الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012

عرض كتاب | خيار الصين ... لماذا على أمريكا أن تتقاسم النفوذ؟ (1-3)

الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012

يدور موضوع هذا الكتاب حول أهم القضايا الحاسمة في القرن الواحد والعشرين، التي تقف فيها أقوى دولتين في العالم في وجه بعضهما بعضاً، ولابد لهما من اتخاذ خيار خلال السنوات المقبلة. وهذا الخيار مصيري سيضعهما أمام الحرب أو السلم، ولكل منه كلفته، والخيار الأصعب هو للولايات المتحدة التي وجدت نفسها في موقع القيادة العالمية، ولم يسبق لها أن شاركت دولة في قراراتها ومصالحها.

يبين هوغ وايت في كتابه هذا أن الولايات المتحدة أمام ثلاثة خيارات في آسيا وهي: المنافسة، تقاسم النفوذ، أو الانسحاب. ويؤكد أنه عليها أن تغير من إستراتيجيتها في آسيا، خاصة أمام صعود الاقتصاد الصيني، الذي يوشك أن يصبح الأكبر في العالم.

يناقش الكتاب الوجود الأمريكي في آسيا، والعلاقات السياسية بين الصين والولايات المتحدة من جهة، وبين كل منهما مع الدول الآسيوية في السنوات الأربعين المنصرمة، كما يوضح المصالح الإستراتيجية والاقتصادية لكل دولة آسيوية في حال التحالف مع الولايات المتحدة ضد الصين في المستقبل.

والكاتب: أستاذ جامعي يحاضر في جامعة أستراليا الوطنية في قسم الدراسات الإستراتيجية. كان محللاً في الشؤون الاستخباراتية، وصحافياً ومسؤولاً كبيراً في وزارة الدفاع الأسترالية، وله مقالة مشهورة بعنوان: «تغير القوة: مستقبل أستراليا بين الصين والولايات المتحدة».

الكتاب صادر عن دار «بلاك إن بوكس» الأسترالية، في 191 صفحة من القطع المتوسط، 2012.

[rouge]«مبدأ أوباما» قام على تحدي الصين وهيلاري مع التفاوض بشأن المستقبل[/rouge]

تعتبر الصين والولايات المتحدة الآن دولتين قويتين وغنيتين، واقتصادهما متداخل في بعضه بشكل كبير، ويتم إدارة الأعمال اليومية بينهما بشكل عام على نحو جيد. لكن مع نمو قوة الصين، يظهر تيار خفي من الصراع، من شأنه أن يثير إشكالات كبيرة حول علاقتهما على المدى الطويل، وعما يعني لهما ذلك في المستقبل. هل ستكون هناك طريقة لتعيش هاتان القوتان بسلام، أم ستصبحان منافستين إستراتيجيتين بل حتى عدوتين؟ هل ستتمتع آسيا بعقود أخرى من السلام والاستقرار، أم أنها ستنهار بفعل النزاعات المستقبلية؟

لا يجد الكاتب في الفصل الأول من الكتاب بعنوان «الخيار الصعب» أية أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة، فالسلام والاستقرار ممكنان، لكن خطر المنافسة والصراع حقيقي أيضاً. وكل ذلك في رأيه يعتمد على القرارات التي ستتخذها كل من واشنطن وبكين على مدى السنوات المقبلة، في ما يتعلق بطموحاتهما وتطلعاتهما المستقبلية. ولكن يبقى السؤال فيما إذا كان التنافس بينهما سيسمح لهما بالتجارة والاستثمار مع بعضهما بعضاً، ويعملان بشكل متعاون على حل المشاكل المشتركة، ويستمران في إبقاء النظام العالمي على حالة من الاستقرار.

في الواقع، خيارات الولايات المتحدة مع الصعود الصيني من أهم وأصعب الخيارات التي سبق لها أن واجهتها، وتأتي أهميتها بسبب الصراع الحقيقي مع الصين، والتي يمكن أن يكلفها الكثير، ويعود عليها بخطر كبير، ويمكن أن يكون كارثياً بشكل أو بآخر.

يجد الكاتب أن ثروة الصين تغير علاقتها مع أمريكا على مبدأ أن «الثروة قوة»، وأمريكا نفسها أظهرت هذا من خلال قوتها العالمية المبنية على تفوقها الاقتصادي. والآن صعود الصين الاقتصادي السريع يقود إلى تغير سريع في القوة السياسية والإستراتيجية المرتبطة بها.

بالنسبة للسنوات الأربعين المنصرمة، كانت العلاقة الصينية - الأمريكية والنظام الاستراتيجي الآسيوي مبنية على القبول الصيني بقوة أمريكا المتفوقة، عندما التقى نيكسون بماو في عام 1972 كان الاقتصاد الصيني يقدر بأقل من خمسة في المئة من حجم الاقتصاد الأمريكي. ذلك أن الصين لم تكن تملك خياراً بأفضل من القبول بعلاقة غير متساوية حرصاً على مصلحتها، لكن الوضع الاقتصادي اختلف عن ذي قبل، وحسابات الصين بدأت تتغير معها.

إن التغير في القوة يقوده في الحقيقة صعود الصين، وليس انحدار أمريكا، وليس هناك الكثير أمام أمريكا لتعمله، ونذكر بإيجاز الخيارات الأمريكية تجاه الصعود الصيني التي أشار إليها الكاتب، وتتركز في ثلاثة خيارات:

الأول: يمكن لأمريكا أن تقاوم التحدي الصيني وتحاول الحفاظ على الوضع الراهن في آسيا.

الثاني: يمكن لأمريكا أن تتراجع عن دورها المهيمن في آسيا، تاركة الصين تحاول تأسيس هيمنتها.

الثالث: يمكن لأمريكا أن تبقى على قاعدة جديدة، بحيث تسمح للصين بدور أكبر لكن تحتفظ بوجودها القوي أيضاً.

في الواقع، يعتقد أغلب الأمريكيين أن أول هذه الخيارات هو الخيار الوحيد، والقليل يقتنع بنجاعة الخيار الثاني على نحو جدي، على الرغم من أنه يمكن أن يغير. والأغلبية حتى لا يفكرون بالثالث، لكن الكاتب يحاول في كتابه هذا أن يستكشف البدائل وبالتحديد الخيار الثالث.

[rouge]الخيار الأمريكي[/rouge]

يرى الكاتب أنه على مدى السنوات المقبلة لن تكون كل من أمريكا أو الصين قوية بما فيه الكفاية لقيادة آسيا بالطريقة التي قادتها أمريكا منذ 1972، فكل منهما ستحاول إنكار قيادة الأخرى. وفي الحقيقة، أي محاولة منهما للهيمنة ستقود إلى صراع استراتيجي مرير، يفرض تكاليف اقتصادية هائلة تشكل خطراً حقيقياً بسبب اندلاع حرب كارثية، لا يمكن أن يفوز أي طرف منهما. برأي الكاتب، خيار أمريكا الحقيقي هو ليس بين الهيمنة أو الانسحاب من آسيا، إنه خيار بين التعامل مع الصين كمنافس استراتيجي أو العمل معها كشريك.

يحمل الخيار الثالث العديد من المخاطر، التي تجعله مستبعداً، ورغم ذلك، يمكن لهذا الخيار أن يصبح واقعياً إذا ما أبدت كل من الصين وأمريكا الرغبة في ذلك، وبالتأكيد، لن يكون الأمر سهلاً عليهما. بالنسبة للصين ستتخلى عن آمالها في قيادة آسيا والقبول بالوجود الأمريكي القوي، وبالنسبة لأمريكا، ذلك يعني أنها تقبل أن قيادتها المتفردة لن تبقى كذلك بشكل عملي، وعليها أن تتعلم العمل مع الصين كشريك بطريقة لم تجربها مع أي بلد آخر على الإطلاق من قبل، وهنا بالتحديد مع بلد مختلف عنها للغاية، ولكن يجد الكاتب أن على أمريكا أن تفكر بمثل هذا الخيار الآن.

ويشير إلى الآراء المتفاوتة حول الخيار الأمريكي، ولكنه يجد أنه في علم السياسة والأوساط السياسية تبقى الفرضية المسيطرة أن أمريكا يجب أن تفعل وستفعل ما تجده مناسباً للحفاظ على تفوقها. ويرى أنه من مفهوم القوة المهيمنة، ربما تستشير أمريكا الدول الأخرى، لكنها لا تتفاوض معهم كدول مساوية لها، فهي ترى نفسها الدولة القوية الوحيدة في النظام العالمي. ويرى الكاتب أن الدور الأمريكي البارز في نصف الكرة الغربي تحت مبدأ مونرو 2 ديسمبر/ كانون الأول 1823 هو نموذج كلاسيكي للتفوق، ويجد أنه ربما يمكن القول إن التفوق الأمريكي في آسيا في العقود الأخيرة قد وصل إلى نوع من الامتداد لمبدأ مونرو إلى غربي الباسفيك. وهذا بالتحديد، يعيق أمريكا من التعامل مع الصين على قدم المساواة.

[rouge]حتمية الصراع[/rouge]

كلما زاد وضوح معالم التحدي الصيني خلال السنوات القليلة الفائتة، وجد محللو السياسة الأمريكية والقادة أنفسهم يقبلون بشكل تلقائي بحتمية الصراع مع الصين. وفي الحقيقة، ظهر هذا كموضوع رئيس للسياسة الخارجية الأمريكية في فترة أوباما الأولى، وما كان يدعى بالأمر المحوري، أصبح يتغير من «الحرب على الإرهاب» و«الشرق الأوسط» إلى تقوية الموقع الأمريكي في آسيا، كي يكون بمقدورها مقاومة التحدي الصيني في المستقبل. وهذا ظهر بوضوح في خطاب أوباما خلال زيارته إلى أستراليا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 أمام البرلمان الأسترالي في كانبيرا. كان الخطاب أساس زيارة قام بها لمدة تسعة أيام في آسيا كانت الغاية منها إعادة التأكيد على القوة الأمريكية، وكانت المرة الأولى التي يعترف فيها بوضوح رئيس أمريكي بالتحدي الصيني، وذكر في خطابه بوضوح أن القوة الأمريكية ستكون موجودة في آسيا في القرن الواحد والعشرين.

يطلق الكاتب على السياسة الواضحة التي انتهجها باراك أوباما بـ«مبدأ أوباما»، وهو أن الولايات المتحدة سوف تقاوم التحدي الصيني بكل ما تملكه من عناصر القوة. وهذا إعلان بأن أمريكا قد اتخذت قرارها بشأن الصين، وهذا الخيار هو التنافس وليس التفاوض معها، ويرى أنه إذا ما تأكد هذا الأمر، فإن خطاب أوباما سيكون الأهم في التاريخ الأمريكي. لكنه يشير إلى أنه بعد إلقاء الخطاب، ظهرت أفكار أخرى عند إدارة أوباما، كان بول كينيدي رسم مخططاً لمناقشة تسوية مع الصين، وأيضاً في مارس/ آذار 2012 كتب هينري كيسنجر مقالة في «فورين أفيرز» بعنوان: «مستقبل العلاقات الصينية - الأمريكية: الصراع خيار، ليس ضرورة»، رغم أنه في كتابه الذي نشره عن الصين في 2011، بدا فيه متفائلاً بعلاقات جديدة مع الصين، ومن دون أن تحتاج أمريكا إلى اعتماد خيارات صعبة عليها، لكنه بدا في مقاله أنه يحذر من مخاطر الصراع المتنامي بينهما، من ضمنها خطر الحرب، ويطلب في مقاله ضرورة التوصل إلى خلق نظام إقليمي جديد.

ومن جانب آخر، ألقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خطاباً أشارت فيه إلى مرور أربعين سنة على زيارة نيسكون وكيسنجر التاريخية إلى بكين، يجد الكاتب أن كلامها يحمل دلالات مهمة، حيث كانت نغمتها تختلف عن نغمة أوباما قبل شهور. من خلال دعوتها واشنطن وبكين إلى التفاوض بشأن أدوارهما المستقبلية، بحيث يقسمان علاقة تختلف عما هي موجودة على حد قولها، ومما قالته أيضاً: «إن الأمر يتطلب تعديلات في تفكيرنا وأفعالنا على جانبي الباسفيك».

ويطرح الكاتب مجموعة من الأسئلة التي يجد أنه كلما دققنا في إجاباتها نجد لو أن الصين تعاونت، يمكن لأمريكا أن تستمر في أداء دور بارز في آسيا، وتكون في علاقة سلام مع الصين والأسئلة بإيجاز: كيف سيبدو شكل الاتفاق بينهما؟ عَم ستتخلى أمريكا؟ ما الذي سيكون مطلوباً من الصين؟ ما الذي يجدر بأمريكا أن ترفضه لتساوم عليه؟ كيف سيكون شكل التطبيق العملي؟

[rouge]الوجود الأمريكي في آسيا[/rouge]

يشير الكاتب في الفصل الثاني بعنوان «أمريكا في آسيا» إلى أن آسيا شهدت منذ 1972، تطوراً سياسياً استثنائياً، وتنمية اجتماعية واقتصادية، إضافة إلى تلاحم إقليمي، كان من شأنه أن يضع الأسس للقرن الآسيوي. وقد كان التفوق الأمريكي يشكل عاملاً مركزياً لهذا بشكل أو آخر، فقد أخمدت الصراع في شرقي آسيا، خاصة حول جزر سبراتلي، ولم تلجأ أي من القوى الكبرى إلى الأسلوب العسكري منذ أن هاجمت الصين الفيتنام 1979. كما أن الولايات المتحدة قضت على التنافس بين القوى الكبرى لفرض نفوذها على القوى الأصغر، ولذلك بدلاً من ظهور كتل متنافسة، ظهرت منطقة منفتحة وشاملة، شكلت الأساس للإصلاح السياسي وتطور الأنظمة الديمقراطية. كما أنها سمحت لآسيا بالانضمام إلى النظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة، لركوب موجة العولمة التي قدمت الكثير لدفع حركة النمو والتنمية الاجتماعية إلى الأمام.

يجد الكاتب أن عدم منافسة أمريكا في تفوقها في آسيا ساعد على تحقيق النجاح لها، وما كان لكل هذا أن يحدث في آسيا من دون القيادة الأمريكية، وأن نجاح آسيا الحالي يصنف من بين أهم إنجازات القرن الأمريكي. كما يرى أنه ليس فقط نمو الاقتصاد الآسيوي دعم الاقتصاد الأمريكي، بل تفوقها في آسيا ساعد على تغيير الموازين في الحرب الباردة، ما أدت بدورها إلى انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل نهائي. ومن المثير للغرابة أن هذا تبع الفشل الأمريكي في الفيتنام، بالتالي - في رأي الكاتب - الفشل العسكري الأمريكي الأكبر قاد إلى أحد أكبر النجاحات الإستراتيجية، ويفسّر هذا بعاملين:

الأول: على الرغم من أن أمريكا فشلت في الاحتفاظ بجنوبي الفيتنام، إلا أن الصراع الطويل فرض حماية على بقية الدول الآسيوية من نفوذ الصين في فترة حساسة، وكان أمام الدول الحديثة الفرصة في تثبيت أقدامها على الأرض، ورفض النموذج الصيني والشيوعي، التوجه يتروٍ نحو الأنظمة السياسية المنفتحة واقتصاد السوق، وهو ما أكده حينها نيكسون حول أن حرب الفيتنام خلقت متنفساً لباقي آسيا.

الثاني: دفع الفشل الأمريكي إلى الانفتاح على الصين، ذلك أن عقد اتفاق مع الصين كان يشكل أهمية كبيرة، فخروج أمريكا من الفيتنام مر عبر الصين، وكانت واشنطن قد وجدت أن الفيتنام هي رقعة إستراتيجية للتنافس مع الصين، كما وجدت أنه إذا ماتم إلغاء هذا التنافس، فإن الفيتنام يمكن أن تذهب من يدها وهو ما حدث بالفعل، لذلك كانت الحاجة للخروج من الفيتنام إلى جانب الأمل بالدعم الصيني في وجه الاتحاد السوفييتي، وهو كان السبب الرئيس الذي دفع نيكسون وكيسنجر لعرض اتفاق على الصين لإلغاء التنافس بينهما. وكان التوقيت في الحقيقة بالنسبة للصين جيداً، حيث كانت تشهد اضطرابات داخلية، وركوداً اقتصادياً، وعزلة دولية، وهذا ما دفعها على الرغبة في عقد اتفاق تركت بموجبه أمريكا تقود آسيا من دون أية منافسة، على الرغم من سقوط سايغون.

[rouge]إعلان شنغهاي[/rouge]

يشير الكاتب إلى أن الاتفاق الصيني - الأمريكي المنعقد في شنغهاي عام 1972، حمل الولايات المتحدة تكاليف حقيقية وفوائد هائلة في ذات الوقت، بالنسبة للتكاليف كانت واضحة بما فيه الكفاية، حيث ذهاب نيكسون وكيسنجر إلى بكين فرض تغيير سياسة ربع قرن من الزمن، والاعتراف بالشيوعيين الصينيين كحكومة شرعية للصين. خاصة أنها جاءت بعد قرنين من الشجب المرير وحربين مكلفتين في كوريا والفيتنام معترضين بشكل رئيس على النفوذ الصيني. كما أن سجل نيكسون المعادي للشيوعية أفرغ من مضمونه مع الاتفاق. علاوة على ذلك، توجب على الأمريكيين أن يقفوا بعيداً عن الالتزام الاستراتيجي للتايوان، والتي كانت تحتل المركز بالنسبة للسياسة الأمريكية في آسيا منذ 1949، إضافة إلى التسوية على التايوان مع بكين.

لكن بالنسبة لكل هذه التكاليف، كانت الفوائد الأمريكية من اتفاق 1972 هائلة أيضاً. فاتفاق نيكسون مع اليابان والصين لم يقد أمريكا خارج الفيتنام، بل إنها انحازت إلى الصين مع أمريكا ضد الاتحاد السوفييتي، وتركت التفوق الأمريكي في آسيا من غير منافس. كما أنها تركت آسيا تتبع الاقتصاد الغربي ومنهجه السياسي، وأصبحت تحت القيادة الأمريكية من أكثر المناطق الحيوية في العالم. أما بعد عام 1975، لم يحقق السوفييت أو يحاولوا الحصول على أية مكاسب في آسيا، تحديداً شرق أفغانستان. ويرى الكاتب أن نمو الاقتصاد الصيني دفع الاتحاد السوفييتي إلى حافة الانهيار في الحقيقة من خلال إظهار ما تمكن الحزب الذي يقوده الفكر اللينيني من تحقيقه، وبالتالي أظهر الأداء البائس للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي. وفي رأي الكاتب، الرئيس الصيني دينغ كسيو بينغ عمل أكثر مما عمله رونالد ريغان على تدمير الشيوعية السوفييتية.

[rouge]بعد الحرب الباردة[/rouge]

يشير الكاتب إلى أن استجابة الصين لاحتجاجات ساحة تاينانمين عام 1989 فرضت اختباراً حقيقياً لعلاقتها مع دول العالم ما بعد 1975. فقد ذكرت إلى حد بعيد أن الصين، على الرغم من انفتاحها المتزايد، إلا أنها بقيت بيد حكومة شيوعية قمعية بصرامة. كما أن سقوط جدار برلين في السنة نفسها أظهر التناقض بين الصين وباقي العالم بشكل صارخ، وبالنسبة للعديد كان من غير الواضح إذا ما كان النظام الصيني سينجو، أو أن العلاقات مع الغرب يمكن أن تمضي نحو التطور. ويشير الكاتب إلى أن العلاقة الاقتصادية حينها لم تقدم للصين ذلك الثقل الكبير، حيث بعد عقد من الزمن على التحول الاقتصادي في الصين المبدوء عام 1979، كان اقتصادها لا يزال صغيراً بشكل نسبي، والقليل رأى فيه آمالاً طويلة المدى. وبقيت الصين مكاناً صعباً للاستثمار فيه، على الرغم من أنه كانت تبدأ لتصبح سوقاً جذابة للشركات الأمريكية، إلا أنه لم يظهر أنها تشكل عاملاً مركزياً للاقتصاد الأمريكي في المستقبل.

بعد انتهاء الحرب الباردة، بدا مستقبل أمريكا في آسيا يعتريه الشك، فقد توضح للكثير أنه من غير الواضح أن تستمر أمريكا في حمل عبء القيادة في آسيا، ولم تكن كل من الصين أو الاتحاد السوفييتي قادرتين على قيادتها في تلك المرحلة. ولكن بعد انتخاب بيل كلينتون بدا واضحاً أن الولايات المتحدة حسمت قرارها بالبقاء في آسيا، والسبب في ذلك أن أمريكا خرجت من الحرب الباردة في شكل أقوى مما كانت تتوقعه، وشهد الاقتصاد الأمريكي ازدهاراً، كما زادت ثقة الأمريكيين بأنفسهم على تولي القيادة ليس فقط في آسيا بل في العالم كله، خصوصاً مع انهيار الاتحاد السوفييتي لم يكن التفوق الأمريكي ذا تكلفة كبيرة، طالما أنها من غير منافس. كما أن الدول الآسيوية كانت تشهد ازدهاراً كبيراً في اقتصاداتها، وحين توضح لأمريكا أن انتهاء الحرب الباردة قدمت فرصة فريدة من نوعها لتعزيز مكانتها على رأس النظام العالمي، وكان واضحاً أن القيادة في آسيا كانت مهمة بالنسبة لهذه الرؤية.

على مدى سنوات التسعينيات، كان الاقتصاد الصيني ينمو، وبدأت تظهر الخطوط العامة للعلاقات الصينية - الأمريكية الحالية. وفي منتصف التسعينيات، بدأ بظهور ما يمكن أن يكون إجماعاً عريضاً ودائماً حول كيفية استجابة أمريكا لعواقب الصعود الصيني. واتبعت الولايات المتحدة سياسة تحمل تهديداً باطنياً يتجلى في خيار بسيط: إما أن تقبل الصين بالتفوق الأمريكي في آسيا وتنمو من دون أن تشكل تحالفات تؤثر في السيادة الأمريكية وإما أن تتحدى السيادة الأمريكية ويعاني اقتصادها الركود، خاصة أن الصين كانت ترغب بشدة في أن يندمج اقتصادها مع الاقتصاد العالمي لأجل الرأسمال، والتكنولوجيا والخبرات والأسواق.

مع بداية القرن الواحد والعشرين، أصبح الاقتصاد الصيني ضخماً للغاية ومهماً بالنسبة للولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، وبات من الصعوبة إغلاق البوابة الاقتصادية في وجه الصين وعزلها عن العالم. وانفجار الأزمة الاقتصادية في 2008 - 2009 أكد، على نحو أكثر، أهمية الاقتصاد الصيني، وعدم نفع سياسة التهديد بفرض العزلة عليه من الجانب الأمريكي، وهذا دفع إلى ظهور فكرة الاحتواء الاستراتيجي، وجوهر القضية هي أن الصين تحتاج السلام والاستقرار للنمو، ولا يمكنها أن تتحمل الفوضى التي ستتبع محاولتها بمنافسة الهيمنة الأمريكية في آسيا على نحو استراتيجي.

يؤكد الكاتب أن أمريكا اليوم تحتاج إلى الصين بقدر ما تحتاجها الصين، وستكون تكاليف أي صراع وفوضى باهظة وقاسية على بكين وواشنطن على حد سواء.

[rouge]-[/rouge] [bleu]تأليف: هوغ وايت | عرض: عبدالله ميزر.[/bleu]

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر: جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166086

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166086 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010