الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2012

عقدة المستعمر

الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2012 par أمجد عرار

لا يفاجأ سوى قصيري النظر مما كشفته صحيفة «ديلي تليغراف» حول خوض القوات الخاصة البريطانية حرباً سرية في العراق قتلت خلالها مئات المسلحين خلال العامين الماضيين، وأن قوة النخبة البريطانية قضت على أكثر من ثلاثة آلاف مسلح في شوارع بغداد خلال سلسلة من العمليات السرية على مدى الفترة نفسها. لكن مهما يقال وينشر سيبقى النزر اليسير مما حصل ويحصل على أرض الواقع. هذا هو منطق الغزو والاستعمار والاحتلال في كل مكان وزمان. لم يقدم لنا التاريخ تجربة استعمارية واحدة لم تقم على الكذب والتضليل وتزييف الحقائق، فالاستعمار يفبرك أسباب تدخله العسكري والسياسي واحتلاله أراضي الغير وسلب حقوقه ونهب خيراته. وهكذا كان الأمر عندما نسجت الروايات والذرائع لتبرير غزو العراق. ونتذكر كيف أن توني بلير الذي كان رئيس وزراء بريطانيا سرق بحثاً لطالب معهد وحوّله إلى دليل على امتلاك أسلحة دمار شامل وعلى كونه خطراً وشيكاً على السلام العالمي، وعلى ذلك بني على التقرير وما رافقه من تقارير أمريكية، قرار الغزو الذي تحول من سلاح دمار شامل إلى «حرية العراق» التي تمت ترجمتها على شكل احتلال تدميري كامل أعاد العراق مئات السنين إلى الوراء. وبعد كل ذلك يخرج علينا كولن باول بكل برودة أعصاب ليقول إن التقارير التي وقفت خلف غزو العراق كانت كاذبة، ولم يكترث بما جرّه هذا الكذب على العراق من ويلات ومآس ما زالت متواصلة إلى الآن، وما زال ملايين العراقيين مهجّرين داخلياً وخارجياً، ورغم أن هناك أملاً بعودة المهجرين والمشردين، إلا أن من فقدوا أعزاءهم لن يروهم ثانية. لو كانت السياسة لها ضمير وإحساس لرأينا انتحاراً جماعياً لقادة تسببوا بكوارث لا حدود لها للشعوب، لكنّها لعبة الأمم القائمة على الكذب والتضليل وتزوير الحقائق ومحاولة ليّ عنق التاريخ. هؤلاء القادة يكذبون ولا يخجلون، يرتكبون الجرائم ولا يعتذرون ولا حتى يتراجعون.

لم نسمع من فرنسا أنها اعتذرت عن استعمارها لدول عديدة، وعن تسببها بمآس لا حصر لها للشعوب التي وقعت تحت استعمارها. وفي الحقيقة، من «حقّها» أن لا تعتذر ما دام أحد لا يطالبها بذلك، بل يتعمّد دفعنا لنسيان ما كان منها. فالباغي لا يعتذر إلا إذا أجبر على الاعتذار، ولا يتراجع إلا إذا أرغم على التراجع وشعر أن هناك من يضع دائماً أمام وجهه مرآة حقيقته. كل المستعمرين، وآخرهم «إسرائيل»، يطربون لسماع نغمات المصالحة المجانية، ويتلذذون برؤية الأيادي الممدودة لهم، فيطيلون النظر بالأيادي الممدودة استمتاعاً ولا يردون بمثلها. إنهم سعيدون برؤية عقد المستعمر في ضحاياهم. ومثلما في الواقع الاجتماعي فإن الواقع السياسي أيضاً يعلمنا أن الكذب حبله قصير، ومثلما انكشفت كذلك فضائح «بلاك ووتر» الأمريكية السوداء، ومثلها الجرائم المذهلة التي شهدها معتقل أبو غريب سيئ السمعة والصيت، ستأتي الأيام والسنوات بالمزيد من الحقائق، وسيكون الأوان قد فات على إصلاح أشياء، لكن بقية باقية ستكون قابلة للإصلاح والتدارك، طالما هناك في هذه الأمة من يملكون جلداً وصبراً إزاء ما يرونه من تجلّد في تفكير بعض المغفّلين بيننا، هذا البعض الذي يريد أن يغطي الشمس بغربال، أو يدفن رأسه في رمال التضليل والتدليس مثل النعام. من المؤسف أن حالة استمراء الاستعمار والذل أصبحت أكثر اتساعاً رغم كل العناوين المضللة في هذه المرحلة التي لا يعبّر مضمونها الحقيقي عن أي شيء في شكلها الخارجي المزركش فضائياً، ولا يعكس حالة المزاد العلني في تجارة الدم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165612

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165612 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010