الجمعة 7 أيلول (سبتمبر) 2012

خيار الصين ... لماذا على أمريكا أن تتقاسم النفوذ؟ (2-3)

الجمعة 7 أيلول (سبتمبر) 2012

يدور موضوع هذا الكتاب حول أهم القضايا الحاسمة في القرن الواحد والعشرين، التي تقف فيها أقوى دولتين في العالم في وجه بعضهما بعضاً، ولابد لهما من اتخاذ خيار خلال السنوات المقبلة. وهذا الخيار مصيري سيضعهما أمام الحرب أو السلم، ولكل منه كلفته، والخيار الأصعب هو للولايات المتحدة التي وجدت نفسها في موقع القيادة العالمية، ولم يسبق لها أن شاركت دولة في قراراتها ومصالحها.

يبين هوغ وايت في كتابه هذا أن الولايات المتحدة أمام ثلاثة خيارات في آسيا وهي: المنافسة، تقاسم النفوذ، أو الانسحاب. ويؤكد أنه عليها أن تغير من إستراتيجيتها في آسيا، خاصة أمام صعود الاقتصاد الصيني، الذي يوشك أن يصبح الأكبر في العالم.

يناقش الكتاب الوجود الأمريكي في آسيا، والعلاقات السياسية بين الصين والولايات المتحدة من جهة، وبين كل منهما مع الدول الآسيوية في السنوات الأربعين المنصرمة، كما يوضح المصالح الإستراتيجية والاقتصادية لكل دولة آسيوية في حال التحالف مع الولايات المتحدة ضد الصين في المستقبل.

والكاتب: أستاذ جامعي يحاضر في جامعة أستراليا الوطنية في قسم الدراسات الإستراتيجية. كان محللاً في الشؤون الاستخباراتية، وصحافياً ومسؤولاً كبيراً في وزارة الدفاع الأسترالية، وله مقالة مشهورة بعنوان: «تغير القوة: مستقبل أستراليا بين الصين والولايات المتحدة».

الكتاب صادر عن دار «بلاك إن بوكس» الأسترالية، في 191 صفحة من القطع المتوسط، 2012.

[rouge]بكين ستصبح صاحبة الاقتصاد العالمي الأكبر في غضون سنوات[/rouge]

يشير الكاتب في الفصل الرابع من الكتاب بعنوان «الصين: القوة والطموح» إلى أن التحدي الصيني للاقتصاد الأمريكي يختلف عن غيره من التحديات، وذلك يرجع إلى أن الصين تملك حجماً كبيراً من القوى العاملة، يختلف عن اليابان التي كان من المتوقع أن تتحدى الاقتصاد الأمريكي في سنوات الثمانينات، إلا أن حجم القوى العاملة لديها كان ثلث حجم القوى الأمريكية العاملة. لكن، بالنسبة للقوى الصينية فهي أكبر من الأمريكية بأربع مرات، وهذا يعني أن الإنتاج الصيني سوف يتجاوز الأمريكي حتى في حال كان متوسط إنتاج العامل الصيني ربع الأمريكي فقط.

ويجد أنه خلال السنوات الخمس عشرة الفائتة، منذ أن بدأت أجراس الصعود الصيني تقرع لأول مرة، لم يقتنع الغرب بالتحدي الصيني ولم يأخذه على محمل الجد من ثلاث جهات:

أولاً: وجدوا أن اقتصاد الصين لن يستمر في النمو.

ثانياً: رأوا أنه حتى لو أن الاقتصاد الصيني استمر في النمو، لن يكون قادراً على دفع الثقل الاقتصادي إلى الاستراتيجي والسياسي، بحيث يصل إلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثاً: وجدوا أنه حتى لو أن الصين أسست لنفسها ثقلاً استراتيجياً وسياسياً، لن تختار هذا الثقل لتتحدى به القيادة الأمريكية للنظام العالمي أو لآسيا.

ويبين بشكل تفصيلي أن هذه الاقتراحات على الأرجح خاطئة، فبالنسبة للخيار الأول يجد أن نمو الاقتصاد الصيني أمر حتمي، وهي متجهة إلى الغنى أكثر منها إلى الفقر أو الانهيار، ويرى أن معجزتها الاقتصادية يمكن أن تصبح بطيئة أو تتوقف لفترة بسبب التضخم المالي أو أسباب منها سياسية أو ديموغرافية أو بيئية، ولكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على هذه الضغوط لإيقاف التحدي الصيني. ويجد أنه على الأغلب ستتجاوز الصين الاقتصاد الأمريكي، لتصبح الاقتصاد الأكبر في العالم خلال السنوات القادمة.

أما بالنسبة لتحويل الثقل الاقتصادي قي خدمة الاستراتيجي والسياسي، فيجد الكاتب أن العديد لا يعتقد ذلك، ولكن الحقيقة - في رأيه - تختلف، خاصة مع ازدياد النمو الاقتصادي، وتوسع حجم النفوذ السياسي والدبلوماسي، وانفتاح اقتصاد الصين يعني بالنسبة للدول الأخرى، في آسيا وغيرها، أن الصين أصبحت شريكهم الاقتصادي الأكثر أهمية، وحجم التجارة مع الصين يزداد يوماً بعد الآخر، كما تتوقع مساعدة من الصين، بحيث تكون عاملاً مهماً في مستقبلها، وهذا ما يفرض على هذه الدول أن تكون حريصة على مصالح الصين، وبالتالي يجد الكاتب أن الثقل الاقتصادي يعزز الثقل السياسي والاستراتيجي.

بالنسبة للخيار الثالث، يجد الكاتب أن الصين قبلت بالتفوق الأمريكي في آسيا، حرصاً منها على تطوير اقتصادها وحل نزاعاتها الداخلية، ولكن يجد أن الزمن الحالي إلى جانب الصين، وقد أصبحت في موقع قوة، وصبرها على التفوق الأمريكي لن يكون في مصلحة اقتصادها، ولاشك في أن طموحها يكبر مع ازدهار اقتصادها، وتحديها السيادة الأمريكية سيكون تطوراً طبيعياً لموقعها المتنامي.

[rouge]التغير في موازين القوة[/rouge]

يشير الكاتب في الفصل الخامس من الكتاب بعنوان: «التوازن العسكري» إلى أن التوازن العسكري في آسيا بدأ بالتغيير منذ بدايات التسعينات، حيث تغيرت الأولويات العسكرية للصين وتطورت قدراتها، ويشير إلى أن ثلاثة اتجاهات قادت إلى هذا وهي:

أولاً: شهدت ميزانية الدفاع الصينية نمواً متسارعاً مع نمو اقتصادها.

ثانياً: أدى تلاشي الاتحاد السوفييتي - الذي كان يشكل تهديداً على مستوى القارة - إلى السماح للصين بتغيير الأولوية من القوات الأرضية إلى البحرية.

ثالثاً: رغبة روسيا والأجزاء المتبقية من الاتحاد السوفييتي السابق إلى بيع التكنولوجيا التي لديها مما مكن الصين من تطوير قدراتها بأسرع ما يمكن. وكانت النتيجة ازدياداً مفاجئاً في القدرات البحرية والجوية الصينية على مدى العقدين الماضيين.

يجد الكاتب أن أسئلة أساسية تطرح نفسها وهي: «ما الذي كانت الصين تحاول أن تحققه من خلال بناء هذه القدرة البحرية المتزايدة، وإلى أي مدى نجحت في ذلك؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لقدرة الولايات المتحدة على البقاء في موقع السيادة؟».

ويشير إلى ما حققته الصين من تطورات على صعيد قوتها العسكرية وهي:

أولاً: استثمرت الصين بشكل كبير في الغواصات التقليدية الحديثة وزادت استثمارها في الغواصات الهجومية المدعومة بالسلاح النووي، رغم أنها لا تنافس الغواصات الأمريكية، إلا أنها تشكل خطراً حقيقياً على السفن الأمريكية في سواحل شرقي آسيا.

ثانياً: بنت الصين أسطولاً كبيراً من الطائرات المقاتلة من النوع السوفييتي من الجيل الرابع، وهي لا تضاهي الأمريكية، إلا أن قواعدها تكون في الداخل الصيني، بحيث يمكنها الدفاع عن الطرق البحرية، وهي كثيرة العدد، وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة أن تسيطر على الأجواء في منطقة مضيق التايوان.

ثالثاً: طورت الصين صواريخ بالستية مضادة للسفن، وهي تستخدم للسفن عالية القيمة مثل حاملات الطائرات التي سيكون من الصعب رد هجماتها، ومن المحتمل أن تكون مميتة أكثر من صواريخ كروز التقليدية.

رابعاً: استثمرت الصين بشكل كبير في المراقبة الشديدة والفعالة، والتي تحسن في قدرة البلاد على استهداف السفن الأمريكية، بالإضافة إلى إبطال أنظمة القيادة والمراقبة الأمريكية.

ويرى الكاتب أن التسليح الصيني على الأرجح ماضٍ نحو الازدياد مع نموها الاقتصادي، ويشير إلى أنها لا تزال تنفق فقط 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع مقارنة مع الولايات المتحدة التي تنفق 7 .4%، كما يتطرق إلى الحديث عن المصالح الأمريكية والصينية وشكل الهجوم والدفاع في حال اندلاع حرب.

[rouge]علاقات الصين مع الجوار[/rouge]

في الفصل السادس الذي نتناوله بقليل من التفصيل، يرى الكاتب أن الولايات المتحدة لا تواجه الصين بمفردها في آسيا، فلديها مجموعتان من الدول: الأولى حليفة، والثانية صديقة حديثاً لكنها تحظى بأهمية كبيرة، حيث تنظر واشنطن مطمئنة إلى أن الصعود الصيني لن يأتي على حسابها. وفي الحقيقة، كل هذه الدول ازدهرت تحت غطاء التفوق الأمريكي في العقود الأخيرة، تحديداً منذ حرب الفيتنام. في الوقت ذاته، تتمنى كل هذه الدول أن تقوم الولايات المتحدة بمنع الصين من الهيمنة على المنطقة وإساءة استخدام النفوذ. والدول الحليفة هي: اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، الفلبين، وتايلند. أما الدول الصديقة فتتضمن: الهند، إندونيسيا، سنغافورة، الفيتنام. وبرأي الكاتب، دعم هذه الدول يمكن أن يشكل رصيداً أساسياً في الاستجابة لقوة الصين الصاعدة، لكن يجد الكاتب أن المسألة التي تحتاج التأمل هي أن جيران الصين لن يدعموا وجود أمريكا في آسيا فقط، بل سيدعمون تفوقها أيضاً.

ويرى الكاتب أنه إذا ما كانت الدول الآسيوية المجاورة للصين مجبرة على الاختيار بين التفوق الأمريكي والهيمنة الصينية، يمكن لواشنطن أن تكون متأكدة من دعمها القوي لها، لأن كل الدول في جوار الصين لا تقبل العيش تحت هيمنتها. ويرى أن الولايات المتحدة لا يمكنها تشكيل تحالف آسيوي مشابه لحلف شمال الأطلسي، لأنه يجد أن الصين تختلف عن الاتحاد السوفييتي، حيث التحدي الذي تفرضه له شكل آخر على النفوذ الأمريكي، كما أن المصالح الأمريكية مختلفة، وبالتالي يستعصي إيجاد نموذج يشبه الناتو في آسيا.

ويجد أن الدول الآسيوية تواجه الحاجة إلى إيجاد توازن متغير ومعقد بين الأولويات المتعارضة مع بعضها بعضاً، فهذه الدول لا ترغب في أن تعيش تحت الهيمنة الصينية، وفي الوقت ذاته لا تريد أن تجلب على نفسها عداوة مع الصين أيضاً، بل تريد السلام، والاستقرار، وفرص النمو. بالتالي يجد أن الدول الآسيوية سوف تدعم الولايات المتحدة في وجه الهيمنة الصينية، لكن ليس لإنكار دور أكبر للصين في الشؤون الآسيوية. سوف يقبلون الصين الطموحة، وليس المهيمنة باعتدال. هذا يشير - في رأي لكاتب - إلى أن التحالفات على مدى العقود المقبلة ماضية باتجاه معقد، ولا يقتصر الأمر ببساطة على الوقوف بجانب دولة ضد أخرى. حيث يمكن لهذه الدول أن تستفيد اقتصادياً من الصين، وتتوقع أن يلعب اقتصادها دوراً محورياً في اقتصاداتها، من دون أن يساورها قلق من فرض الإيديولوجية الصينية على شعوبها أو تأن ضعف أنظمتها السياسية، كما تجد أن أي مواجهة إقليمية من شأنها أن تعود عليها بآثار سلبية. أما بالنسبة للتفوق الأمريكي فهو ليس قيمة جوهرية حيث كان ترحيبهم به ودعمهم له خلال السنوات الأربعين الماضية فقط لأنه كان أساس السلام والاستقرار في آسيا، وستستمر الدول الآسيوية في دعمها وترحيبها طالما أن ذلك يخدم أمنها واستقرارها، وهي ليست مستعدة للتضحية بمصالحها في السلام والاستقرار والعلاقات الطيبة مع الصين، في سبيل دعم التفوق الأمريكي إلا إذا كان ذلك الحل الوحيد لتجنب الهيمنة الصينية.

[rouge]القلق الياباني[/rouge]

تعد اليابان من أهم القوى الكبرى الحليفة لأمريكا في آسيا، وسترغب كثيراً في دعم الولايات المتحدة لأجل إبقاء سيادتها، وهي على الرغم من الركود الاقتصادي الذي تعرضت له قبل عقود، إلا أنها لا تزال تعد ثالث قوة تجارية على مستوى العالم، مع موارد تكنولوجية وصناعية هائلة، وتماسك اجتماعي ضخم، وإحساس عميق بهويتها الفريدة، بالإضافة إلى الفوائد الإستراتيجية من أرضها المعزولة، وهذه العوامل في الواقع تجعل منها قوة كبيرة، إلا أنه لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، ولكن يمكنها أن تبني بسهولة قوات بحرية ونووية هائلة، من شأنه أن يعطي مكاناً حاسماً في التوازن الاستراتيجي لآسيا، بالتالي هذا يجعل من اليابان قوة عظمى على مدى العقود المقبلة. وهذا بالتالي يشكل عائقاً أمام فرض الصين هيمنتها على آسيا، فإذا ما أرادت الصين أن تقود آسيا، لابد لليابان أن تتخلى عن إمكاناتها وتقبل بحالة التبعية كقوة متوسطة، وهذا يجعل من القلق الياباني في محله إزاء صعود الصين.

يجد الكاتب أن تحالف اليابان مع الولايات المتحدة طالما أنه المحور الرئيس في سياستها الإستراتيجية، بالتالي سوف تعتمد تقريباً بالكامل على واشنطن لحمايتها من الضغط الصيني، والمشكلة في الحقيقة هي أنه كلما زادت قوة الصين قلّ اعتماد اليابان على الولايات المتحدة، وتشعر اليابان بالقلق إذا ما توصلت الصين والولايات المتحدة إلى نقاط مشتركة، وفي ذات الوقت تشعر بالثقة من الدعم الأمريكي كلما ساءت العلاقات الصينية - الأمريكية. ويجد الكاتب أن هذا يضع اليابان في موقف ضعيف من الاعتماد في أمنها على علاقة معادية بين أكبر شريكين لها، وسيكون تصاعد الصراع بينهما كارثياً لليابان، ولكافة جوانب التعاون والصداقة بينهم.

ولكن يرى أن اليابان تقف أمام مأزق حقيقي، وهو أنها تخاف بشدة من قوة الصين الصاعدة، وتعتقد أن الصين كلما أصبحت أقوى، ساهم ذلك في فرض قيود على اليابان من الناحية السياسية والاقتصادية. كما أن قادة اليابان لا يؤمنون بدور قيادي إقليمي حميد للصين، من حيث السماح لها بالتطور والنمو والازدهار بطريقتها الخاصة، وبشكل جزئي، بسبب تاريخ البلدين الصعب، وبشكل أساسي أكثر لأن اليابان نفسها قوة كبيرة في النظام الآسيوي.

في رأي الكاتب الطريق الواضح للخروج من هذا المأزق هو التوقف عن الاعتماد على الحماية الأمريكية لها من الصين، وبناء قوى قادرة على مقاومة الضغط الصيني، وهذا على وجه التقريب يعني بناء قوى نووية تكون كافية لردع أي هجوم نووي صيني محتمل، وبالتالي لن تكون اليابان خاضعة للابتزاز النووي الصيني، وهو في الحقيقة قرار صعب للغاية، وليس في قائمة خيارات الحكومة اليابانية، إلا أن البدائل مريعة.

ويجد الكاتب أن اتخاذ خطوة من هذا القبيل تشكل تغييراً أساسياً لموقع اليابان الدولي، حيث هذا يعني إعادة ظهورها كقوة عظمى مستقلة، ويعني نهاية تحالفها مع الولايات المتحدة.

يرى أيضاً أن الصين كلما صعدت، سيصبح التحالف مع اليابان مسؤولية مهمة لواشنطن وذلك بطريقتين:

الأولى: سيكون تورّط أمريكا في صراعات اليابان مع الصين، من دون أن يكون لها حصة مباشرة في الصراع، للحفاظ على مصداقيتها في التعهدات الأمنية ببساطة.

الثانية: إن قلق اليابان من أن تصبح العلاقات الأمريكية - الصينية قوية يعني أن الحاجة للحفاظ على مصداقية التحالف تمنع واشنطن من السعي إلى تسوية متينة مع بكين. بالتالي، إبقاء التحالف مع اليابان سيعيق أي علاقة سلمية ومستقرة للولايات المتحدة مع الصين.

ويرى الكاتب أن كل ذلك يعتمد على ما تريده الولايات المتحدة، فإذا كانت مصممة على إدامة تفوقها الاستراتيجي، سيكون الحفاظ على التحالف مع اليابان أمراً بالغ الأهمية، ونتائج العلاقات مع الصين يجب أن تكون مقبولة، لكن، إذا ما استطاعت الولايات المتحدة الحفاظ على موقع قوي في غربي الباسيفيك، وأن تحمي مصالحها الأساسية من دون الإبقاء على التفوق، حينها سيكلفها التحالف مع اليابان أكثر مما يستحق.

[rouge]روسيا تحت التهديد[/rouge]

تملك روسيا مساحة كبيرة من الأراضي والمصادر الطبيعية على الرغم من الضغوط الديموغرافية الحقيقية بشكل كبير، إلا أن شعبها كفؤ ويتمتع بثقافة وتعليم جيد. ومع هذا فإن اقتصادها هش وضئيل، وليست هناك إشارات من أنها ستبني لنفسها وزناً اقتصادياً كبيراً خلال العقود المقبلة، وهي إلى جانب كل ذلك، تعتبر القوة العظمى الثالثة في آسيا، والتي من الممكن أن تساعد الولايات المتحدة على التعامل مع الصين، لكن يجد الكاتب أنه يصعب توقع دورها السياسي الكبير في القرن الآسيوي، والحيرة الأولى هي الوضع الذي ستكون عليه روسيا. ويتوقع أن تكون حالة روسيا مثل اليابان في أن تكون في موقع دفاعي في وجه الصين لفترة طويلة قادمة، لكنها على خلاف اليابان، لابد أن تدافع عن حدودها الطويلة من الجيش الصيني، التي تصبح مهمة أصعب وأصعب كلما ازدادت قوة الصين.

يذكر الكاتب أن الأسلحة النووية التي تملكها روسيا سوف تساعدها على صد أي تهديد على أراضيها من الجانب الصيني، لكنه يجد أنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن القوى التقليدية القادرة على الوقوف في وجه الهجمات التقليدية من قبل الصين على جانب الشرق الأقصى لروسيا، حيث سيكون من الصعب بالنسبة لروسيا الاعتماد فقط على الأسلحة النووية، وذلك خوفاً من الانتقام الصيني على المدن الروسية الرئيسة. ولذلك، مالم تكن الصين راغبة وقادرة على إنفاق ما يكفي لتأسيس قوات أرضية هائلة في الشرق الأقصى، فإن موقعها الاستراتيجي من المحتمل أن يصبح ضعيفاً على نحو كبير.

من حيث أهمية هذا الأمر بالنسبة لموسكو، يجد الكاتب أن سيبيريا تشكل أهمية بالنسبة للاقتصاد الروسي والهوية الروسية، كما أن المصالح والمشاعر الروسية منغمسة بشكل كثيف في غربها وجنوبها أكثر من شرقها، وروسيا لم تفقد أرضاً في الشرق الأقصى، بل فقدت في الغرب مساحات من الأراضي كانت تتمتع بأهمية ثقافية واقتصادية وإستراتيجية كبيرة. وفي حال أصبحت روسيا أكثر قوة في المستقبل، فإنها سوف تلتفت إلى الأراضي المفقودة في أوروبا، وذلك من شأنه أن يشكل خطراً على النظام الأوروبي، وهذا يوضح أن روسيا لن تكرس الكثير من جهودها للشرق الأقصى، وإذا ما رغبت فلابد أن تقلل من قوتها في الغرب.

أما بالنسبة للصين، فلاشك في أن روسيا لن تكون في حالة من اللامبالاة، بل قابلية تعرض أراضيها لتهديد القوة الصينية يبين أنها لن تكون راغبة في دعم ائتلاف لمقاومة التحدي الصيني للتفوق الأمريكي، وهي ستكون في غاية السعادة إذا ما رأت أن الاهتمام الأمريكي متوجه عن الغرب، وستضطر روسيا إلى تحويل اهتمامها نحو الشرق في حال استطاعت الصين أن تهيمن على آسيا، وحينها سيكون الوقت قد تأخر أيضاً. وحتى لو أن اقتصادها عاد إلى حالته الطبيعية وأصبحت قوة عظمى في أوربا مرة أخرى، فإنه يبدو من غير المحتمل أن تستعيد روسيا حالتها كقوة عظمى في آسيا، وستصبح قبضتها على المدى الطويل ضعيفة في الشرق الأقصى.

[rouge]-[/rouge] [bleu]تأليف: هوغ وايت | عرض: عبدالله ميزر.[/bleu]

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر: جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2178004

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178004 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40