الخميس 30 آب (أغسطس) 2012

بركات الرئيس

الخميس 30 آب (أغسطس) 2012 par د. أمينة أبو شهاب

لكل نظام سياسي إيديولوجية يعتمد عليها في تقديم نفسه للشعب وفي تبرير شرعيته وشرح خطا سيره السياسي، وتمتلك جماعة «الإخوان المسلمين» التي تمثل الخلفية السياسية والدينية لنمط القيادة السياسية الذي يتكرس وجوده في مصر الآن رصيداً وفيراً للغاية هو بحر في حد ذاته من الإيديولوجية متمثلة بـ«الإسلام». هذه الإيديولوجية كانت خطاب الجماعة، وهي في لحظة الفوز بالانتخابات كانت تبحث عن تحققها في الواقع، وذلك في أعين الجماهير.

ولم يدخر محمد مرسي جهداً في تمثل صورة الحاكم المسلم الذي يقود نمطاً مغايراً من نظام الحكم، وأعطى إشارات مبكرة للغاية، وذلك منذ يوم قسمه أمام الجماهير في ميدان التحرير على أنه يتبع النموذج الراشدي ممثلاً في قول أبي بكر الصديق «رضي الله عنه»: «إن إحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني». اقتبس مرسي هذا القول مؤكداً بذلك خياره الإسلامي ووعد استعادة نموذج الحاكم الإسلامي كما هو في قمة تحققه في الذهنية الإسلامية.

وبتوالي أيام مرسي في رئاسة مصر، تكرست فيه صورة الرئيس العابد التقي الذي يؤدي فروض الصلاة في المساجد ويحرص على صلاة الفجر ويعتكف أيام رمضان، كما أنه يلقي أغلب أحاديثه وخطبه السياسية من المساجد في أنحاء مصر المختلفة، وذلك في حضور العلماء والدعاة الذين يحظون بمكانة خاصة لدى أفراد الشعب المصري.

فما هو المقابل أو الانعكاس الإعلامي لتكريس هذا النمط من القيادة غير المألوفة في الحياة السياسية العربية؟ وهل تتغلب صورة الرجل أو الرئيس «الذي يحكم بشرع الله» كما قد أصبحت جماهيرياً والذي هو نفسه الممتلك لطاقات فوق بشرية وفيه شيء «رباني»؟ هل تتغلب على إحراجات السياسة وابتعادها عن النموذج الإيديولوجي الإسلامي؟

وبإزاء السؤال الأول حول التوظيف الإعلامي والجماهيري لنمط الحاكم كما يمثله الرئيس مرسي، فإن الصحف والإعلام المصري قد أخذت تطبعه في فئته الداعمة لحزب الحرية والعدالة. المقالات التي تظهره مؤيداً من العناية الإلهية ومؤزراً بالتوفيق والنصر. ففي جريدة الإخوان «الحرية والعدالة» يقول خالد إبراهيم السبت قبل الماضي: «انبهر كثيرون فتساءلوا عن قوة الرئيس محمد مرسي الذي استطاع في أقل من شهر ونصف من تسلمه لمقاليد رئاسة منقوصة أن يتخلص من حكم عسكري ظل جاثماً على صدور المصريين ستين عاماً بحيث استغرق الأمر نفسه من أردوغان أسطورة تركيا قرابة عشر سنوات كاملة، وإزاء النشاط والحيوية التي يتمتع بها رئيسنا الحبيب مرسي «حفظه الله» الذي رأيناه يصلي الفجر قرب منزله المستأجر في التجمع الخامس ثم يصلي الجمعة في 6 أكتوبر، والعصر في العريش، ويتناول الإفطار مع الجنود المصريين في رفح، ثم يلقي كلمة من المسجد في التراويح، ثم يذهب إلى القصر الجمهوري ويجري بعض اللقاءات، فلا نملك إلا أن نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. أسرار قوة مرسي أنه لم يطلب الرئاسة فكان حقاً على الله تعالى أن يعينه، وثالث الأسرار هو عفة الرئيس وأسرته عن المال العام الذي ظهر جلياً في سفر الأسرة إلى مكة على نفقة الرئيس الخاصة، أما رابع الأسرار في ظني فهو ربانية الدكتور محمد مرسي، ففيه شيء لله، كما يقول المصريون، الذي أدى عمرتين في أقل من شهر ونصف، وعلى الرغم من مشاغله نراه حريصاً على صلاة الفجر والقيام في المسجد، وكثيراً ما ترصد العدسات بكاءه في مواقف خشية من الله تعالى. وبعد فإنني أعلن بكل فخر أنني أنتقل من زمرة الداعمين للرئيس محمد مرسي إلى زمرة المحبين له في الله..».

وبمثل محتوى هذا المقال الذي اقتبست منه مطولاً بهدف تبين ملامح الصياغة لصورة قائمة على الإيحاءات الدينية، كانت كذلك الخطبة التي ألقاها المرشد العام للإخوان المسلمين لمناسبة العيد والتي تم تداولها بشكل واسع على المستوى الإعلامي، حيث ذكر فيها أن محصول القمح تضاعف ست مرات في مصر، وذلك «لإصلاح شعب مصر نيته فزاده الله رزقاً». ولا اعتراض على أن النية الطيبة الصالحة تجلب الإيجابيات، غير أن التوظيف السياسي للمعتقدات الدينية ومحاولة القول إن هنالك مؤازرة إلهية للحكم الإخواني الذي حدث فيه هذا الإنجاز التاريخي لمصر هو ما يتوجب أن يستجلب الانتباه له في استراتيجيات القوى السياسية من مثل جماعة الإخوان المسلمين. والقصة عن القمح في حقيقتها لا تعتمد على أرقام وزارة الزراعة المصرية ولم تعلنها الوزارة أبداً. وكما كشف خبراء مصريون في هذا المجال، فإن محصول القمح المصري لم يتضاعف بنسبة ستمئة في المئة وإنما زاد ما ورّده الفلاحون في إحدى المحافظات بنسبة تصل إلى ستة عشر في المئة.

من الممكن أيضاً أن تنسب المياه الفائضة من نهر النيل لهذا العام إلى البركة السياسية للجماعة، وهذا ما يسري على وقائع وتفصيلات عديدة في الحياة السياسية المصرية هذه الأيام.

أفلا يبدو الأمر مهيئاً ومسوّغاً أيضاً والحالة هذه، لأن يمر (وفي جوه الديني) قرض البنك الدولي لحكومة مرسي بقيادة هشام قنديل والبالغة قيمته أربعة مليارات وثمانمئة مليون دولار مروراً سهلاً وسلساً من دون مساءلة إسلامية الحكومة؟ هذا رغم تعارض القرض التام مع الخط الذي كان معلناً لجماعة الإخوان في رفض القروض «الربوية» والديون الخارجية التي تراكمها الدولة المصرية، ورغم رفضهم الفعلي ولمدة سنة ونصف لقروض مماثلة أقل قيمة بكثير وذلك خلال مدة رئاسة عصام شرف وكمال الجنزوري للوزارة المصرية؟ لقد أفتى الشيخ سيد عسكر مفتي الجماعة بأن القرض الذي كان الجنزوري بصدد التوقيع عليه هو ربا لا يجوز شرعاً للحكومة المصرية أن تتورط فيه. أما عن القرض الجديد فإن الجواز مباح تحت مسمى «الضرورات تبيح المحظورات»، وكذلك بتسمية جديدة للفائدة التي يتقاضاها البنك الدولي وهي أنها «مصاريف إدارية»، جاءت هذه المبررات والتأويلات في فتاو عديدة لهيئات إسلامية وعلماء مسلمين من مثل الشيخ ياسر برهامي.

وقد ذيلت الفتاوي بعبارات أن مرسي يفعل الصالح للبلاد والعباد، وأن الثقة به أنه لا يحل حراماً.

والخلاصة أن القيادة ما إن تأخذ صفة «الإسلامية» وترسخ هذه الصفة والرضا الإلهي عنها، فإنه يحق لها ما كان لا يحق لغيرها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165303

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165303 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010