الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2012

التفجير النووي «الإسرائيلي» في الجزائر

الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2012 par محمد خليفة

عندما تغيب عن الإنسان رقابة الضمير تسقط مسؤولياته كافة، وتخضع المعايير القيمية لنزواته وحماقاته، فينجم عن تصرفه مزيد من الكوارث والفظائع، كتلك التي تحدثها أعتى الكوارث الطبيعية. ولا جدال أن أفظع الجرائم التي عرفها تاريخنا الحديث ما ذكرته مصادر إعلامية عن أن فرنسا و«إسرائيل» قامتا باختبار قنبلة ذرية في الخمسينات من القرن الماضي في الصحراء الجزائرية، وأن آثار هذا التفجير لا تزال مستمرة إلى الآن، حيث يموت الحيوان والطير والإنسان والنبات. كل شيء احترق على هذه الأرض نتيجة كثافة العامل الكيميائي التي تسبب إشعاعات محرقة، ومطراً ورذاذاً كيميائياً ساماً في منطقة التفجير من جراء تأثير المواد المشعة الموجودة فيها. ومن المعلوم أن متوسط العمر لنظير اليورانيوم المشع هو خمسة ملايين سنة، أي أن هذا العنصر يستمر موجوداً في الطبيعة يطلق الإشعاعات طوال هذه المدة حتى يتحلل. ومن هنا، فإن بعض الدول تلجأ إلى إجراء التجارب في أنفاق بعيدة تحت الأرض، ومن ثم تصب الرصاص فوقها لمنع تسرب الإشعاع إلى الطبيعة. مثلما حدث عندما انفجرت مفاعلات «تشيرنوبل» الذرية العام 1986، قام الاتحاد السوفيتي السابق بصب كميات كبيرة من الرصاص في مكان الانفجار لمنع انبعاث الإشعاعات القاتلة. وحتى اللحظة، فإن منطقة المفاعلات الموجودة حالياً في أوكرانيا ما تزال معزولة. من المعلوم أن فرنسا هي التي قدمت المفاعل الذري للكيان «الإسرائيلي» مطلع الخمسينات من القرن الماضي، بعد إعلان قيام دولة «إسرائيل» على التراب الفلسطيني بقليل. وكان الصهاينة قد اكتشفوا خامات اليورانيوم في مناجم الفوسفات في صحراء النقب، وسار البرنامج النووي الصهيوني بالتعاون مع فرنسا وسواها من دول الغرب. وكانت «إسرائيل» تتكتم على أمر مشروعها الذري، وظل العرب لا يعلمون عنه شيئاً؛ لأنها لم تُجرِ أية تجربة ذرية على أرض فلسطين.

وفي منتصف الثمانينات، فضح أحد الصهاينة واسمه مردخاي فعنونو النشاط النووي «الإسرائيلي»، حيث قال إنها تمتلك عشرات القنابل الذرية. وفي العام 2006، اعترف رئيس الوزراء «الإسرائيلي» إيهود أولمرت بامتلاك «إسرائيل» قنابل ذرية، وكان ذلك بعد حرب يوليو/ تموز مع لبنان، بهدف تقوية الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» ضد العرب، لكن ما ظل غائباً - ولم يُفصَح عنه - هو أن «إسرائيل» اختبرت قدرتها النووية، وقد تم ذلك، وللأسف، على أرض عربية هي صحراء الجزائر. وقد كان معلوماً في السابق أن فرنسا أجرت تجارب نووية في الصحراء الجزائرية، لكن ما كان مستتراً هو أن هذه التجارب كانت لمصلحة «إسرائيل». والآن، وبعد انكشاف المستور، ماذا يمكن أن تفعل الجزائر بحق فرنسا أو «إسرائيل»؛ لأنهما ارتكبتا جريمة كبرى بحقها وحق شعبها؟

مما لا شك أن الجزائر لا يمكنها اتخاذ أي إجراء بحق فرنسا أو «إسرائيل»، فهي لا تستطيع أن تقطع علاقاتها مع فرنسا، وهناك مئات الآلاف من الجزائريين يعيشون فيها، وكثير منهم يحمل جنسيتها، وهناك أيضاً علاقات لا تزال مستمرة بين الدولتين منذ استعمار الجزائر حتى اليوم. وأيضاً، فإن الجزائر لا تعترف بـ «إسرائيل»، ولا ترتبط معها بأية علاقات، فماذا يمكن أن تفعل مع هذه الدولة غير الشرعية؟ هل تتقدم بشكوى إلى هيئة الطاقة الذرية؟ وماذا فعلت منظمات الأمم المتحدة تجاه الانتهاكات «الإسرائيلية» في فلسطين ولبنان؟ لقد طالبت الجزائر في رسالة أرسلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في وقت سابق، فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن الجرائم التي وقعت في الجزائر في الثامن من مايو/ أيار العام 1945، والتي راح ضحيتها 45 ألفاً من الشعب الجزائري.

بالطبع، قوبل طلبه بالرفض، أو بالأحرى لم ترد فرنسا على هذه الرسالة، لأنها تعلم أن ذلك قد يفتح عليها أبواب جهنم؛ فهناك الكثير من الشعوب في آسيا وإفريقيا وأمريكا تنتظر اللحظة المناسبة للانتقام من الفرنسيين على ما جنوه بحق تلك الشعوب إبان استعمارهم لها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وربما من باب -اعرف عدوك -، فإن الكشف عن حادثة التفجير النووي «الإسرائيلي» في الجزائر، سيزيد العرب قناعة وإيماناً بأن مدرسة الصهيونية هي مرادفة للسادية (Sadism) في عالم متكامل من الرذائل والشرور، شعاره البقاء للأقوى، ولا عزاء للضعفاء، فلا حق بغير قوة تحميه، وهناك الكثير من الشواهد في التاريخ. ثمة سؤال يدور في أذهان كل من شاهد هذه الأرض المحروقة في الجزائر، إلى متى يستمر هذا الصمت المريب الخانع عن هذه التجربة البشعة، والتي لا يمكن لكائن بشري أن يتحملها، فضلاً عن أن يرضى بها؟ وهنا يمكن التساؤل متى يفيق الضمير العالمي من سباته؟ وأين تلك الوسائل الإعلامية الغربية والعربية من تصوير هذه المناطق المحروقة، وكشف خطورة هذه الاختبارات النووية التي تمت على أرض الجزائر، وإظهار آثار هذه الغازات السامة النووية والمخالفة لكل القوانين والمواثيق الدولية والالتزامات الأدبية والأخلاقية؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2178436

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178436 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40