الجمعة 18 حزيران (يونيو) 2010

آليات الحركة نحو الهاوية

الجمعة 18 حزيران (يونيو) 2010 par طلال عوكل

ثمة ما يقلق العجوز المخضرم، صاحب التجربة الطويلة المليئة بالنجاح والفشل ورئيس دولة إسرائيل شمعون بيريز، ولكنه ربما لا يملك من موقعه البروتوكولي التشريفي، ما يغير واقع الحال، فالأمر ما يزال بين أيدي أغرار السياسة الإسرائيلية. بل ربما ينظر هؤلاء الأغرار إلى قلق الرئيس الإسرائيلي أنه نوع من التخريف يصدر عن أكبر وآخر القادة التاريخيين.

يشتكي بيريز من أن إسرائيل تتجه نحو عزلة دولية متزايدة، وسمعة متدهورة، قد ينجم عنها تبعات اقتصادية، فضلاً عن تبعاتها السياسية والأخلاقية، التي تقوض مكانتها وتحالفاتها.

فبينما لا تزال طرية في الأذهان تداعيات ونتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، والتي أدت إلى تشكيل ثلاث لجان دولية للتحقيق في جرائم حرب محتملة، هي لجنة شكلها الأمين العام للأمم المتحدة، وأخرى شكلتها منظمة العفو الدولية وثالثة وهي الأهم التي ترأسها القاضي ريتشارد غولدستون، رغم ذلك، أوقعت إسرائيل نفسها في فخ أدى إلى فضيحة دولية أخرى حين قام الموساد باغتيال محمود المبحوح في دبي أوائل العام الحالي، تبعتها فضيحة القرصنة على أسطول الحرية.

مسلسل من الفضائح ذات أبعاد دولية متشعبة تضاف إلى معاندة إسرائيل للإجماع الدولي لتحقق بشأن النشاط الاستيطاني، وتهويد القدس، ومحاولات إحياء العملية السلمية على أساس رؤية الدولتين، مسلسل لابد أنه يصدر عن طبيعة متجذرة في النظام السياسي الإسرائيلي.

إن تفسير دوافع وتداعيات وأبعاد هذا المسلسل الفضائحي على المستوى الدولي لا يمكن فصله عن التطورات الداخلية، سواء التي تعكسها تكوينات الخارطة الحزبية، أو التي يعكسها التحالف القائم، والذي ينسجم مع وينتج تشريعات وقوانين وممارسات تتسم بالعنصرية والتمييز، وتدفع المجتمع الإسرائيلي نحو نظام أبارتهايد شبيه بالنظام العنصري البائد في جنوب إفريقيا.

في كل الأحوال فإن حكمة بيريز من موقع المراقب، ما كانت لتحضر لو أنه كان على سدة القرار السياسي، فمثل هذه التطورات، تحدث بالتدريج ووفق سياقات وميكانيزمات من صلب المشروع الصهيوني، فلقد كان بيريز بعد موت إسحق رابين أول من عطل تنفيذ اتفاقيات أسلو، وكان أيضاً من ارتكب مجزرة قانا في جنوب لبنان في عام 1996، قبل أن يسقط في الانتخابات العامة لصالح نتنياهو.

أوقعت إسرائيل نفسها في ورطة كبيرة، حين اتخذت قرارها مسبقاً، وأعدت عدتها لمواجهة أسطول الحرية بالقوة، مما نجم عنه سقوط تسعة شهداء وعدد من الجرحى، ويبدو أنها لم تنجح في قراءة التداعيات المحتملة، والتي ينبغي أن تأخذ في الحسبان أسوأ الاحتمالات، تماماً كما فشلت حين اتخذت قرار اغتيال المبحوح.

كان على إسرائيل أن تتواضع قليلاً، وألا تركب رأسها إزاء كيفية التصرف مع دولة مثل تركيا الصديقة القديمة لها، والوحيدة في المنطقة، وكان على إسرائيل أن تدرك بأن تركيا التي أدارت وجهها صوب بيئتها الطبيعية في الشرق الأوسط، ما كان لها أن تتسامح مع سلوك كالذي صدر عن إسرائيل، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تشكل جسر العبور نحو قلوب العرب.

وإذا كان الطبع يغلب التطبع فإن إسرائيل درجت تاريخياً على التصرف كدولة فوق القانون، مرتكنة إلى عجز عربي مزمن من ناحية، وعلى حليفتها القوية الولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى.

على أن بوح شمعون بيريز عن قلقه الشديد إزاء مكانة إسرائيل، قد جاء بعد قرار حكومتها، بشأن تشكيل لجنة تحقيق داخلية، بحضور مراقبين اثنين من دول أخرى لا صلاحيات لهما في عمل اللجنة، الأمر الذي ينطوي على تقييم من بيريز، وحكم بفشل هذه اللجنة في معالجة أو تخفيف التداعيات الدولية المتلاحقة على مسلسل الجرائم الإسرائيلية.

ومن الواضح أن ردود الفعل التي صدرت عن دوائر عديدة، تشير إلى امتعاض المجتمع الدولي من القرار الإسرائيلي فباستثناء الترحيب الأميركي به، فإن أحداً لم ير فيه ما يلبي تطلعات مختلف الأطراف المهتمة بالأمر، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة الذي صرح ناطق باسمه بأن اقتراح تشكيل لجنة تحقيق دولية ما يزال حاضراً.

ومرة أخرى تخطئ إسرائيل، حين تحاول معالجة الأزمة، فلجنة التحقيق لا صلاحية لها، لمساءلة الجنود والضباط، ولها فقط أن تفحص مدى سلامة الدوافع التي وقفت وراء قرار الحكومة.

تدعي إسرائيل أن سلوكها بالقرصنة على قافلة الحرية ينسجم مع القانون الدولي، ذلك أن السفن ومن هم على متنها، قد حاولوا خرق حصار تفرضه إسرائيل، التي تعيش حالة حرب مع من تسميه بالإرهاب في قطاع غزة، أي أنها تمعن في الدفاع عن جريمتها، بليّ عنق القانون الدولي.

الرد التركي جاء سريعاً وقوياً، حيث أعلن الرئيس عبد الله غول رفض بلاده للقرار، مؤكداً أن بلاده ستتابع جهدها من أجل تشكيل لجنة تحقيق دولية.

في الواقع، فإن ما جرى لقافلة الحرية، يؤكد ببساطة أن لا بديل عن تحقيق دولي طال الزمان أم قصر، فالقرصنة الإسرائيلية وقعت في المياه الدولية، ووقعت ضد سفن تملكها دول أخرى، وضد نشطاء يحملون جنسيات أخرى لا سيادة لإسرائيل عليها أو عليهم، فضلاً عن القصدية في الفعل إذ كان لدى إسرائيل خيارات أخرى لا تؤدي إلى سفك الدماء.

في هذه المرة لن تفلت إسرائيل من العقاب، وليس بإمكانها الارتكان إلى الحليف الأميركي رغم ما لهذا من تأثير على تركيا، نظراً لكونهما أعضاء حلف الناتو، والعلاقات الإيجابية بين البلدين.

وفي الواقع فإن أفضل حلفاء إسرائيل وهي الولايات المتحدة، ينتابها الخجل إزاء السلوك الإسرائيلي المتكرر، وينتابها التردد في الدفاع بقوة عن هذا السلوك، ولو كان الأمر على نحو مختلف لما سمحت الإدارة الأميركية بصدور البيان الرئاسي عن مجلس الأمن الذي يتضمن لهجة انتقادية واضحة لإسرائيل.

والسؤال المهم هو كيف للعرب أن يستجمعوا قواهم، من أجل دفع إسرائيل إلى المزيد من العزلة، فهم أولى من غيرهم للقيام بهذا العمل؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178420

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178420 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40