تعرفت راشيل كوري إلى شاب فلسطيني أثناء دراستها الثانوية في مدينة أولمبيا الأميركية، حيث حدثها عن آلامه ومعاناة شعبه جراء النكبة التي قضت على أحلام شعبه وإقامة كيان بغيض على أنقاضه وعلى الاحتلال، الذي يمارس الجرائم اليومية بحق الفلسطينيين في كافة أنحاء وطنه.
كان لهذا اللقاء الأثر الأولي الأكبر الذي دفع براشيل كوري للقدوم إلى رفح جنوبي قطاع غزة لتعيش هناك مع العائلات الفلسطينية في الخط الموازي لمسار صلاح الدين في رفح، حيث قام جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بهدم الآلاف من بيوت الفلسطينيين وتشريد عشرات الآلاف منهم، بحجة إقامة خط عازل عن مستعمرات وكانتونات المستوطنين جنوبي قطاع غزة.
عند مجيئها إلى غزة تعرفت راشيل على شابين بريطانيين هما، جيمس ميلر وتوماس هورندل، وجميعهم انتمى إلى حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني. قتلت راشيل عندما دافعت بجسدها هي وعشرة من رفاقها عن بيت عائلة الدكتور سمير نصرالله، حيث سكنت مع أفراد العائلة طيلة فترة مكوثها هناك، ووقفت راشيل كالطود الشامخ أمام الجرافة «الإسرائيلية» طيلة خمس ساعات وهي تلبس معطفاً برتقالياً مشعاً وتحمل بيديها مكبراً للصوت وكانت تصرخ ضد هدم البيوت، ووثق رفاق كوري صوراً لا تدع مجالاً للشك إلا لأعمى البصر والبصيرة، أن يدّعي أن سائق الجرافة لم يرها... نعم إنه لم يرها لأنه لم يرد أن يراها ولم يرد الجيش أن يراها ... لم ترد «إسرائيل» أن يرى العالم جرائمها من خلالهم.
جيمس ميلر، وهو مصور سينمائي، جاء ليخرج فيلماً عن الحياة في غزة وشاء القدر أن يكون فيلمه «الموت في غزة» توثيقاً لمقتله، بعد أن رفع راية بيضاء في يديه، وخرج من بيت أراد الجيش هدمه، وبعد سماع الطلقة الأولى، عرّف نفسه بأنه صحافي بريطاني، وبعدها جاءت الطلقة الثانية لتقتله، وقد تم تدوين ذلك في شريط فيديو.
أمّا توماس هورندل فقد قتل بعد أن دافع بجسده عن أطفال تعرضوا لإطلاق النار، وتم لاحقاً محاكمة الجندي المتورط بالجريمة وحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات، ليخرج بعد انقضاء 6 سنوات على الرغم من أن هيئة محلفين بريطانية قررت أن مقتله كان بسبق إصرار وترصد.
نعم جميعهم قتلوا مطلع العام 2003 الواحد تلو الآخر، ولم يرهم أفراد الجيش، لأنه لم يكن معنياً برؤية أحد، ولقد أصبح كل واحد منهم أيقونة عالمية لشباب قضوا في ربيع عمرهم، دفاعاً عن مبادئ، آمنوا بها وأصروا على تحقيق حلمهم في الدفاع عن المضطهدين والفقراء في وجه سلطان جائر، فعسى أن يكونوا لنا وللإنسانية أسوة حسنة في ذكراهم، سائلين المولى أن يرى بأعمالهم مثقال ذرات تنبت شجيرات طيبة في أرض فلسطين أصلها ثابت وفروعها في السماء.