الأحد 2 كانون الأول (ديسمبر) 2012

التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

الأحد 2 كانون الأول (ديسمبر) 2012

دولة بصفة مراقب ... بأي ثمن؟

مع اعداد التقرير وفي سياق لا ينسجم مع روحية صمود وانتصار غزة على العدوان الصهيوني، جاء الاعتراف الاممي بفلسطين “دولة غير عضو” بصفة مراقب في الهيئات الدولية، وليس له علاقة باهمية استثمار الانتصار سياسيا في تجذير خيار ونهج المقاومة في النضال الوطني الفلسطيني التحرري المؤدي لتحرير فلسطين وعودة الشعب المشرد لاراضيه وممتلكاته في ظل حاضنة نضالية شعبية عربية، واعادة النظر بنهج التفاوض العقيم او ما يمكن تسميته عمليا بنهج النعاج.

عمت الاحتفالات الشعبية ترحيبا بالخطوة وسعى اصحابها لتجسيدها انتصار ما بعده انتصار، شارك فيها مكونات ميزان القوى الراهن، الى جانب السلطة الفلسطينية ومعظم الدول العربية. الكيان الصهيوني “احتفل” على طريقته بتعزيز الاستيطان في شرق فلسطين (الضفة الغربية) والقدس. بيد ان القاء نظرة فاحصة على الخطوة تطرح عدد من التساؤلات حول الحكمة من الخطوة وخطورتها على مستقبل القضية الفلسطينية، نتناول بعضا منها:

- الاطار القانوني للخطوة يؤشر الى “اعتراف الممثل الشرعي والقانوني للشعب الفلسطيني بشرعية احتلال 78% من اراضيه، وشرعنة الكيان الصهيوني.” الاخطر ما في الامر، ان الخطوة تحرم الاجيال الحالية والمقبلة من الفلسطينيين المطالبة باراضيهم وممتلكاتهم، عوضا عن حقهم في العودة لفلسطينهم.

- تجدر الاشارة الى ان الوضع السابق “للاحتفالية” منح منظمة التحرير الفلسطينية، وليس السلطة، وضع مراقب في الجمعية العمومية للامم المتحدة دون منازع، وتمثيل في هيئات اممية نافذة. الخطوة الاحتفالية تعني الغاء الوضع القانوني والتمثيلي للمنظمة، كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، واحلال السلطة الفلسطينية مكانها، اي ان الاخيرة ستصبح مسؤولة عن مصير نحو نصف الشعب الفلسطيني المقيم تحت الاحتلال، والتخلي عن ضعف ذاك العدد من المقيمين في المهجر والشتات ومخيمات اللاجئين، لتعود نغمة “التوطين” مجددا بعيدا عن فلسطين. حينئذ يصبح وضع الفلسطينيين رعايا دول اخرى التي من حقها تمثيلهم، اي اسقاط فعلي وقانوني وتاريخي لحقهم المقدس في العودة.

- مشروع القرار المقدم من السلطة الفلسطينية للهيئة الدولية، والذي جرى اعتماده رسميا، يحصر الحديث في “اراضي بحدود عام 1967” ولا يشير مطلقا الى “حق اللاجئين بالعودة” الذي اتى على ذكره مواربة قرار الامم المتحدة رقم 194 الصادر بنهاية العام 1948.

- احالت الخطوة “الاحتفالية” طبيعة الصراع مع الاحتلال من صراع شعب تشرد واحتلت ارضه ومقدساته وصودرت حقوقه، الى صراع “حول اراض متنازع عليها،” حدودها القصوى منطقة شرق فلسطين. كما ان “الاحتفالية” تخلت اراديا عن مصير جزء من الشعب الفلسطيني الذي بقي متشبثا بارضه.

المقدمة:

اقدام الرئيس المصري محمد مرسي على منح مركزه الرئاسي سلطات وصلاحيات اضافية لا تخضع للمسائلة برز في صدارة اهتمامات مراكز الفكر والابحاث، بالرغم من حالة الكساد التي سادت بعد انقضاء العطلة الرسمية.

تداعيات السباق الانتخابي في اميركا اعاد للواجهة جدلا كامنا حول نية انسحاب بعض الولايات من الاتحاد الفيدرالي، واعلان استقلالها. سيتناول قسم التحليل الامر بتفصيل موسع لا سيما وان انهيار الاتحاد السوفياتي اتى مفاجئا للمراقبين والمحللين وصناع القرار السياسي. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى تصدعات بدأت تظهر في التركيبة الاجتماعية والسياسية الاميركية، مما يستوجب عدم القفز عليها، واستخلاص النتائج الملائمة.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS سعى لطرح بعض التوصيات للادارة المقبلة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، التي رأى انه ينبغي “ان تكون احدى مكونات استراتيجية الامن القومي الشاملة .. لصيانة المصالح القومية،” محذرا من ارتدادات السياسات السابقة التي سادت القرن العشرين والذي شهد “انخراط الولايات المتحدة مع جيرانها بمستوى عَرَضي اتسم بردود الفعل وعدم التناسق.”

التحولات في موازين القوى في المنطقة العربية كانت محور حلقة نقاش استضافها معهد ويلسون Wilson Center في محاولة للتعرف على القوة المسيطرة على القرار السياسي بعد الارهاصات الاجتماعية الاخيرة. وكانت مصر تحت حكم الاخوان المسلمين، برئاسة محمد مرسي، بؤرة النقاش، لا سيما بعد الدور المكتسب للاخير “كطرف مفاوض في الوصول إلى التهدئة مع إسرائيل” بعد الحرب الاسرائيلية على غزة. ملفت كان تركيز الحلقة ايضا على الدور القطري في دعم تيارات الاخوان المسلمين “وتحول قطر من استخدام القوة الناعمة في الماضي، عن طريق قناة الجزيرة والمال والدبلوماسية، إلى القوة الخشنة حالياً المتمثلة في الدعم بالمال والسلاح لقوى المعارضة السورية.”
مصر وتطوراتها الاخيرة نالت تغطية مكثفة لعدد من مراكز الابحاث. معهد واشنطن Washington Institute طالب الادارة الاميركية “ممارسة نفوذها على (الرئيس) مرسي وحثه على التراجع” عن خطواته الاخيرة “عوضا عن المراهنة عليه بتعديل موقفه ذاتيا.” ونادى بصراحة استخدام الولايات المتحدة نفوذها لدى صندوق النقد الدولي “كوسيلة ضغط اضافية على الرئيس مرسي” لحمله على تعديل مواقفه خشية زهوه بقدراته المكتسبة التي تفيد ان باستطاعته “انشاء نظام ديكتاتوري آخر في مصر دون الحاجة لدفع الثمن.”

اما مركز السياسات الامنية Center for Security Policy فقد تسائل ما الحكمة من وراء صمت الرئيس اوباما وهل يعني “انه يحتضن سياسة مرسي.” وطالب النظر بحذر الى تبلور قوى المعارضة تحت راية “الجبهة الوطنية للانقاذ” لناحية قدرتها على “تشكيل تحدٍ حقيقي لسلطة الاخوان المسلمين والسلفيين،” معولا على نجاحها بعض الشيء في المدى المنظور. وحذر من تكرار تجارب التاريخ القريب استنادا الى التجربة الاميركية مع ايران اذ “قد تحسم ادارة الرئيس اوباما موقفها الى جانب القوى الجهادية الظلامية، عوضا عن دعم مناوئيها من المعارضين للاسلاميين.”

مركز ويلسون Wilson Center حث الاطراف المختلفة التوصل الى حلول وسط خشية تكرار تجربة نظام مبارك “باقصاء الاطراف الاخرى كافة .. اذ ان تلك السياسة وتكتيكاتها نجحت في انتصار الثورة، لكنها لن تسهم بارساء الديموقراطية” المطلوبة.

المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي JINSA تناول الازمة في مصر من البعد الاقتصادي مذكرا ان “اتفاق صندوق النقد الدولي بمنح مصر قرضا تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار .. يتطلب تطبيق اجراءات تقشف قاسية، من بينها رفع الدعم عن السلع الاساسية مثل الوقود والغذاء .. اذ ان مرسي ربما يعتقد انه بحاجة الى صلاحيات استثنائية لتطبيق برنامج التقشف. لكنه لم يفلح في اقناع الجمهور المصري او شريحة المستثمرين” في مصر بذلك.

مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations ايضا تناول الازمة في مصر من البعد الاقتصادي منوها الى المساعدات التركية والقطرية المقدمة لمصر “لكنها غير كافية. اما القرض المقدم من صندوق النقد الدولي فاهميته تكمن ليس في حجمه فحسب، بل كونه يشكل مدخلا لاستقطاب مصادر مالية اخرى.”

الملف النووي الايراني عاد الى صدارة اهتمام معهد كارنيغي Carnegie Endowment الذي حذر صناع القرار من الانجرار الى خيار الهجوم العسكري،“مناشدا”الرئيس اوباما بذل مزيد من الجهود الديبلوماسية مرة اخرى،“وذلك خشية لتداعيات الموقف جراء هجوم عسكري كما يشاع، ويتعين على”الادارة الاميركية تركيز جهودها على تحفيز ايران التوقف عن تطوير لقدراتها النووية."

التحليل:

هل ستتفكك الولايات المتحدة كما جرى مع الاتحاد السوفياتي؟

لم يعر الكثيرون اهمية لتوقعات الباحث الاكاديمي الروسي، ايغور بانارين، عام 2009 باعلان تصوره لبداية تفكك الولايات المتحدة عام 2010؛ بل لاقى سخرية وازدراء من معظم السياسيين والاكاديميين. غني عن القول ان عام النبوءة انقضى دون تعرض الولايات المتحدة لهزات تفقدها كيانها، بل حافظت على وحدتها السياسية. اليوم، وبعد انقضاء نحو ثلاث سنوات على توقعاته، برزت للواجهة مسألة انفصال الولايات عن الجكومة المركزية، بصرف النظر عن تغاضي المعنيين ايلاء المسألة بعض الجدية.

بداية المطالبة بالانفصال كانت تضافر نوايا مجموعة من الولايات التي تقدمت بعرائض نشرت على موقع البيت الابيض الالكتروني تطلب استجواب كل من الولايات الخمسين على حدة للتعرف على رأيها بالانفصال السلمي عن الاتحاد الفيدرالي. وقع العريضة نحو 600،000 فرد تصدرتها ولاية تكساس التي حشدت زهاء 117،000 توقيع. الولايات الجنوبية التي تحن لعهد الكونفدرالية (ما قبل الحرب الاهلية) حشدت ما ينوف عن 25،000 توقيعا لكل منها.

كيف يمكننا تفسير ما جرى، هل هو “خبطة” اعلامية دعائية، او ردة فعل قاسية تنديدا باعادة انتخاب الرئيس اوباما، ام مؤشر يدل على ظاهرة التصدع الكامنة في الاتحاد الفيدرالي؟ الجواب بالايجاب للعوامل الثلاث المذكورة.

اما حملة العرائض والتوقيعات على موقع البيت الابيض الالكتروني فلا تتجاوز كونها عمل بارع ومثير للفت الانتباه. اذ ان الرئيس اوباما ليس مخولا بصلاحية منح الانفصال لاي ولاية. البعض يتكهن بان اقدام اوباما على السماح لتلك العرائض بالتواجد على موقع البيت الابيض الالكتروني جاء لاعتبارات سياسية بغية احراج وتشويه سمعة خصومه الجمهوريين.

بيد ان نغمة الانفصال لم تكن حكرا على الانتخابات الرئاسية لعام 2012 وخسارة الجمهوريين. اذ بعد فوز جورج بوش الابن في الانتخابات عام 2004، اعرب بعض الساخطين من الحزب الديموقراطي عن نيتهم الانسحاب من الاتحاد الفيدرالي. اذ تنبأ احد الزعماء في الحزب الديموقراطي، لورانس اودونيل، ان نجاح جورج بوش سيثير “جدلا واسعا لنزعة الانفصال تمتد لنحو 20 عاما.” وعند سؤاله في برنامج متلفز ان “كان يدعو لحرب اهلية،” اجاب اودونيل “باستطاعة المرأ الانفصال دون اطلاق رصاصة واحدة.” واعرب واحد من مشاهير المعلقيين الليبراليين، بوب بكيل، عن تفضيله فصل الولايات الواقعة في الجزء الجنوبي من الاتحاد الفيدرالي، قائلا “حسنا، اعتقد انه يتعين عليها انشاء كونفدرالية خاصة بها.”

اضحى من المسلم به حالة اليأس والقنوط والتراجع السياسي التي يعاني منها الحزب الجمهوري، اذ لا تزال القاعدة الحزبية مرتبكة حول فوز الرئيس اوباما السنة الحالية وهي التي ابدت تفهما لفوزه في ولايته الرئاسية الاولى. وقد جاءت فسحة التعبير عن الانفصال تجسيدا لتحدي الهيكلية القيادية الحزبية.
بيد ان نزعة الانفصال تركت تداعياتها التراجعية على الحزب الجمهوري، وتجلت في ازالة اسبوعية “ناشيونال ريفيو،” رائدة الفكر المحافظ، مقالا كونه يتغاضى عن الاستخفاف بفكرة انفصال ولاية تكساس. بينما دأبت المنابر الاخرى الموالية للحزب على القول ان الانفصال منافي للدستور.

الحقائق والثوابت القانونية حول الامر يكتنفها الغموض. اذ عودة سريعة للوراء تشير الى ان وثائق مصادقة ولايات ثلاثة (فرجينيا ونيويورك ورود آيلند) على الانضمام الى الفيدرالية نصت صراحة على الاحتفاظ بحقها استئناف سلطات تفويضها عند شعورها بان الحكومة المركزية تنتهك تلك الصلاحيات. وفي المؤتمر الدستوري الذي عقد عام 1787، تم تداول اقتراح يخول الحكومة الفدرالية قمع اي محاولة انفصال تقدم عليها الولايات. وتصدى للاقتراح بقوة “ابو الدستور الاميركي بلا منازع،” جيمس ماديسون، ورفضه بالقول : “اللجوء لاستخدام القوة ضد ولاية ما سينظر له بالتساوي مع اعلان الحرب بدل انزال عقوبة وقد ينظر له من الطرف المعتدى عليه فرصة لفض الالتزام بالاتفاقيات السابقة التي كان يمتثل لها.”

مع الاخذ بعين الاعتبار ضبابية التفسير القانوني، ينبغي النظر الى عوامل التصدع وجنح القوى والشرائح الاجتماعية للركض وراء غرائزها لا سيما وانها تدل على بلوغ وعي لديها بان تفكك الولايات المتحدة لم يعد امرا بعيد المنال. بكلمة اخرى، النظر اليها على قدم المساواة لحال تفكك وانفراط عقد الاتحاد السوفياتي بدءا بعام 1986 لحين الاعلان الرسمي مع افول عام 1991. لم يجنح آنذاك اي من الخبراء والاكاديميين الجادين في التنبؤ بانحلال الاتحاد السوفياتي بعد خمس سنوات.

من الحقائق الدولية ان العالم يمر في حقبة يطبعها الانحلال القومي بعد مروره بتجربة التوحد السياسي. وما على المرء الى النظر الى ما آل اليه الحال في كل من الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا واثيوبيا والسودان التي شهدت تفكك وحدتها القومية وكياناتها السياسية بدرجات متفاوتة. وفي هذا الصدد، تواجه كل من اسبانيا وبريطانيا العظمى تحديات جادة تعصف بوحدة كياناتها السياسية، كما ان الاتحاد الاوروبي يسوده التفكك اكثر من قبل. كما ان سورية راهنا، والعراق منذ الاحتلال الاميركي، يواجهان حملات تنذر بتشظي وحدتيهما على اسس طائفية وعرقية.

من ضمن العوامل المغذية لنزعة التفكك والانحلال نجد الانقسامات المستندة الى عوامل عرقية ودينية وتباين الاوضاع الاقتصادية وضعف بنيوي في الحكومة المركزية وتلاشي نزعة المطالبة بالوحدة والتوحد او شخصية مركزية جامعة. اما في وضعية الولايات المتحدة، فان كافة العوامل المذكورة اعلاه تتوفر بشكل او آخر.
لو نظرنا الى العامل العرقي في الحالة الاميركية، نجد ان الانقسام لم يعد يستند الى السود مقابل البيض، كما درجت عليه العادة منذ ولادة الكيان السياسي، بل اضحت بين كتلة ذوي الاصول اللاتينية مقابل الآخرين. اذ ان نسبة السود من اصول افريقية تشكل ثاني اكبر كتلة من بين الاقليات العرقية في الولايات المتحدة، يحظون باغلبية عددية في بعض المدن الكبرى على الساحل الشرقي. بيد انه لا يتوفر لديهم بقعة جغرافية متواصلة تعينهم على اعلان استقلالهم.

بالمقابل، يشكل ذوو الاصول اللاتينية اغلبية عرقية في عدد من مناطق الجنوب الغربي للولايات المتحدة. كما تجدر الاشارة الى وجود حركة وطنية لديهم تطالب بتشكيل دولة خاصة بهم تدعى “آزلتان،” بصرف النظر عن كونها حركة سياسية متطرفة بنظر البعض وتغريدها خارج الضوابط المؤسساتية للجالية عينها، في نظر الآخرين. وتدعو الحركة الى استقلال بعض اجزاء الولايات المتحدة التي كانت جزء من المكسيك في فترة تاريخية سابقة، واستولت عليها الولايات المتحدة عن طريق لحرب شنتها عليها، 1846 – 1848، في اعقاب انتزاعها وضمها عنوة لمنطقة تكساس عام 1845. في ظل التحولات الديموغرافية منذ ذلك التاريخ، قد يبدو ان المطالبة بالاستقلال امرا غير واقعي، لا سيما وان بعض المناطق تسودها اغلبية من البيض، بخلاف جنوبي ولاية كاليفورنيا واريزونا ونيو مكسيكو وربما تكساس التي قد تدعم دولة وحدة لاتينية عند تضافر العوامل الضرورية لذلك.

كما لا يجوز اغفال الانقسامات العمودية والافقية التي برزت في الانتخابات الاخيرة على قاعدة التباين الحضاري والديني في المجتمع الاميركي. اذ ان الولايات التي صوتت باغلبيتها لصالح المرشح الجمهوري تتأثر بنسبة كبيرة بعامل الدين المسيحي، بينما الولايات التي صوتت لصالح الحزب الديموقراطي تشهد تفاعلا وتأثيرا اقل للعامل الديني عليها، بل ان اغلبية من سكانها لا تدين بالديانة المسيحية او هم مسيحيون لا يمارسون شعائرهم الدينية. بناء على ذلك، تمحورت الاصطفافات السياسية حول بضعة قضايا، منها زواج المثليين، والضوابط الدينية المنصوص عليها في برنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباماكير (برنامج اوباما للرعاية الصحية)، ومسألة حق المرأة في الاجهاض والتي بمجملها قد تشكل نقطة انعطاف بارزة بين توجهات الولايات المختلفة والحكومة المركزية.

النسب غير المتكافئة في الاوضاع الاقتصادية وتوزيع الثروة قد تشكل تصدعات كبيرة. اذ لو اخذنا مثال ولاية نورث داكوتا، التي تشهد انفراجا اقتصاديا بسبب الكشف عن مخزون كبير للطاقة، نجد ان بعض الولايات تعاني من ارتفاع مضطرد للبطالة اعلى من المعدلات القومية. فولاية تكساس، على سبيل المثال، تتميز بكونها في المرتبة 14 من بين كبريات الاقتصاديات العالمية وتمضي في استقطاب المزيد من المؤسسات الاقتصادية مع مرور الزمن. بينما تشهد ولايات كبرى مثل ايلينوي وكاليفورنيا هروب وتموضع مؤسسات وشركات كبرى خارج اراضيها. ان استمر الحال على ما هو عليه راهنا، قد تلجأ الولايات الغنية للامتناع عن مشاركة اكبر في حقل الضرائب الفيدرالية وتحويل جزء من ثرواتها لمساعدة الولايات الفقيرة.

ظاهرة تشظي وانقسام الدول القومية عادة ما يسبقها تراجع في نفوذ الدولة المركزية مصحوب بقيادة سياسية هزيلة. وقد يتكرر الامر في حال الولايات المتحدة، لا سيما مع تعاظم حجم الدين القومي الذي يفرض قيودا على حريتها في الانفاق، اذ تجد الولايات المختلفة نفسها في وضع اقتصادي لا يحفز على الامتثال لسلطة الحكومة المركزية. كما ان الولايات المكونة للاتحاد تتمتع بمزية الصلاحيات التي توفرها المادة العاشرة من التعديلات الدستورية والتي تمارس بموجبها صلاحيات اوسع على اراضيها من الحكومة المركزية.

في هذا الاجواء المشحونة، تستغل الولايات الاوضاع للنظر في خيارات متعددة تمكنها من عرقلة تدخل الحكومة المركزية بالوسائل القانونية. اذ شرعت بعضها بمقاضاة الحكومة المركزية لتطبيقها الاستثنائيات الدستورية عليها، سيما وان بعضها تحدى السلطة المركزية في تطبيق برنامج الرعاية الصحية الشاملة – اوباماكير، وفازت بحقها التغاضي عن بعض الاجراءات المنصوص عليها في البرنامج، لا سيما تلك التي تفرض عقوبات اجرائية عليها.

كما ان بعض الولايات استغل الفرصة لمنح مواطنيها مزيدا من الحريات المدنية غير المتاحة لهم من الحكومة المركزية، والتي ايدتها قرارات المحكمة العليا. بعضها استغل تلك الميزة لتقويض نفوذ برنامج اوباماكير على مواطنيها، وكذلك ضد سلطة النقابات العمالية. بل ذهب بعضها بعيدا في التحدي مثل ولايتي وايومنغ وتكساس اللتين مددتا العمل ببعض القوانين بحيث تتيح للاجهزة الامنية اعتقال ضباط امنيين موفدين من الحكومة المركزية في حال انتهاكهم للقوانين المحلية.

تحدي سلطات الحكومة المركزية يجري بالتزامن مع حملة الضغوط التي تمارس على الرئيس، اذ يزعم بعض الاعلاميين من التيار المحافظ ان نحو نصف الناخبين ينفر من الرئيس اوباما. مستقبل الكيان الاتحادي يعتمد بشكل كبير على قدرة اوباما الذاتية في حشد المواطنين وراء مبادرات وشعارات تلقى استحسانا لدى العامة طيلة مدة ولايته الرئاسية المقبلة. اذ بخلاف الانظمة الملكية التي تسلط غضبها على شخص رئيس الوزراء وتستثني السلطة الملكية، يجري تسليط مشاعر عدم الرضى على رئيس الحكومة والذي هو رئيس الدولة في الوقت عينه، مما يقود الى بلد منقسم على ذاته.

الدويلات الاميركية المحتملة

التفكك بحاجة لعامل مفجر. اذ ان انسلاخ الولايات الكونفدرالية عام 1861 كان مرده انتخاب الرئيس ابراهام لينكولن. اما تفكك الاتحاد السوفياتي فكانت شرارته الانقلاب العسكري الفاشل ضد غورباتشوف. وعليه، فان طبيعة الظروف والتطورات والاشخاص المعنيين تلعب الدور الحاسم في فرضية تشظي الكيانية السياسية وآلية تنفيذها. كما ينبغي عدم اغفال العامل العسكري في هذه الحالة. بناء على ما تقدم ندرج ادناه الدويلات التي قد تنشأ عن الانفصال عن الحكومة المركزيةن او الدور الذي قد تحظى به في التصور النهائي للانفصال.

دولة قومية للسكان الاصليين

صادقت الحكومة المركزية بالاعتراف بنحو 562 قبيلة متنوعة من السكان الاصليين، ووقعت معاهدات مع عدد منها تعترف بها كقومية تتمتع بسيادة ذاتية. اذ يحظى اعضاؤها بعدم سريان مفعول بعض قوانين الولايات والحكومة المركزية وجمع الضرائب عليهم، كما انها تتحكم بمساحات جغرافية شاسعة في القسم الغربي من الولايات المتحدة. وشهدت المراحل السابقة حوادث عنف قام بها انصار المطالبين باستقلالية السكان الاصليين.

عند حدوث الانقسام، سيطلب عدد من تلك القبائل الاعتراف بها كدولة قومية مستقلة، مما سيترك آثاره على الولايات الراهنة المعنية لا سيما مصير السيطرة على الاراضي والثروات الطبيعية بين عدد من الولايات، خاصة ولايتي اوكلاهوما واريزونا. كما من شأن ذلك حفز بلورة دولة قومية لذوي الاصول اللاتينية.

تشكيل دول قبلية سيرافقه عدد من التحديات، لا سيما وان “قومية قبيلة هوبي” تسكن في جيب يدخل ضمن حدود قبيلة نافاهو القومية. كما ان القبيلتين، هوبي ونافاهو، شهدتا عدد من الاشتباكات عبر السنوات الماضية والتي قد تعود للانفجار مرة اخرى في حال تشظي الكيان السياسي المركزي.

هاوايي:

حالة هاوايي بالنسبة للولايات المتحدة تشبه حال الجزائر بالنسبة لفرنسا ابان حقبة الاستعمار الطويلة. مع الاقرار بأن هاوايي تعتبر جزء مكون من الولايات المتحدة، الا انها تنتمي حضاريا للعرق شرق اسيوي – بولينيزيا ويربطها حبل قصير من القضايا المشتركة مع النمط الاوروبي المسيطر على الكيان السياسي الاميركي. وشهدت هاوايي عدة حركات تطالب باستقلاليتها القومية سابقا، ومن شأن تشظي الكيان السياسي المركزي الاسراع في تطبيق الامر.

الاسكا:

تتميز الاسكا بمساحات شاسعة تخضع لسيطرة القبائل الاصلية، كما شهدت بروز حركات تطالب بالاستقلال عن السلطة المركزية والتي كان تود بالين، زوج المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس عام 2008 سارة بيلين، احد اعمدتها. كما ان اغلبية سكانها يتبع تيار يسار اليمين (ليبرتاريان) سياسيا مدعوم بازدهار الوضع الاقتصادي العام نظرا للمخزون النفطي الهائل.

تكساس:

ذهنية اهل تكساس تكاد تكون فريدة من نوعها، وليست بعيدة عن توصيفاتها في افلام الكاوبوي السينمائية. يتمتع مواطنيها بنزعة استقلالية متأصلة عن الآخرين، مما يفسر مشاركة عدد كبير منهم التوقيع على عرائض المطالبة بالانفصال المنشورة على موقع البيت الابيض الالكتروني. كما ان تكساس تمتعت باستقلاليتها ككيان لبضع سنوات، 1836-1846.

لعل اهميتها في هذا الشأن تكمن في وثيقتها الدستورية لعام 1845، والتي بموجبها تم ضمها للاتحاد الفيدرالي، التي تنص على الاحتفاظ بحقها الانقسام الى خمس دويلات ان ارات ذلك. يرى البعض ان اربعا من المناطق المعنية بامكانها التوحد واعلان الاستقلال، بينما تبقى المنطقة الخامسة تابعة لسيطرة الحكومة المركزية. ويجادل البعض انه في حال رفضت تكساس تلك الخطوة، فان وثيقة الانضمام المذكورة تصبح لاغية مما يتيح لتكساس العودة الى وضعيتها المستقلة السابقة. تجدر الاشارة الى انه لم يسبق ان تم العمل او اختبار نصوص تلك الوثيقة الدستورية.

آزلتان:

استعادة اجزاء من اراضيهم المسلوبة هو حلم لا يزال يؤمن به عدد من ذوي الاصول اللاتينية، اذ يعتبرون الولايات المتحدة دولة عدائية استولت على ارض المكسيك بالقوة. بيد ان حملة استيطان الاوروبيين في مناطق شاسعة من تلك الارض، نيفادا وكاليفورنيا واريزونا وتكساس ونيو مكسيكو، تصدم بقوة مع حلم الواقع، بل ترحله الى خانة الاستحالة. لكن من الجائز تبلور كيان مستقل يمر بمحاذاة الحدود الاميركية المشتركة مع المكسيك، بعرض يمتد من جنوب كاليفورنيا الى تكساس.

بيد ان احد اهم التحديات امام كيان آزلتان هو العدد الكبير من السكان الاصليين الذين سيبقون داخل حدوده، لا سيما وان عددا من تلك القبائل الاصلية تفضل استقلاليتها على التبعية لكيان آخر.

ان ما ينتظر ولادة كيان آزلتان هو الصراع مع جيرانه على حقل نفط بارميان الهائل في الشطر الغربي من ولاية تكساس الحالية، اذ يعد من اكبر المخزونات النفطية التي تشكلت بفعل التغيرات الجيولوجية في اميركا. كما ان المنطقة تعد مصدر انتاج النفط الوسيط عالي الطلب، مما يضعه في مقدمة الثروات الاقتصادية لاي كيان سياسي يتشكل. اما التوزيع الديموغرافي في الشطر الغربي من المنطقة فيتميز باغلبية من ذوي الاصول اللاتينية، مقابل اغلبية من البيض من اصول اوروبية في الشطر الشرقي. الثروة النفطية تعد بديمومة النزاع بين كيان تكساس المستقل وكيان آزلتان.

الكونفدرالية القديمة:

من الملاحظ ان العدد الاكبر من توقيعات عرائض الطلب بالانفصال تعود لمواطني ولايات الكونفدرالية السابقة، والتي تتضمن ولايات جورجيا والاباما وميسيسيبي ولويزيانا وتكساس..

ولايتي داكوتا:

ادى اكتشاف تشكيلات “باكن” الصخرية التي تحتوي على مخزون نفطي كبير في عمق اراضي ولايتي داكاتو، الشمالية والجنوبية، الى ازدهار اقتصادهما، الامر الذي قد يحفزهما على تناول مسالة الانفصال، ربما بالتعاون مع ولايات مجاورة في المنطقة مثل مونتانا وويومننغ.

الحصن الاميركي:

تعتبر مناطق من سلسة جبال روكي ملاذات آمنة لشريحة اجتماعية منغلقة ابان الاضطرابات المدنية في الولايات المتحدة. وتضم المنطقة المذكورة مساحات شاسعة من بينها ولايات آيداهو ومونتانا وويومنغ وبعض مناطق ولاية كولورادو ويتاه واوريغون وولاية واشنطن. وقد اجازت مراسلة يومية لوس انجلس تايمز، كيم ميرفي، دوافع الحركة المذكورة بالقول “بالنسبة لعدد متزايد من الناس، تمثل المنطقة نقطة تجمع للانسحاب اليها عند انهيار الاقتصاد الاميركي.”

الخلاصة

المسيرة التاريخية للشعوب لا توفر وصفة او بوادر تمكن الفرد من التكهن بتفتت كيان سياسي. اذ شكل انهيار الاتحاد السوفياتي خير دليل على الصعوبات المنطوية في علم التنبؤ، الامر الذي اغفله كافة المعنيين. بالمقابل، تتغنى الولايات المتحدة بانها كيان لا يقبل القسمة، الا ان حقيقة الامر قد تثبت غير ذلك في المدى القريب. وقد ينظر عدد لا باس به من الاميركيين في اولوية الاستقلال وتفضيله على استمرار الولاء للكيان المركزي.

بيد ان ما يظهره التاريخ ان حالة تفتت الكيانات تتم عبر اراقة الدماء، بما فيها التفكك السلمي نسبيا للاتحاد السوفياتي الذي ادى الى نزاعات دموية في جمهوريات الشيشان وجورجيا. في الحالة الاميركية، نجد عدد من الاقطاب التي ستتنافس لتطبيق مصالحها خلال عملية التفتت والانحلال. ستزداد الصراعات حدة للتحكم بالثروات الطبيعية، والنزاعات العرقية والدينية ستشتد وطاتها بين مختلف المكونات: ذوي الاصول اللاتينية والبيض والسود والسكان الاصليين والمسيحيين ومجموعات اخرى متعددة. سيبرز حينئذ عجز الكيان المركزي الذي يتحكم باكبر ترسانة نووية على الاطلاق. الوجهة النهائية لولاء القوات العسكرية وشبه العسكرية الاميركية ستلعب دورا رائدا في فوز اي من تلك القوى وحجم الاراضي التي ستخضع لسيطرته. كما لا يجزو اغفال عامل القوة الاقتصادية للكيانات حديثة التشكل.

تفتت وانحلال الكيان السياسي للولايات المتحدة لا يجوز القفز عليه، لكنه ايضا لا يلوح في الافق القريب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2166105

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع تقارير وملخصات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2166105 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010