الاثنين 3 أيلول (سبتمبر) 2012

حملة صليبية تاسعة بواجهة إسلامية!

الاثنين 3 أيلول (سبتمبر) 2012 par نقولا ناصر

تسعون دولة من حوالي مائة وأربعين دولة شاركت بصفة أعضاء أو مراقبين في قمة عدم الانحياز التي أنهت أعمالها في طهران يوم الجمعة الماضي كانت أعضاء في مؤتمرات «أصدقاء سوريا»، التي يسميهم الإعلام السوري «أعداء سوريا»، لكن أياً منها لم يحول ما وصفته افتتاحية لـ«الواشنطن بوست» الأميركية في الأسبوع السابق للقمة بـ«مهرجان مقاومة للولايات المتحدة و... «إسرائيل»» إلى مهرجان لصالح الدول التسعين وراعي مؤتمراتها الأميركي حتى فعل الرئيس المصري محمد مرسي ما قال الكاتب المصري إبراهيم عيسى إنه «شيئاً مذهلاً في غرابته حين ساوى بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في فلسطين».

وبدلاً من أن يستخدم مرسي ثقل الرئاسة المصرية لاستثمار العلاقة التنظيمية للإخوان المسلمين الذين أوصلوه إلى سدة الرئاسة مع إخوانهم في سوريا الذين يتنافسون تنافساً ائتلافياً مع تنظيم «القاعدة» على قيادة التمرد المسلح فيها من أجل إطفاء الحريق الدموي السوري، فإنه اختار تسخير المنصب الوطني الذي يشغله لخدمة أجندة حزبية بينما لم تكد الجماهير المصرية تغادر الشوارع احتجاجاً على ما وصفته بـ«أخونة» الدولة المصرية، قبل أن يفاجئها مرسي من طهران بـ«أخونة» السياسة الخارجية والعربية لمصر أيضاً، ليصب زيتاً مصرياً على النار الأميركية التي أشعلتها الولايات المتحدة في سوريا، لينطبق على مرسي حرفياً ما قاله في طهران عن كون «نزيف الدم السوري في رقابنا جميعاً»، مما يدفع المراقب إلى التساؤل عما إذا كان مرسي قد استقال حقاً من رئاسة «حزب الحرية والعدالة» وعضويته السابقة في مكتب الإرشاد بـ«جماعة الإخوان المسلمين» كما أعلن هو الجماعة بعد فوزه برئاسة الجمهورية في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي.

إن انحياز مرسي إلى الخندق الذي تقوده الولايات المتحدة في الأزمة السورية يذكر بتحذير مفكر الجماعة والقيادي فيها سيد قطب في مؤلف له بعنوان «إسلام أميركاني» في أوائل عقد الخمسينيات من القرن العشرين الماضي من أن «الأميركان وحلفاؤهم يريدون لـ«الشرق الأوسط» إسلاماً أميركانياً... ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار»، ويذكر كذلك بالتحذير الذي أطلقه بعد حوالي سبعين عاماً من دمشق يوم الجمعة الماضي رئيس اتحاد علماء بلاد الشام الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي مما وصفه بـ«الحملة الصليبية التاسعة» التي تقودها أميركا اليوم على العرب والمسلمين، وهي حملة قال البوطي إنه «تمت تغطيتها بكل أغلفة الإسلام وبكل عناوينه ومبادئه ليتسنى القول إنها الجهاد الإسلامي المقدس».

ومن الواضح أن «أخونة» مصر وسياساتها، على طريقة رجب طيب أردوغان التركية، لن تعيد مصر إلى دورها القيادي لا إقليمياً ولا دولياً، وستزجها في الصراع الطائفي الذي تسعر الولايات المتحدة أواره في المنطقة، وستضعها لأسباب موضوعية أقوى من أي معارضة إخوانية ذاتية معلنة في صف الولايات المتحدة، وفي مواجهة الحركة القومية العربية خصوصاً حيث قوتها الأساسية في مصر وسوريا والعراق، حيث تركز نشاط جماعة «الإخوان المسلمين» منذ نشوئها بعيداً عن الأقطار العربية التي يتركز فيها النفوذ الأميركي عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، مما يجعل إحياء الخلافة الإسلامية كهدف للجماعة كان مسوغاً لإنشائها هدفا مستحيل التحقيق.

ناهيك عن تهيئة ظروف موضوعية لتهديد الوحدة الوطنية المصرية بالانقسام الديني والسياسي نتيجة لعداء الجماعة المعلن لثورة الثالث والعشرين من يوليو وتراثها وإرثها «الناصري» وبالتالي لطموحات ثورة الخامس والعشرين من يناير التي كانت الناصرية بأبعادها القومية من محركاتها الرئيسية.

وليس سراً أن «الإخوان المسلمين» اعتبروا «علمنة» الحركة القومية العربية نقيضاً لـ«حكم شرع الله»، الذي لم يسجل على الحركة القومية أي تشكيك فيه، واعتبروا الدولة القومية نقيضاً للخلافة الإسلامية، بالرغم من أن العرب والعروبة كانوا دائماً عماد الخلافة وسيفها ولسانها ومحجتها وحافظتها، وتعاملوا ولا يزالون مع حركة التحرر القومي العربية على هذا الأساس.

إن مساواة الرئيس مرسي «بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في فلسطين» لم يكن إلا قمة جبل جليد لعملية غسل دماغ كبرى يقوم بها تيار رئيسي إخواني يحاول منذ مدة حرف بوصلة المؤمنين للجهاد في كل مكان إلا في فلسطين حيث لا يختلف مسلمان من غير «الإخوان» على أن الجهاد فيها فرض عين:

فالناطق الرسمي باسم جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا د. زهير سالم، في مقال باسمه في السابع والعشرين من الشهر الماضي، يحث على «أن نقر أولاً أن الشام من جنوبه إلى شماله محتل، وأن المحتل في شمال الشام هو أشرس وأقسى من المحتل في جنوبه (أي دولة المشروع الصهيوني في فلسطين)».

والمرشد العام للجماعة في مصر د. محمد بديع ساوى في بيان رسمي في الرابع والعشرين من آذار/مارس الماضي بين «نصرة» فلسطين وسوريا، وبين دولة الاحتلال «الإسرائيلي» وبين الدولة السورية.

ورئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 الشيخ رائد صلاح، في الثاني من تموز/يوليو الماضي، قال في اسطنبول: «نؤكد صريحة مدوية أن تحرير الأراضي من الاحتلال «الإسرائيلي» يبدأ من تحرير سوريا».

وزعيم حركة النهضة في تونس الشيخ راشد الغنوشي أعلن في الثاني عشر من الشهر ذاته أن «المنطقة لن تستعيد استقرارها إلا بتحرير سوريا».

وفي الرابع من نيسان/أبريل الماضي وفي اسطنبول قال المراقب العام للإخوان في الأردن الشيخ همام سعيد إن «قضية سوريا لا تقل أهمية عن قضية القدس وفلسطين»، معتبراً أن سوريا «تتعرض لاحتلال من قبل النظام السوري يجب محاربته».

وقد كفى الشيخ عدنان العرعور ومدرسته كل هؤلاء وغيرهم عناء الإفصاح عن هوية «الاحتلال» الذي يوجبون «محاربته» في سوريا بقوله «إن سوريا محتلة من إيران ومن الروافض»، في تعبير طائفي لا لبس فيه نجح في خطف الحراك الشعبي السوري المشروع من أجل التغيير والإصلاح وفي تحويله إلى حراك طائفي يستقوي بامتداداته العربية المستقوية بالأجنبي.

في مقال له مؤخراً قال الكاتب الإسلامي الأردني ياسر الزعاتره إنه «اليوم في الساحة السورية ثمة تشابه كبير مع النموذج الأفغاني» مضيفاً أنه «في الحالة الأفغانية كان هناك حشد إسلامي ضد الشيوعية، واليوم يستخدم الحشد ضد إيران والشيعة في تجييش المقاتلين» في ما وصفه مراسل فضائية «الجزيرة» القطرية في الأردن ياسر أبو هلالة، في مقال له، بـ«الأممية الثورية»، ممثلة في «الجهاد العالمي»، والتي هي «اليوم إسلامية... احتفى العالم» بها «في حرب أفغانستان الأولى»، ليخلص إلى أن «تجربة الجهاد العالمي في سوريا مطمئنة.. حتى الآن».

ويبدو أن «إخوان الربيع العربي» مصممون على الاقتداء بسابقة إخوانهم في العراق الذين شاركوا في مؤتمر لندن وغيره من مؤتمرات «المعارضة العراقية» الممولة أميركياً ووافقوا على الغزو الأميركي للإطاحة بالنظام الوطني السابق ليشارك الحزب الإسلامي العراقي، الجناح السياسي لـ«جماعة الإخوان المسلمين» في العراق، في المجلس الانتقالي للاحتلال الأميركي الذي أعقب الغزو، وفي «العملية السياسية» التي هندسها الاحتلال ومنحهم فيها رئاسة البرلمان المنبثق عن هذه العملية (إياد السامرائي ومحمود المشهداني) بالإضافة إلى حصة في الحكومات المنبثقة عن الاحتلال، بل وفي رئاسة الجمهورية (طارق الهاشمي)، ليكون الإخوان وحزبهم عماد فرق «الصحوة» التي استخدمها الاحتلال أداة في محاصرة المقاومة له حيث كان «الحزب الإسلامي هو الذي أوجدها... تمويلاً ودعماً» كما قال طارق الهاشمي لفضائية «العربية».

إن المساواة بين الجهاد في فلسطين وسوريا وتأجيله في الأولى إلى ما بعد «تحرير» الثانية هو منطق إخواني خطير يجب أن يمثل خطاً أحمر يوجب على جماهير الإخوان التحرك سريعاً لمنع سقوط حركتهم التاريخية في أيدي قيادات تحولها إلى «إسلام أميركاني»، حذر منه مفكرهم سيد قطب قبل حوالي سبعين عاماً، يقود ما وصفه العلامة محمد سعيد رمضان البوطي بـ«الحملة الصليبية التاسعة» التي تجتاح الوطن العربي الكبير الآن.

وفي هذا السياق لا يمكن تجنب استذكار عنوان الجهاد في فلسطين الشيخ عز الدين القسام، ابن مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية السورية، الذي عاصر مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر أثناء دراسته في الأزهر الشريف، ليسترشد بها في مقاومته للاحتلال الفرنسي لموطنه السوري ليحكم عليه بالإعدام فيلجأ إلى فلسطين ليقود ثورتها ضد الاحتلال البريطاني ويستشهد فوق ثراها، لتتخذ حركة المقاومة الإسلامية «حماس» من اسمه اسماً لجناحها العسكري في المقاومة، مما يرتب على الحركة، بصفتها جناحاً سياسياً لـ«الإخوان المسلمين» في فلسطين، مسؤولية تاريخية في إعادة تصويب اتجاه بوصلة إخوانهم العرب نحو الجهاد في فلسطين بعيداً عن الراعي الأميركي لمشروع دولة الاحتلال الصهيوني فيها، فإسناد ظهر «الإخوان المسلمين» إلى الولايات المتحدة ومعسكرها العربي وصفة مثلى لإجهاض مشروعهم التاريخي وحكم مسبق بالفشل على أي جهاد لهم في فلسطين أم في غيرها.


titre documents joints

حملة صليبية تاسعة بواجهة إسلامية!

3 أيلول (سبتمبر) 2012
info document : PDF
676.7 كيلوبايت

نقولا ناصر



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010