الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012

استطلاعات لتسويق الحرب

الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012 par د. حياة الحويك عطية

منذ أن ابتكر الغرب عملية استطلاعات الرأي والجدل الحاد يدور حولها بين علماء ومنظري العلوم الاجتماعية والسياسية. ورغم أنها ما تزال طريقة معتمدة إزاء الكثير من الأمور، من أبسطها إلى انتخاب رئيس الدولة، إلا أن التيار الذي يشكك بمصداقيتها من جهة ويحذر من التلاعب بها من جهة ثانية، بات الأقوى بدون منازع. فحتى لو سلمنا بأن الجهة المستطلعة (بكسر اللام) لم تزور في النتائج، وتركت ذلك للكمبيوتر، فان مسألتي اختيار الشريحة المستطلعة (بفتح اللام) وطريقة طرح السؤال أو الأسئلة، تحدد الحيز الأكبر من الإجابة. وبذا تتحول استطلاعات الرأي من أداة لقراءته الى أداة لتوجيهه والتلاعب به.

وإذا ما أخذنا بهذه الاعتبارات في دول ديمقراطية (نسبياً)، قد لا تجرؤ على التزوير المباشر، فإن هذا لا ينطبق على مؤسسات هذه الدول نفسها حين يتعلق الأمر بقضايا خارجية، خاصة في المجال السياسي. غير أن المصيبة تبرز حين يتم اللجوء الى هذه الآلية في مجتمعات غير ديمقراطية، كمجتمعاتنا العربية، وعبر مراكز دراسات أو استطلاع تابعة تمويلياً إما لجهات أجنبية، وإما لجهات محلية تعمل لحساب الأجنبي. بحيث تتحول هذه المراكز الى أدوات، إما للتجسس العلمي المشرّع، وإما لتزوير الحقائق وفقا لحاجات الطرف الممول وصاحب الاستراتيجيا.

واذكر من ذلك استطلاعاً أُجري في المنطقة العربية، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، (كتبت عنه في حينه)، وتناول كراهية أو تأييد العرب للولايات المتحدة الأمريكية، وجاء في نتائجه ان الأردنيين يؤيدون بغالبيتهم العظمى سياسات الولايات المتحدة في المنطقة ولا يكرهونها (لا اذكر الرقم بالتحديد ولكنني متأكدة من انه كان يفوق النصف بنسبة عالية). لم يكن الأمر يحتاج إلى ذكاء كي نعرف ان الغاية من هذا التزوير لا تتجه إلى العرب والأردنيين وإنما الى توظيف ذلك لدى الرأي العام الأمريكي والغربي، وربما لدى بعض الزعماء العرب الذين لا يخرجون من قصورهم ويتمنون تصديق كل ما يقوله له الأمريكيون.

اليوم تنشط هذه الاستطلاعات باتجاه سورية وتطل علينا البواكير عبر مركز دراسات المنظر الأطلسي عزمي بشارة، الذي أريد من خلاله إقامة مشروعية عربية مقابل المشروعية الإسلامية التي يمثلها القرضاوي. استطلاعات تقول لنا بان ثلاثة بالمئة من الأردنيين تؤيد الحكم الذي تسميه «النظام السوري»، بينما يؤيد 83% المعارضة المسلحة التي تسميها الثورة. ومن هنا يبدأ الغياب المطلق للمهنية، حيث ان أبسط قاعدة يتعلمها طالب سنة أولى جامعة، هي أنه لا يجوز في العمل العلمي إطلاق أحكام مسبقة، حتى ولا إيحاء. وهنا يبدو واضحا أن التسميات هي حكم قاطع مسبق. التزوير الثاني الفاقع هو أن الاستطلاع لم يستطع أن يتجاهل نسبة من قالوا أنهم يعتبرون ما يجري على سورية مؤامرة، فلجأ إلى التأويل بالقول انهم قصدوا مؤامرة مع النظام ضد الثورة (!!!)

إنها مستلزمات حرب العصابات التي يتم تمويلها وتغذيتها بكل ما تحتاجه حالياً، ومستلزمات الحرب النظامية التي يتم طبخها على نار هادئة، وقودها سورية بكل ما فيها من دم وجيش واقتصاد ومؤسسات، حتى إذا اقترن الإنهاك بالاستعداد كانت الكارثة. كارثة لا يمكن تجنبها إلا بصحوة ضمير عقلاء النظام والمعارضة، وامتلاك كل منهم شجاعة كسر حاجز العداء الداخلي، بالصيغة التي يرون، لأن هولاكو على الأبواب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165771

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165771 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010