل ـ يعرف ويتذكر أنّ أميركا استخدمت هذه الأسطوانة في التمهيد لغزو العراق وتدميره. كانت إعلامياً وسياسياً تتحدّث عن أسلحة الدمار الشامل لدى حكومة صدّام حسين، وعن المخزون من الأسلحة الكيميائية في مستودعات الجيش العراقي، ولم تقل أميركا يومذاك أنّها زوّدت صدّام حسين بالمواد الكيميائيّة لمطاردة الأكراد في حلبشة وغيرها وقتلهم، من أجل تثبيت سيطرته على العراق، وخلقت بذلك جواً أوروبياً وعربياً متأمركاً يصدّق الأكذوبة الأميركية، أو يتظاهر بتصديقها، حتى كان الغزو وثبت كذب ـ وليس خطأ ـ المخابرات الأميركية والإدارة الأميركية كلّها.
القصّة تتكرّر اليوم. وكما صدّق بعض العرب وبعض العراقيين المتأمرين يومذاك قصّة السلاح الكيميائيّ، يراد اليوم من العالم أن يصدّق كذبة السلاح الكيميائيّ في سورية، وبعض العرب، بل بعض السوريين يروّج لذلك خدمة لوجه الشيطان، فرئيس ما يسمّى بـ«المجلس الوطني السوري» ـ جورج صبرا ـ قال إنّ لديه معطيات حول «احتمال» استخدام النظام الغازات السامة في الغوطة الشرقية. ويا سبحان الله لدقّة هذه المعطيات لدى جورج صبرا، التي، لدقّتها وصدقها تحدّد أين سيكون «احتمال» استخدام الغازات السامة. في الغوطة الشرقية، لا في الغوطة الغربية أو في حمص أو حلب أو رأس العين مثلاً. ويقولون إنّه مجرّد «احتمال»!
الأصوات الأميركية تتحدّث عن «احتمال» إقدام النظام السوري على استخدام أسلحة كيميائيّة، ووزير خارجية فرنسا يتحدّث عن «احتمال» سقوط النظام في وقت قريب، وصوت آخر يتحدّث عن «احتمال» توسّع الإرهاب، وصوت متأمرك رابع أو خامس أو عاشر يتحدّث عن «احتمال» تدخل حلف الأطلسي. منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تثير الكثير من «الاحتمالات»، ومنظّمات متأمركة أخرى تتحدّث عن «احتمال» ملاحقات قضائية إن حدث استخدام الأسلحة الكيميائية.
مرة أخرى نسأل: ما قصّة كلّ هذه الاحتمالات التي يتخيّلها البعض تمهيداً أو ذريعة لأمر يبيّتونه ليس ضدّ سورية فحسب، بل ضدّ المنطقة بأسرها؟ ثم ما قصّة السلاح الكيميائيّ من أساسها؟
كلمات لا بدّ منها للتذكير فقط. لعلّ أحداً يستطيع الرجوع إلى الصحف والمجلات في ستينات القرن الماضي، إبان حرب فييتنام. ليكتشف أنّ الأميركيين هم أوّل من استخدم الأسلحة الكيميائية منذ الحرب العالمية الثانية. كان اسم تلك المركبات «العنصر البرتقالي»، وهي أخطر أنواع الأسلحة السامّة ضدّ البشر. كانت الطائرات الأميركية ترشّ ذلك المسحوق برتقالي اللون من الطائرات فوق غابات فييتنام الكثيفة حيث يختبئ ثوّار الفيتكونغ، فيتساقط ورق الشجر رأساً، وتتعرّى المنطقة وينكشف الثوّار لتلاحقهم الطائرات بالرشّاشات والنيران الكثيفة.
في حينها، كانت أميركا تستعمل سلاحها الكيميائيّ في دعم نظام موالٍ لسياستها في فييتنام ضدّ الثوّار، ورغم تلك الحرب الكيميائية البربرية، انتصر الثوّار على نظام الحكم هناك وهرب السفير الأميركي من مقرّ السفارة في سايغون متعلقاً بطائرة الهيلوكبتر الأخيرة. اليوم تحارب أميركا وأنصارها النظام السوريّ، وتناصر من تسمّيهم بـ«الثوّار». وتهدّد النظام معربة عن خشيتها من «احتمال» استخدامه السلاح الكيميائيّ، وكأنّ ما استخدمته هي في فييتنام كان عطراً من عطور «شانيل وكارتييه وفيزيت»!
رحم الله سعيد تقي الدين حين أشار إلى التي تحاضر بالعفاف، لكنّه لم يعش حتى يتحدّث عن العفّة في السياسة الأميركية ولدى المتأمركين.

أرض فلسطين أَوْلى بالجهاد!

قول في الأمثال: كل الدروب توصل إلى الطاحون، ولو قلبنا المثل لقلنا: من الطاحون تتشعب كلّ الدروب. ولو طبّقنا هذا على واقع العالم العربي، لوجدنا أنّ الطاحون هي فلسطين، ومن المشكلة الفلسطينية تشعّبت كلّ معارك العرب. الاغتصاب اليهودي أطلق كلّ التشعبات وفتح كلّ الدروب إلى الهاوية التي نعيشها اليوم. بعد إقامة دولة «إسرائيل» كانت بداية الانقلابات والثورات، ومنها بداية كبت الحرّيات بحجّة الإعداد للمعركة. وكتاب «لعبة الأمم» كشف دور المخابرات الأجنبية في إشعال معظم «الثورات»، وإعداد معظم «الانقلابات» التي كنّا نصفّق لها ونهتف حتّى تتمزق منّا الحناجر، بينما يرسّخ الكيان الغاصب جذوره ويقيم مؤسّساته ويمدّ أذرعه الأخطبوطية إلى كلّ مناحي حياتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية تحت آلاف التسميات، بدءاً من حقوق الإنسان، إلى حقوق المرأة والطفل، إلى الديمقراطية والسيادة وغيرها ممّا لا يمكن حصره .
على صعيد لبنان فقط، ماذا يحدث اليوم في طرابلس مثلاً؟ وماذا حدث قبل أيام في صيدا؟ وماذا يحدث منذ أشهر على حدود لبنان مع سورية؟ بل أبعد من ذلك، ماذا يحدث في الجسم السياسي في لبنان وبين النُخَب الفكرية والقيادية؟ هل يدلّ شيء ممّا يحدث على أننا على دروب الإصلاح أو درب الطاحون؟ هذا إذا كنّا صادقين في غرامنا بفلسطين .
لفت نظري قبل يوم ما نشرته إحدى الدوريات الإعلامية في لبنان في اتصال مع الداعية عمر بكري، وحديثه عن الجهاد والمجاهدين والقاعدة والسلفية وباقي الجماعات المتداولة أسماؤها في الإعلام، وكان طبيعياً أن يتحدث الشيخ عن اللبنانيين الذين عبروا الحدود إلى سورية، ووقعوا في كمين للجيش السوري، وصار موضوعهم مثل أيّ شيء آخر، مدار خلافات متجدّدة في السياسة اللبنانية وفي تقسيماتها الطائفية والمذهبية. ويرى الشيخ عمر بكري ـ بحسب الدورية التي نشرت الخبر ـ «إنّ أولئك الأفراد الذين دفعهم الحماس لنصرة أخوانهم في سورية ليس لهم أيّ علاقة بأيّ جهات نظامية أو فصائل مقاتلة منظّمة»، لا أناقش هنا رأي الشيخ الداعية، في قناعاته أنّه لا يوجد في لبنان أيّ تنظيم للقاعدة، خصوصاً أنّ الصحيفة التي نشرت ذلك تقول بالحرف الواحد: «أكّد الداعية بكري وانطلاقاً من خبرته في الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة والسلفية الجهادية، ألّا وجود في لبنان لتنظيم سلفيّ منظّم على مستوى تنظيم القاعدة أو الحركات السلفية الجهادية في العالم العربي». لكنني أريد أن أناقش الفكر الذي دفع بأولئك الشبّان إلى ما أقدموا عليه بغضّ النظر إن كانوا منظّمين قاعدياً أو سلفياً، أو غير منظّمين ومجرّد متحمّسين... هل خُلقوا وجاؤوا إلى هذه الدنيا يحملون ذلك الفكر المتحمّس؟ أم أنّ هناك من دفعهم وخلق لديهم تلك القناعات. أسلّم جدلاً ببراءة نواياهم وطيبة قلوبهم وحماستهم، ولكن من المسؤول عمّا فعلوا؟ لا يوجد في لبنان «قاعدة» ولا تنظيم سلفيّ أو جهاديّ، فمن المسؤول إذن؟
الجهاد يكون في مقاتلة العدو والمغتصب، والصهيونيّ هو العدوّ المغتصب، أمّا الخصم المستبدّ فيأتي في المرحلة الثانية من حيث دوافع الجهاد. كلّ ما يحدث في العالم العربي هو من أعراض المرض لا المرض الأساس نفسه. من أعراض المرض الصداع أو انقطاع الشهية أو اصفرار الوجه مثلاً، ولكن ما هي طبيعة المرض إذا كنّا نريد الشفاء حقاً؟ في المصطلحات السياسية الدارجة أنّ فلسطين هي البوصلة، فهل ما زلنا نهتدي بالبوصلة؟، وإذا كانت مصلحة الأمّة هي المبدأ الأساس فهل نحن متمسكون بذلك المبدأ، أم أنّ كلاً يغنّي على ليلاه؟
دينياً، من وجهة نظر الإسلام المحمدي، العدوّ هو اليهوديّ، ومن وجهة نظر الإسلام المسيحيّ، فاليهود هم أبناء الأفاعي وقتلة الأنبياء، ولكن من وجهة نظر السياسيين والنفعيين وأكلة الجبنة، فاليهود أولاد عمّنا، ومسامحة «إسرائيل» ونسيان ارتكاباتها أمر محسوم في واشنطن وغيرها. على صعيد قوميّ يقول سعاده كلمته الصائبة: «كلّنا مسلّمون، منّا من أسلم لله بالإنجيل، ومنّا من أسلم لله بالقرآن، ومنّا من أسلم لله بالحكمة (أي بالعقل) وليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وأرضنا وحقّنا إلّا اليهود».
كان أولى بمن شحن عقول الشباب اللبناني أن يدلّه على مكان الجهاد الحقيقي، في فلسطين، وعلى العدوّ الحقيقي المغتصب هناك. وإذا كان أولئك، لأسباب أخرى، قد دفعتهم حماستهم إلى التوجّه إلى سورية للجهاد ونصرة أخوانهم، كان أولى بهم وبمن شجّعهم ـ ولو من دون تنظيم ومساعدة وتخطيط ـ أن يدلّهم على مؤشّر البوصلة لكل مؤمن ولكلّ جهاديّ صادق. هناك أرض الجهاد لمن يريد الجهاد حقاً لوجه الله والوطن والأمة. للجهاد قواعد وأصول يعرفها رجال الدين الفقهاء ويعرفها كلّ ذي عقل يفكّر ويتدبّر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010