السبت 1 أيلول (سبتمبر) 2012

رؤية قروية للواقع العربي

السبت 1 أيلول (سبتمبر) 2012 par د. عبد العزيز المقالح

أعترف بأنني كلما دهمتني الحيرة وصدمتني التحليلات والمناقشات المقروءة والمرئية والمسموعة عن واقعنا العربي البائس والمريض، أعود إلى المنجم الخام إلى الإنسان العادي ساكن الريف خاصة، حيث الرصيد المقاوم لما ينتاب الأمة من تغيير سطحي وقشوري لا يلامس سوى سطح الأشياء ومظاهرها الخارجية. وقد أسعدني الحظ في أيام العيد الفائت أن أذهب إلى الريف وأستعيد هواء القرية وأشرب من مائها العذب وآكل من خبزها الذي أنتجته الأرض التي أقف عليها، وأن أرى الناس كباراً وصغاراً وهم يتحدثون عن أمور الحياة وهمومها بلغة واضحة لم تلوثها المصطلحات الأجنبية ولا رطانة المدنية التي تحاول أن تقنعك بأنها تعرف كل شيء وهي في حقيقة الأمر لا تعرف أي شيء. سألت أول فلاح التقيته في القرية عن آخر أخبار العالم، فأكد لي أنه يتابع الراديو ويشاهد التلفزيون أحياناً في بيت الشيخ، ولكن ما يهمه في حياته اليومية أن يكون الموسم ناجحاً وحصاد الأرض مربحاً، وأن تتمكن المدينة من حل مشكلاتها وأزماتها الدائمة بعيداً من الريف، ليتمكن هذا الأخير من تزويدهم ببعض الاحتياجات الضرورية، ليتفرغوا لمواصلة «الكلام»، واجترار الأحاديث المسبوقة عن المشاريع التي لم تر النور ولن ترى أي نور، لأن تحقيقها يشكّل نهاية حتمية للثرثرة، وإغلاقاً لباب «الكلام» الذي يبدو أنه لن يتوقف، لأن المدينة تعيش عليه وتنفق أيامها الرتيبة في تكراره والحرص على التمسك بمفرداته المملة، ولا مانع من استخدام الكلمات بالمقلوب حتى لا يتم فهم معانيها والإلمام بما تتسع له من دلالات الكره والبغضاء.

في «المقيل» الذي يجيء بعد تناول الغداء مباشرة ويجمع عادة عدداً من الفلاحين الأنقياء من الثقافة السياسية، يبدأ الحديث وقد يطول، عن المياه والأشجار والمواسم المقبلة، وعن المواشي والأغنام، وما بدأت المنطقة -التي كانت مجالاً واسعاً يضم الجميع - تشهده من احتكار بعض المتنفذين وسعيهم الدؤوب إلى حفر الآبار في منطقة مرت عليها آلاف السنين وهي تشرب الماء وتسقي الأرض من الأمطار ومن الينابيع التي لم تعرف الجفاف ولم يطرأ على مياهها النقية أي نقصان، وكيف أن حفر الآبار سوف يساعد على امتصاص الينابيع كما حدث في أماكن أخرى، وفي الوقت نفسه قد لا تكون نتائج الحفر مهما تعمق مرضية، فالمياه في المنطقة على مستوى قريب من الأرض ولا تحتاج إلى أساليب الحفر.

هكذا يمضي اليوم في القرية، وهكذا تجري الأحاديث مرتبطة بالواقع الخاص وبما يحتاج إليه أهالي القرية وما يؤرق عقلاءهم من هموم غير مسبقة من جراء محاولة تدمير فكرة التعايش التي جعلت منهم عائلة واحدة يشاركون بعضهم بعضاً في السراء والضراء، وحين يأتي حديث السياسة تشعر بأنهم مجمعون على قضية واحدة هي قضية فلسطين، وعلى هدف واحد هو وحدة العرب وتضامنهم، وعدم الثقة بالدول الكبرى التي تبيع بعض العرب قبل أن تشتريهم، وتتآمر عليهم وهي تبذل قصارى جهدها في حمايتهم بعد أن نجحت في أن تخلق بين هذه الشعوب أسواراً وسدوداً ما كان ينبغي لها أن تقوم أو توجد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 65 / 2165433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165433 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010