الثلاثاء 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

التغلغل الإمبريالي الجديد في العالم العربي

الثلاثاء 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2012 par كاظم الموسوي

لم تعد خطط التغلغل الإمبريالي أخبارا إعلامية بل أصبحت عمليات جارية على قدم وساق. ولم تحجم وسائل الإعلام الغربية، خاصة، وتعيد ترجماتها بعض وسائل الإعلام العربية احيانا، عن نشر تفاصيل لها يوما بيوم. وتتابعها في تطبيقاتها العملية أيضا. وتنشر أخبارها كاملة، حيث لم تعد الإمبريالية في زمن التطورات التقنية وثورة الاتصالات قادرة على التعمية والتستر على مخططاتها العدوانية. فتلجأ كعادتها للتبرير وتصنيع ذرائع وحجج لها في عمليات غزوها وتسربها السري والعلني، وبالتالي تغلغلها واحتلالها للبلدان والشعوب التي ابتلت او ستبتلي بأخطارها وتداعياتها. ويلعب الترويج المكثف والإعلام المنظم لها دوره في تخريب الوعي وتزيف الفكر، الذي يؤدي الى تسميم الادراك وغسيل الدماغ لدى قطاعات اجتماعية لم تكن يوما من المراهنين على الإمبريالية وحلفائها في العالم العربي. إضافة لتوظيف مؤسسات ومنظمات تحت مسميات بحث ودراسات أو مجتمع مدني وغيرها وتضع لها عناوين تنتهي باستراتيجية لتشير الى “صاحبها” الفعلي.
ادارات الاستعمار القديم والجديد تتعاون بديهيا فيما بينها وترسم خرائط جديدة للعالم العربي وتنجز ما تخطط له بوسائلها المتعددة، الناعمة والوحشية، وتسربها بشتى الطرق أيضا وفي كثير منها تكلف حكومات عربية معروفة بدفع أثمانها المادية وحتى البشرية. وما حصل ويحصل في احتلال العراق، كبلد عربي، واضح لكل ناظر، إلا اذا أعمى بصيرته ومارس دور النعامة المعروف في الأمثلة. ولا حاجة للأسف وتكرار ذكر أن اغلب تكاليف وأثمان تلك الخطط مدفوعة مقدما من المال العربي ومشاركة رسمية في الأغلب في تدمير البلدان التي عاشت حالات احتلال، من فلسطين الى العراق، وليبيا مؤخرا.
لم تكتف الادارات الإمبريالية وذراعها المعروف حلف شمال الأطلسي/ الناتو بقواعدها العسكرية المنتشرة على خارطة الوطن العربي ولم تعتد بالمعاهدات والاتفاقيات العسكرية والسياسية الاستراتيجية الموقعة بينها وبين الحكومات المتحالفة معها فقط، بل تزيد عليها ما نشر مؤخرا ونفذ عمليا بإرسال قوات خاصة لأغلب البلدان العربية. وهنا كما يعلم ان الادارات الامبريالية لم تدخر جهدا لإعادة حالات احتلال وانتداب للبلدان ذاتها وبأسماء جديدة احيانا او حتى بالقديمة نفسها، والسبب الرئيسي في كل ذلك لم يعد مخفيا ولا مكتوما، بل أصبح أكثر من معلن ومكشوف. ولعل دروس التاريخ وتجربة الاستعمار في البلدان العربية التي استعمرت عقودا طويلة وما سجله التاريخ منها كافية لكل ذي بصر وبصيرة.
خلال الانتفاضات والثورات العربية واصلت الادارات الإمبريالية بأساليبها المعروفة وعبر امكاناتها ذاتها، التسرب الناعم في الجمهوريات التي خاضت شعوبها حركة التحرر الوطني من تلك الادارات ومشاريعها الاستعمارية وناضلت بتضحيات جسيمة من أجل الاستقلال الوطني وسيادتها وثروات شعوبها وحريتها وكرامتها. ومعلوم كيف مارست تلك الادارات حصار تلك الشعوب واحتواء أنظمتها وحكوماتها ورهنها بمخططاتها العدوانية؟، وكذلك دور المال العربي في تلك المخططات ومساهمة اصحابه فيها بمختلف السبل والممارسات التي مازالت مستمرة ومتواصلة بدون حساب!.
المضحك في كل ما يحدث أن الادارات الامبريالية تعلن خططها وتنفذها وتمارسها دون مواربة بينما الحكومات العربية تعلن معارضتها إعلاميا وترد عليها، ويتبجح الناطقون باسمها على شاشات التلفزة بتكذيب الوقائع التي قد لا تبعد عن مكانهم كثيرا، أي أمام أو قرب نظرهم، فأية مصداقية تبقى لأمثال هؤلاء؟. والأكثر كوميدية في مثل هذه الصور المضحكة أن بعض هؤلاء الناطقين والمتحدثين باسم حكوماتهم كانوا غير ما هم عليه قبل تورطهم في مثل هذه المناصب المشتراة سلفا. فضلا عن برمجة وسائل الإعلام العربية الإخبارية المعروفة لزيادة جرع التضليل والخداع والغش الاعلامي والتنظيم لها بحوارات ولقاءات وغيرها مما يثبت تحول هذه الوسائل الى اجهزة ناطقة باسم تلك الادارات ولسان حالها العربي. وكذلك الدور الخطير لها في إشاعة وترويج خطط الامبريالية وتبرير ممارساتها العدوانية والسعي الى تشويه الوعي والإدراك الشعبي وزراعتها والعناية بها بالطرق التي باتت واضحة ومعلومة لكل من له خبرة بسيطة بقدرات التقنية الاعلامية المتطورة حاليا.
نجاح خطط الامبريالية وذراعها العسكري/ الناتو في التغلغل في الوطن العربي لم يكن بفضلها وحدها او بقوتها وجبروتها المعلومة بديهة وإنما بتخادم وظيفي من قبل قوى داخلية وجهات سياسية رسمية وغيرها ممن ارتبطت وراهنت عليها في ادارة البلدان وتقديم التسهيلات اللوجستية ودفع التكاليف المالية والبشرية احيانا. الامر الذي أصبح معقدا ومتشابكا وتحولت فيه العلاقات الدولية والتحالفات الرسمية إلى أعباء فعلية في نضال الشعوب من أجل حريتها وكرامتها واستقلالها وتقدمها. فمعلوم أن أبرز أهداف الامبريالية في العالم العربي هو تفتيته وتقسيمه والهيمنة على ثرواته وخيارات شعوبه ومستقبل أجياله، وهي الأهداف المعلنة والمعروفة لكل من يرى ويقرأ ويسمع ويفكر بعقل ويحاسب نفسه ولا ينجر وراء ما تبثه وسائل إعلام التضليل العلني. وليس القول نافلا، بأن هذا النجاح للخطط والتغلغل الامبريالي يتطلب من جديد كفاحا وطنيا واسعا ووعيا نقديا مسؤولا لهذه المخططات وإعادة صياغة بديهيات الانتفاضات والثورات العربية. فانتفاضات الشعوب وثوراتها لها عناوين واضحة ولا ينبغي أن تكرر الكارثة ذاتها. ولا يمكن أن تكون خطط الامبريالية حلا لها أو تجاوبا معها. وهو ما يتطلب تأكيده وتوضيحه. ساحات العالم العربي هي المسرح المكشوف لتلك الخطط والتغلغل الامبريالي. ووقائع ذلك مثبتة بوثائق وأفعال مرصودة وأغلبها معلنة رسميا. وهذه الحقائق اذا لم يجر التصدي لها فان العالم العربي يدخل مرحلة أخرى من الاحتلال والانتداب الامبريالي الجديد. وهذه المرحلة خطيرة جدا لتداخل الاسباب والأهداف والجهات التي تدعي التشارك فيها، وتتغطى بأغطية ملونة من التخادم المباشر وعضوية الناتو ومعاهدات الحماية والتسهيلات المعلنة والسرية والشعارات البراقة حول التدخل الانساني وامثاله. هذا التغلغل الجديد لا يصب بأي شكل من الاشكال في خدمة المصالح العربية وحرية الشعوب وكرامتها وتقدمها ودورها في بناء وطنها واستثمار ثرواتها وخياراتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165261

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165261 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010