الجمعة 31 آب (أغسطس) 2012

أربع ساعات تهز العالم!

الجمعة 31 آب (أغسطس) 2012 par د. سمير كرم

مع بداية الأيام الأولى للثورة البلشفية (ثورة أكتوبر 1917) الروسية، كان الصحافي اليساري البريطاني جون ريد مسؤولاً عن تغطية الأحداث. قام الرجل بواجبه على أكمل وجه، وعندما انتهت مهمته ضمّن كتاباته عنها في كتاب، واختار لهذا الكتاب عنوان «عشرة أيام هزت العالم». وقدر لهذا الكتاب ان يصبح لسنوات طويلة احد أهم المراجع عن تلك الثورة.

من وقتها أصبح هذا العنوان الفريد مثالاً يحتذى لعناوين كتب عديدة، إنما طبعاً اختلفت المدة.

لهذا تراود المرء فكرة هذا العنوان «أربع ساعات تهز العالم»، على الرغم من ان الأيام العشرة التي هزت العالم، عندما وقعت الثورة الروسية ـ وقد عاشت لنحو سبعين عاماً ـ كانت حقيقية، وكان لها تأثيرها المحلي والإقليمي والعالمي. أما المقصود بعنوان الساعات الأربع، فهو ما رافق إعلان مصر ان الرئيس المصري محمد مرسي أضاف الى برنامج زيارته للصين أربع ساعات يقضيها في طهران حيث يحضر افتتاح قمة الدول غير المنحازة.

لقد أحدث هذا الإعلان سلاسل من ردود الأفعال المؤيدة والمناهضة والمتسائلة تبرر هذا العنوان للمقال. بصفة خاصة فإن المخاوف احتلت تصريحات المسؤولين والقادة الأميركيين و«الإسرائيليين». بل لقد تبين حتى الساعات الأخيرة التي سبقت بداية قمة عدم الانحياز ان «إسرائيل» راودها أمل في ان يلغي مرسي زيارة الساعات الأربع لإيران نزولاً عند طلبها وطلب أميركا (...).

وصلت الضجة، التي أحدثها الإعلان عن زيارة مرسي القصيرة لطهران من اجل تسليم رئاسة جبهة عدم الانحياز من مصر الى إيران، الى حد ان وصفت الزيارة بأنها يمكن ان تكون بمثابة «انقلاب مصري ـ إيراني على الأوضاع الدولية»، وبأنها «مؤامرة إيرانية مصرية على النظام العالمي».

أربع ساعات يتخللها وتنهيها إجراءات تسليم الرئاسة وإلقاء كلمة (ربما كان تعبير كلمة في هذا السياق هو أفضل استخدام ممكن) كفيلة بأن تقلب النظام العالمي. وأي نظام عالمي هذا الذي يمكن ان تقضي عليه أربع ساعات لا يتخللها سوى الكلمات والإجراءات الديبلوماسية، فلا قنابل ولا صواريخ ولا أسلحة دمار شامل او غير شامل؟ وتهز الساعات الأربع العالم الى هذا الحد؟ أم ان تحديد هذا الوقت لزيارة رسمية يقوم بها رئيس دولة لحضور مؤتمر يضم أكثر من مئة وثلاثين بلداً، ويحضره أكثر من خمسين رئيس دولة قصد به بالاتفاق والتراضي مع معارضي هـذه الزيارة ان يكون ضماناً أكيداً بأن لا تستخدم الزيارة لاستعادة العلاقات الضرورية بين مصر وإيران في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة؟

يبدو ان معارضي الزيارة في مراكز القرار في واشنطن و«تل أبيب» لا يدركون ان اليوم سيأتي يقيناً حين تقرر مصر وإيران علناً، وبلا تردد، استعادة العلاقات بينهما، المقطوعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً مهما كانت ضغوط الدولتين الصهيونيتين اميركا و«إسرائيل».

ويبدو ان معارضي الزيارة ـ حتى على الرغم من تقليص مدتها الى أربع ساعات ـ سيدركون في وقت لن يطول، ان القاهرة ستقتنع بالأسباب التي من أجلها أيدت طهران، وتؤيد سوريا ضد التدخل الخارجي الذي يطلق عليه وصف الثورة.

ويبدو ان معارضي الزيارة يريدون الاستمرار في تجاهل حقيقة ان دول الخليج التي تناصب إيران وسياساتها العداء تقيم مع إيران نفسها علاقات دبلوماسية كاملة، فضلاً عن العلاقات التجارية والاقتصادية. وبالتالي ان انضمام مصر مستقبلاً، وبالتأكيد، الى كل دول العالم التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران سيكون خطوة في الاتجاه الطبيعي والصحيح والسوي بين دولتين لكل منهما مكانتها العالية في المنطقة والعالم. بل إنها خطوة تترقبها باهتمام كل دول الجبهة غير المنحازة. والدليل على ذلك ان دولاً تحتل مكانة تاريخية رفيعة في هذه الكتلة مثل الهند، قاومت ضغوطاً اميركية - «إسرائيلية» للتدخل لدى إيران ومصر لمنع تجدد الاتصالات بينهما، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً بالنسبة للسلام في المنطقة والعالم.

ربما ترتاح الدولتان الصهيونيتان الى استمرار حالة انعدام الشفافية من جانب الحكومة المصرية والرئيس مرسي، في ما يتعلق بمستقبل العلاقات بين مصر وإيران. ولكنهما في هذا تتعمدان إغفال رد الفعل الشعبي والجماهيري المصري إزاء العلاقات مع إيران. إنهما تغفلان عن عمد وجود دعم وتأييد قوي لدى الجماهير الشعبية المصرية لضرورة استئناف العلاقات مع إيران، لما في ذلك من الآثار الإيجابية المؤكدة على موقف الدولتين المصرية والإيرانية من كافة النواحي السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والثقافية.

ان إيران تعرف أهمية مركز مصر في الإقليم والعالم. وبالمثل تعرف مصر مركز إيران في الإقليم والعالم. وتعرف إيران العقبات التي تضعها «إسرائيل» واميركا أمام مصر للحيلولة دون الاتجاه نحو التطور الطبيعي للعلاقات الإيرانية - المصرية، وتعرف إيران أيضاً ان مصر بطبيعة دورها ومكانتها ـ وبعد ثورة 25 يناير 2011 بوجه خاص، لن ترضخ طويلاً للضغوط الصهيونية التي تفرض عليها علاقة الانفصام غير المبرر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بل لعلنا نضيف ان إيران تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى، ان النظام المصري الذي يستمد الآن تأييده من «حزب الحرية والعدالة» الخارج من قلب جماعة «الإخوان المسلمين» لم يضع في اعتباره ان الجماهير المصرية توقعت ان يكون هذا النظام ـ الذي يطلق عليه وصف «اخواني» في مصر ـ ليس أكثر استعداداً من نظام مدني ديموقراطي للذهاب في الطريق السليم والطبيعي لاستعادة العلاقات مع إيران. لقد ظنت الجماهير المصرية ان ثمة تشابهاً او تقارباً مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران يحتم ان تتم بسرعة وحماسة عملية استعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين. وتدرك الجماهير المصرية مدى استعداد إيران الذي عبرت عنه رسمياً في تصريحات مسؤوليها وقادتها، لاستعادة العلاقات كاملة مع مصر. لكن استمرار استجابة القاهرة ـ تحت هذا النظام «الإخواني» ـ لضغوط القوى الرسمية وغير الرسمية للصهيونية العالمية يقف حجر عثرة أمام استئناف هذه العلاقات.

ويعرف الرأي العام المصري بوضوح كاف ان الولايات المتحدة و«إسرائيل» وضعتا شروطاً على حضور مصر القمة غير المنحازة. وهي شروط تحد من دور مصر ومن الموافقة المصرية على القرارات التي ستصدرها هذه القمة، بل وعلى بيانها الختامي الذي سيصدر، بعد ان يكون الرئيس مرسي قد غادر طهران في نهاية الساعات الأربع المحددة لزمن الزيارة. ولعل هذا هو بالتحديد المعنى الذي قصدته «مصادر قاهرية مطلعة» (حسب صحيفة «الشروق» القاهرية في 26/8/2012) حين «استبعدت ان يتم رفع مستوى العلاقات بين مصر وإيران خلال زيارة الرئيس محمد مرسي لطهران يوم الخميس المقبل». وأوضحت المصادر للصحيفة نفسها انه «لن يحدث تطور في العلاقة التي قطعتها إيران العام 1980 عقب الثورة الإسلامية واحتجاجاً على توقيع «اتفاقية كامب ديفيد»، للحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج الداعمة لمصر في أزمتها الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار ان هناك محادثات تجريها مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض، وأنها لن تضحي به مقابل دعم إيراني محدود وقصير لا يمكن الرهان عليه».

وليس خافياً على احد ان هذا التوصيف من جانب المصادر المصرية إنما يعبر عن وجهة النظر التي عبرت عنها الولايات المتحدة خلال الاتصالات المتعددة مع المسؤولين المصريين خلال الفترة الأخيرة. وليس خافياً أيضاً ان ضغوطاً داخلية من جانب بعض التنظيمات والجماعات الإسلامية المصرية قد مورست على الرئيس مرسي وحكومته وتضمنت شروطاً أسميت «إسلامية» لاستعادة العلاقـات بين مصر وإيران. وتتعلق هذه الشروط بضرورة الاستمرار من جانب نظام مرسي في تأييد التنظيمات الإسلامية التي تقاتل ضد النظام السوري. وتضمنت هذه الشروط أيضاً ضرورة تخلي إيران عن تأييد نظام بشار الأسد قبل أي تفكير في استئناف العلاقات معها (...).

هذا كله فضلاً عن تأجيج الشعلة المسماة «خطر الشيعة» والنزوع الشيعي الى الهيمنة في بلدان عربية مسلمة سنية. وهو خطر كثر الحديث عنه في الفترة الأخيرة من دون ان يصاحب هذا الحديث دليل واحد على صحته. وقد حرص المتحدثون عن هذا «الخطر الشيعي» على ان يعلنوا رفضهم الصريح لمجرد قيام مرسي بزيارة إيران، ولو كان ذلك محدوداً زمنياً بأربع ساعات، ومحدوداً من حيث الموضوع والهدف بتسلم إيران من مصر رئاسة حركة عدم الانحياز.

وقد أغفلت الجماعات والتنظيمات المصرية المعارضة لزيارة مرسي السريعة لإيران حقيقة أنها اتخذت موقفاً يتفق تماماً مع موقف «إسرائيل» من هذه الزيارة، بل حتى ضد حضور مرسي قمة عدم الانحياز في طهران. لقد عبرت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» عن «غضب قادة الدولة العبرية من قرار الرئيس المصري، وانتقدت مشاركة مرسي في ظل تهديدات إيران لـ«إسرائيل» ودول المنطقة». بل ان الإعلام «الإسرائيلي» تساءل عن «موقف مصر في حالة هجوم «إسرائيلي» على إيران وهل ستقف مصر صامتة أم سيؤثر هذا على مستقبل العلاقات بين البلدين؟».

وليس خافياً أيضاً ان «إسرائيل» شددت حملتها الدبلوماسية على إيران في العواصم العالمية بهدف التأثير على نتائج مؤتمر قمة عدم الانحياز. وذكرت صحيفة «معاريف» «الإسرائيلية» ان وزارة الخارجية «الإسرائيلية» أرسلت برقيات الى كل البعثات الدبلوماسية «الإسرائيلية» في الخارج تحمل تعليمات بمحاولة عرقلة مشاركة دول أساسية في أوروبا وأميركا الجنوبية في قمة عدم الانحياز. وتشيع «إسرائيل» ـ حسب «معاريف» ان «هدف هذه القمة هو إخراج إيران من العزلة الدولية التي فرضت عليها جراء إصرارها على مواصلة مشروعها النووي».

أما أجهزة الديبلوماسية الأميركية فقد أبدت ـ حسب صحيفة «نيويورك تايمز» ـ قلقها من نجاح الدبلوماسية الإيرانية في التأكيد على حضور اكبر عدد ممكن من الدول هذه القمة، ومن جهود إيران لتوثيق علاقاتها مع كافة هذه الدول، وبالأخص دول منطقة «الشرق الأوسط» ومن بينها مصر». وتتوقع الدبلوماسية الأميركية بالتالي ان «يصبح الرئيس الإيراني احمدي نجاد كرئيس لحركة عدم الانحياز خلال السنوات الثلاث القادمة أكثر الرؤساء نشاطاً وتأثيراً في الاجتماعات الدولية العديدة المقبلة، بما فيها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول /سبتمبر المقبل. الأمر الذي سيمكن إيران من الحصول على اكبر دعم دولي لمواقفها السياسية لا سيما في المجال النووي».

وترى صحيفة «نيويورك تايمز» ـ التي تعد قريبة للغاية من وجهة النظر الرسمية الأميركية ـ «ان زيارة مرسي لإيران ترسل إشارة واضحة الى ان مصر تتخذ مساراً جديداً من خلال اتصالها مع دولة (إيران) ذات تأثير قوي في المنطقة، على الرغم من عدم وجود إشارة مصرية الى إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين... وبغض النظر عن الهدف من الزيارة فإنها تعد خطوة معادية لـ«إسرائيل»».

لا تعدو المقتطفات التي أوردناها من الإعلام الأميركي و«الإسرائيلي» ان تكون عينة ضئيلة مما ورد فيهما وما انتشر من خلالهما في العالم ككل. ولكن هذه الأمثلة في حد ذاتها كافية لأن تبرر العنوان الذي بدأنا به وهو «أربع ساعات تهز العالم».

إن قمة عدم الانحياز في طهران ـ بزيارة الرئيس المصري او بدونها ـ اكتسبت أهمية حقيقية في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة. الأمر الذي يجعل متابعة نتائجها خلال الفترة الطويلة القادمة ذا أهمية خاصة تتجاوز الساعات الأربع (...).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2177488

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2177488 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40