الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2012

راشيل كوري والذئاب

الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2012 par خيري منصور

لا تُشبه تبرِئَة جَيْش الحرب الصهيوني من دم الأمريكية راشيل كوري إلا تلك المحاكمة التي غَرمت الضابط الذي أمر بقتل خمسين فلسطينياً في كفر قاسم قرشاً واحداً، وذلك على سبيل التنكيل، وكان يمكن للمحاكم في الدولة الصهيونية أن تتجاوز تبرئة الجيش لإدانة راشيل، لأن دمها لطّخ واجهة الدبابة التي سحقتها، أو الجرافة التي طحنت عظمها ولحمها وأدخلتها إلى باطن الأرض الفلسطينية، لتنادم جذور الزيتون والصفصاف والسنديان. تتزامن تبرئة الذئب الاستيطاني من دم راشيل مع اعترافات نشرت لثلاثين جندياً اقترفوا جرائم ضد المدنيين وبالتحديد الأطفال في قطاع غزة. فأيهم نُصدق؟ وبأية معايير أو قوانين تعمل تلك الدولة مادامت قد تحولت إلى مستوطنة كبرى تغطي رأسها خوذة فولاذية مثلما تحولت البيوت فيها والمدارس أيضاً إلى ثكنات؟ لقد سمى الجنود اعترافاتهم «كسر الصمت»، فذكرونا على الفور بِكسر آخر، هو ليس كَسراً عَشرّياً قومياً، بل كَسْر العظام عندما شاهد العالم بأسره على الشاشات جنوداً يسحقون سواعد الفتيان لأنها تجاسرت على حَمْل حجر مقابل عشرات أو مئات الرؤوس النووية التي تملأ جَعْبَة الموت والدمار الشامل.

راشيل أمريكية الأصل لكنها عربية وفلسطينية المصير، لهذا باعتها الولايات المتحدة ولم تطالب بثأر أو دِية ممن سحقوها، ذلك ربما لأنها أصبحت عربية وذات وشْم فلسطيني على الجبين. إن من برأ هؤلاء القتلة من دَم صبرا وشاتيلا وقانا الأولى والثانية وقِبيْة ودير ياسين ومخيم جنين، هو ذاته الذي أعاد اقتراف الجريمة بتبرئة جيشه من دم راشيل.

فهذا نمط أو سلالة من البشر لا يوجد الاعتذار في ثقافتها ولا تَعْرف التوْبة أو طلب الغفران، لأنها لا ترى في الآخر إلا «الجُوييم» الذي لا سعر لديه، ولا دية لسحقه، ولا قيمة لحياته. ولا نعرف ما إذا كان العالم سيضحك أم يبكي أمام هذه التبرئة؟ لأن الجريمة لم تكن كاملة، وافْتضحها شهود منهم من قضى ومنهم من لا يزال يشهد، لأن القتل مستمر وكذلك سحق العظام. قبل أعوام رأى الناس الجنرال باراك وهو يجرّ الشهيدة دلال المُغربي من شَعْرِها المُخضّب بالدم، ولا نظن أن للجنرال بديلاً أو ما يسمى الدوبلير في الأفلام السينمائية. تبرئة القتلة من دم راشيل أو غيرها ممن دافعوا عن أطفال فلسطين حتى الموت هي جريمة مُزْدوجة، لأنها تَقتُل الموتى أيضاً، بل تُنكّل بهم في القبور، وإذا كان هناك رهان على أن العالم كله أصيب بزهايمر سياسي فإن تَمرّير هذه التبرئة يصبح ممكناً، لكن هذا لم يحدث بعد، وإلى أن يحدث فإن جيش الاحتلال وجنرالاته ومستوطنيه هم قَتَلة راشيل وكل من ساروا على الدرب ذاته. وما يثير العَجَب هو الصمت الأمريكي على مصير راشيل كوري مرّتين، مرّة عندما سحقتها الجرافة وتوأمها الدبابة، ومرّة عندما نُشرَت هذه الكوميديا السوداء بل الحمراء وهي تبرئة القتلة. وكأن معنى ذلك أن راشيل انتحرت أو قَتَلها الأطفال الفلسطينيون الذين جاءت لتذود عن مهودهم الرصاص. إن صمت العالم عن هذه الجريمة التي نُسبتْ إلى العدالة والقانون، هو تواطؤ بامتياز، ومن يدري لعل التبرئة ستشمل ذات يوم الصهيونية كلها بحيث يقال إن الفلسطينيين هم الذين احْتلّوا أرضهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165672

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165672 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010