السبت 8 أيلول (سبتمبر) 2012

«الربيع الفلسطيني» لم يبدأ

السبت 8 أيلول (سبتمبر) 2012 par نقولا ناصر

في كلمته أمام الدورة 138 لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين، قال الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إن «الربيع الفلسطيني بدأ» بـ«حراك شعبي» يطالب بـ«تخفيض الأسعار واستلام الرواتب كاملة».

غير أن أي حراك شعبي لا يستهدف الخروج من دوامة الحلقة المفرغة لخيارات إستراتيجية «السلام» التي أثبتت فشلها لاستشراف إستراتيجية بديلة بخيارات خارج إطار هذه الإستراتيجية لن يكون بالتأكيد بداية لربيع يغير الوضع الفلسطيني الراهن تغييراً شاملاً وجذرياً ولا يكتفي بإصلاحه فحسب.

وليس سراً أن «الحراك الشعبي» الذي أشار عبّاس إليه له مسوغاته الموضوعية لكنه حراك مسيطر عليه ركبت الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي تقود إستراتيجية «السلام» الفاشلة موجته لتحقيق هدفين أولهما «تنفيس» ضغط الاحتقان الاقتصادي الشعبي الذي يكاد يفجر حراكاً شعبياً غير موجه ولا سيطرة لأحد عليه وثانيهما بعث رسالة تحذير إلى «المانحين» العرب للوفاء بتعهداتهم المالية عشية اجتماع مجلس الجامعة العربية لحثه على تنفيذ قراراته السابقة بإنشاء شبكة أمان لسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في مواجهة الأزمة المالية المزمنة التي استفحلت مؤخراً.

وليس سراً كذلك أن أزمة السلطة المالية المزمنة هي ابنة شرعية لخيارات إستراتيجية «السلام» والاتفاقيات الموقعة غير الشرعية المنبثقة عنها التي ارتهنت اقتصاد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 للتبعية لاقتصاد دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، ولا هو سر أيضاً أن البيان الختامي للدورة 138 لمجلس الجامعة العربية لم يضف جديداً يمكنه أن يخفف من استفحال هذه الأزمة، ولا هو أضاف جديداً يغير نوعياً في الوضع الفلسطيني الراهن.

فما هو الجديد حقاً في اجترار مجلس الجامعة العربية للغة ذاتها لدعم توجه منظمة التحرير للحصول على «وضع دولة غير عضو في الأمم المتحدة»، أو في التأكيد على «أهمية إنشاء لجنة مستقلة محايدة على مستوى الأمم المتحدة للتحقيق في ملابسات اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات»، أو في دعوة «المجموعة العربية في الأمم المتحدة إلى التحرك لعقد جلسة استثنائية للجمعية العامة لمناقشة» قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أو في مطالبة «المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالعمل على الرفع الفوري للحصار الإسرائيلي الجائر وغير القانوني على قطاع غزة»، إلخ! أليست جميعها خيارات تدور في إطار الإستراتيجية الفاشلة إياها؟

واللافت للنظر أن البيان الختامي لمجلس الجامعة لم يقدم جواباً واضحاً على موعد تصويت الجمعية العامة على طلب الاعتراف بفلسطين «دولة غير عضو في الأمم المتحدة»، وهو الطلب الذي قال كبير مفاوضي المنظمة د.صائب عريقات عشية الدورة 138 إن الأمين العام للجامعة العربية د.نبيل العربي سيتقدم به إلى الجمعية العامة، لأن عريقات والمنظمة، كما قال الرئيس عبّاس في كلمته أمام المجلس، «لا نريد أن نخرج عن الإجماع العربي»، ولذلك فإن «العرب هم من سيقرر موعد التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة» كما قال عريقات الخميس الماضي.

إن تصدير صنع القرار الفلسطيني إلى الجامعة العربية هو تهرب سافر من استحقاق وطني تأخر كثيراً لاتخاذ قرار فلسطيني مستقل حقاً بالبحث عن توافق وطني على إستراتيجية بديلة لإستراتيجية «مبادرة السلام العربية» التي حاصرت القرار الوطني الفلسطيني في مأزقه الراهن.

إذ سواء اتفق أم لم يتفق وزراء الخارجية الأعضاء في لجنة متابعة هذه المبادرة على تحديد موعد لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب منظمة التحرير، بغض النظر عمن يقدمه، فلسطينياً كان أم عربياً، فإن تكرار الفشل العربي في تمرير طلب مماثل في مثل هذا الوقت من العام الماضي أو النجاح فيه لن يغير شيئاً في واقع الاحتلال على الأرض، وأي نجاح فيه هذه المرة سوف يضيف فقط قراراً جديداً إلى ركام عشرات القرارات الأممية، الملزمة من مجلس الأمن الدولي وغير الملزمة من الجمعية العامة، الأكثر أو الأقل أهمية منه، التي لا يزال تنفيذها بانتظار «ربيع فلسطيني» يكنس إستراتيجية فاشلة إلى مزبلة التاريخ كانت ولا تزال سبباً رئيسياً في بقاء مثل هذه القرارات الأممية دون تنفيذ حتى الآن.

لكن عقبتين تقفان أمام إنطلاق «الربيع الفلسطيني» المنتظر الذي نضجت كل مسوغاته الموضوعية الوافرة، أولاهما فلسطينية تتمثل بما كرر عبّاس قوله أمام مجلس الجامعة العربية في دورته الأخيرة بالقاهرة: «نحن نطالب دائماً وأبداً بالمفاوضات»، مما يضع الطلب الفلسطيني - العربي الذي لم يتحدد بعد «موعد» التصويت عليه في سياق إستراتيجية «السلام» الفاشلة ذاتها، وثاني العقبتين عربية تتمثل في موقف لجنة مبادرة السلام العربية الذي أعلنه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني عقب اجتماع اللجنة في سرت الليبية أواخر عام 2010 بإعطاء «الجانب الأميركي فرصة لتغيير الموقف وإعادة» مفاوضات منظمة التحرير مع دولة الاحتلال «إلى طبيعتها».

ولم يعد أحد يجادل اليوم في أن الفشل الأميركي في اغتنام «الفرصة» التي منحها العرب للولايات المتحدة منذ مؤتمر مدريد عام 1991، وخصوصاً منذ إجماعهم على مبادرة السلام العربية عام 2002، وعلى الأخص منذ قرر العرب أنه «ليس أمامنا إلا أن نؤيد قرار الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بإيقاف المفاوضات» قبل عامين كما قال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد، إنما هو فشل أميركي مزمن لم يعد يستحق أي «فرصة» عربية أخرى تمنح له لإثبات صدقيته في الوفاء بوعوده للعرب وفي نزاهة وساطته بينهم وبين دولة الاحتلال.

وهذا فشل يملي استحقاقاً فلسطينياً وعربياً ملحاً بوقف المراهنة عليه، وبالبحث عن إستراتيجية بديلة تنهي الرهان عليه، لأن هذه الفشل الأميركي هو التعبير الملموس الأوضح لفشل إستراتيجية «السلام» العربية والفلسطينية.

إن «العودة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة هي مظهر، في الأساس، للفشل الدولي في قيادة وتوفير وساطة فعالة» كما قال تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في أيار / مايو الماضي.

أما الفشل العربي في الرهان على الولايات المتحدة فإنه التعبير الملموس الأوضح الثاني لفشل إستراتيجية «السلام».

فقد كانت «الفرصة» العربية الممنوحة للولايات المتحدة مهلة أكثر من كافية كي يتأكد العرب من أنها شريك للاحتلال ودولته، وليست وسيطا نزيها بينهم وبينها، ولم يضف قرار مؤتمر الحزب الديموقراطي الحاكم الخميس الماضي بإضافة الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال إلى البرنامج الانتخابي للرئيس باراك أوباما جديداً إلى تاريخ الانحياز الأميركي لدولة الاحتلال.

لكنه دليل جديد على أن أي حراك شعبي فلسطيني لن يكون بالتأكيد مقدمة لأي «ربيع فلسطيني» ما لم يستهدف التحرر من الرهان العربي على الولايات المتحدة ووساطتها ورعايتها، وما لم يستهدف التحرر من الإستراتيجية الفلسطينية التي بنيت على أساس الرهان عليها وعلى الجامعة العربية معاً.

ومثلما كان الحراك الشعبي العربي في دول «الربيع العربي» متمرداً على قياداتها وقادتها وتحرك أيضاً في معزل عن النخب السياسية فيها، بمن فيها نخب المعارضة، فإن أي حراك شعبي فلسطيني لن يقود إلى أي «ربيع فلسطيني» ما لم يتحرك في معزل عن نخبه السياسية، التي تحولت إلى «نخبة سلطة خاضعة للاحتلال وفاقدة للشرعية»، و«نخبة أمر واقع...يمكن إدراجها ضمن جماعات المصالح»، لـ«الأطراف الخارجية» دور في «"تشكلها» وفي «ضمان ديمومتها» (وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق د.إبراهيم أبرش في مقال له مؤخراً)، فهذه هي النخب التي قادت ما وصفه الرئيس عبّاس بـ«حراك شعبي» يطالب بـ«تخفيض الأسعار واستلام الرواتب كاملة»!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010