الأربعاء 29 آب (أغسطس) 2012

عرض كتاب | صعود البرازيل ... قصة بلاد تشهد التحول (2-3)

الأربعاء 29 آب (أغسطس) 2012

عن دار «بالغريف ماكميلان» الأمريكية صدر كتاب «صعود البرازيل: قصة بلاد تشهد التحول» في 292 صفحة من القطع المتوسط، 2012 للكاتب لاري روهتير .

يُعد الكتاب على حد تعبير الكاتب محاولة قراءة لشكل التحول الذي طرأ على البرازيل، بعد أن كانت دولة رازحة تحت الديكتاتورية وتعاني التخلف الاقتصادي إلى دولة ديمقراطية، حققت تطوراً بشكل نوعي في المجال الاقتصادي بطريقة تثير الدهشة.

يستعرض الكاتب في الفصول الأولى تاريخ البرازيل وطبيعة التشكيل المجتمعي خلال تاريخها الممتد إلى ما قبل خمسمئة عام تقريباً، بشكله الإيجابي والسلبي. لكن في مجمل الكتاب تركيزه بشكل كبير هو على التغييرات الاستثنائية التي عاشتها البرازيل منذ أن ذهب إليها لأول مرة في سنة 1972، أي في العقود الأربع السابقة.

يتحدث أيضاً عن القيادات السياسية والنقابات العمالية والحياة الثقافية، مركزاً على السياسة الداخلية والخارجية في البرازيل، والدور الذي يمكن أن تلعبه على مستوى العالم إلى جانب الدول الكبرى، خاصة أن اقتصادها تجاوز اقتصاد دول عظمى مثل بريطانيا، وتعيش شعور التخلص من الدونية وفقد الكرامة بعد أن فازت باستضافة أهم الأحداث الرياضية العالمية في 2014 و2016.

الكاتب مراسل ثقافي لصحيفة «نيويورك تايمز»، قضى ما يقارب 15 سنة كرئيس مكتب «نيويورك تايمز» و«نيوزويك» في ريو دي جانيرو. وهو معلق دائم على الشؤون البرازيلية في وسائل الإعلام. وهو يعيش حالياً في هوبوكين، نيوجيرسي.

[rouge]البرازيل أصبحت الدائن الرابع الأكبر للولايات المتحدة[/rouge]

تبنت حكومة لويس إناسيو لولا دا سيلفا في عام 2009 شعار «البرازيل، القوة العالمية الخامسة»، مشيرة بذلك إلى أن البرازيل بطاقاتها الكامنة قادرة على دفع البلاد إلى نفس المستوى الذي تتمتع به الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الصين أو الهند على المستوى العالمي. وفي الواقع، ربما البرازيل من بين البلدان القليلة التي تتمتع بخيارات تؤهلها إلى الاكتفاء الذاتي في النفط والغاز، وربما في الفترات اللاحقة تصبح من الدول المصدرة بفضل الاكتشافات الأخيرة للعديد من الحقول، إضافة إلى استفادة البرازيل من مصادر الطاقة المتجددة التي لم تكلفها الكثير، ولا شك في أن نهر الأمازون العملاق بحجم المياه الهائل فيه، قدم للبرازيل طاقة مائية أكثر من أي بلد آخر، كما أن البلاد لديها طاقة هوائية وشمسية لم تستثمر بشكل كبير بعد، فضلاً عن احتياطي اليورانيوم لأجل الطاقة النووية.

في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت البرازيل من أهم وأكبر العملاء لصندوق النقد الدولي، وكان الأمر مصدراً للفزع على المستوى الوطني، ففي كل مرة كانت الأمور تخرج عن السيطرة، كان ينتهي بهم الأمر إلى القروض، كي يبقوا الاقتصاد عائماً، ولطالما كانت البرازيل عبر أكثر مراحل تاريخها ترسل الوفود إلى واشنطن ملتمسة خطط إنقاذ، لكنها الآن تعد الدائن الرابع الأكبر للولايات المتحدة، وفي السنوات الأخيرة، وتحديداً العقد الأخير من القرن الحالي، خرجت البرازيل من حالة المديونية لتتحول إلى دائنة، ففي عام 2009 عرض على البرازيل أن تشتري سندات صندوق النقد الدولي بقيمة 10 مليارات دولار لمساعدة الدول النامية التي تعاني مشكلات كانت البرازيل قد اعتادت عليها في السابق. إضافة إلى أن احتياطات العملة الخارجية شهدت فائضاً في البرازيل، بحيث تجاوزت حتى الوقت الراهن 350 مليار دولار.

ويرى الكاتب أن التحدي الذي ستواجهه البرازيل في العقد المقبل هو كيفية إدارة هذه الغزارة من الموارد من دون إحداث تشوهات اقتصادية وإلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، خاصة في ظل الشكوك في التنقيب بعيداً عن الشواطئ، والتي تسببت في كارثة في خليج المكسيك في 2010. في البرازيل، المخزون الاحتياطي للنفط والغاز في البحر ربما يصل تقديرياً إلى 80 مليار برميل، لكن الوصول إليه أمر صعب ومكلف في ذات الوقت.

[rouge]الاستثمار في التعليم[/rouge]

البرازيل كما العديد من الدول النامية، دائماً ما سعت إلى جعل نفسها تتمتع بجاذبية للشركات من خلال إنتاج قوة عاملة متعلمة أكثر. فبعد سنوات من الاستثمار في هذا المجال والمجالات الأخرى من البنية التحتية الاجتماعية بدءاً من فترة فيرناندو هنريك كاردوسو وحتى فترة لولا، أصبحت البرازيل على استعداد لجني ثمار ذلك المجهود.

في عام 1995 على سبيل المثال، 15% من الأطفال البرازيليين ممن هم في أعمار تؤهلهم لدخول المدارس لم يحضروا إلى صفوفهم، ولكن بعد الاستقرار الاقتصادي الذي جلبته «الخطة الحقيقية» من قبل وزير المالية حينها كان فيرناندو هنريك كاردوسو في عهد الرئيس إيتامار فرانكو (1992-1995)، والتي كانت عبارة عن مجموعة من التدابير الاقتصادية التي أرست دعائم الاستقرار في الاقتصاد البرازيلي، حيث أثرت تلك الخطة إيجاباً في القطاع التعليمي، وتشجّع الآباء والأمهات على الاستثمار في مستقبل أبنائهم بعد أن غاب عن البلاد شبح التضخم، ولم يعد الأبناء مضطرين إلى العمل في سن صغيرة لإعالة أسرهم.

خلال الفترة الأولى من حكم فرناندو، ازداد عدد خريجي المدارس الثانوية بنسبة 35%، ومع استمرار وزيادة هذه السياسات تحت إدارة الرئيس لولا، انخفض عدد الذين تخلفوا عن حضور الصفوف الدراسية إلى 3% فقط. كما أن القطاع الصحي شهد تحسناً ملحوظاً، والنتيجة أن العاملين الداخلين في القوة العاملة كانوا أكثر تعليماً وتثقيفاً، وزادت فترة بقائهم في الحياة العملية لمدة أطول، وهذا جعلهم بالتالي أكثر إنتاجية وجاذبية للشركات التي تستأجرهم.

وجد الكاتب أن النظام التعليمي يبقى مشكلة تعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ووفقاً للأرقام الصادرة عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في عام 2009، فإن البرازيل تصنف الثانية في العالم من حيث الإنفاق على التعليم، وهذا من غير شك يشير إلى خطوات الحكومة الجادة في هذا الشأن. لكن الخبراء والمتخصصين في المنظمات الدولية والبنك الدولي انتقدوا النظام التعليمي في البرازيل، من حيث عدم كفاءة المعلمين والمدرسين، وصغر حجم الصفوف، ونسبة الجهل التي تقدر بنحو 10%.

يشير الكاتب إلى أن التحدي الأساسي لحكومة الرئيس لولا كانت الاستمرار في عملية جلب من تم استبعادهم عن النمو الاقتصادي، ودفع أجور لائقة لهم، وبالتالي هؤلاء يتحولون إلى مستهلكين. ويذكر أن ربع سكان البرازيل يعيشون تحت خط الفقر، والحكومة من خلال سياساتها التعديلية حددت النسبة الأدنى من الأجور التي تقدر بـ 258 دولار في الشهر في عام 2009، ويرى أن هناك الملايين المسجلين على أساس أنهم يعيشون فوق خط الفقر، لكنهم، في الواقع، يصارعون لأجل الحصول على مردود يقيهم من العوز والفاقة، خاصة بعد أن ازداد حجم العائلات بعض الشيء.

برأي الكاتب، الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف التي تسلمت حكم البلاد في يناير/كانون الثاني 2011 لديها الكثير الذي يمكن أن تبني عليه سياساتها وخططها الإصلاحية. خاصة أن اليوم أكثر من أي وقت مضى يشهد الاقتصاد البرازيلي استقراراً، وتنوعاً، ومرونة أكثر، ولاشك في أن قاعدة البلاد من الموارد والمصادر قوية، وشركاءها التجاريين على قدر من التنوع. إضافة إلى أن القوى البرازيلية العاملة فتية ومرنة ومتلهفة للتعلم أكثر، وتطمح إلى أن تستفيد من الفرص المتاحة أمامها لتشق طريقها. ويشير إلى أن التفاؤل دائماً ما كانت سمة البرازيليين في زمن الصعوبات، لكن اليوم ربما تفاؤلهم مبرر وسط هذا الانتعاش الاقتصادي الملموس.

[rouge]استعادة الاعتزاز بالذات[/rouge]

في أكتوبر/تشرين الأول 2009 حددت اللجنة الأولمبية الدولية مكان الألعاب الأولمبية في مدينة ريو دي جانيرو، حيث تفوقت هذه المدينة على مدن كبيرة مثل شيكاغو، وطوكيو، ومدريد، على الرغم من النداءات الشخصية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس وزراء اليابان ونظيره الإسباني، وكان الرئيس البرازيلي لولا ذهب حينها إلى كوبنهاغن ليدعم اللجنة الأولمبية الدولية في قرارها، وبعد إعلان تحديد مدينة ريو دي جانيرو للألعاب الأولمبية 2016، لم يتمالك لولا نفسه وانهمرت دموعه في عاطفة جياشة، وحينها قال في كلمة مباشرة على البث التلفزيوني إلى الشعب البرازيلي نلخصها بما يلي: «اليوم شعرت بفخر كبير بأني برازيلي أكثر من أي وقت آخر. اليوم هو اليوم الذي استعادت فيه البرازيل هويتها العالمية. اليوم هو اليوم الذي تجاوزنا فيه بقايا الإجحاف بحقنا. أعتقد أنه يوم يستحق الاحتفال، لأن البرازيل تركت خلفها البلدان من الطبقة الثانية، ودخلت في مرتبة الدول الأولى. اليوم حصلنا على الاحترام والتقدير. اعترف العالم أخيراً أن هذا هو زمن البرازيل. أثبتنا للعالم أننا مواطنون حقيقيون».

يشير الكاتب إلى أنه لنفهم ردة فعل لولا العاطفية علينا أن نعود إلى السنوات الأولى من ستينات القرن المنصرم، عندما دخلت البرازيل في صراع مع فرنسا على حقوق الصيد في المياه الساحلية، قال الرئيس الفرنسي تشارلز ديغول حينها في لحظة غضب، إن «البرازيل ليست دولة حقيقية». هذه العبارة المهينة ترسخت في العقل الجمعي البرازيلي، وأثرت في صورة البرازيل لنفسها، وتطلعاتها إلى لعب دور أكبر على المسرح العالمي، وغدت في الوجدان البرازيلي عبارة كارثية دائمة حتى الوقت الحاضر.

يبيّن الكاتب أن البرازيل تسعى في علاقاتها مع العالم إلى أن يتم التعامل معها بشكل حقيقي ومحترم، وألا يقتصر الأمر على القضايا التجارية أو الأمنية، خاصة من قبل الدول العظمى، لاسيما أن البرازيليين يجدون أنفسهم متوجهين إلى المجد العالمي، ولا يرغبون في أن يظهروا في صورة مرتبطة فقط بالسامبا وكرة القدم والشواطئ والبكيني.

يبيّن الكاتب أن الشعب البرازيلي يتحسس بشكل كبير من أي خطأ في الإعلام الأوروبي أو الأمريكي، خاصة من كل ما من شأنه أن يمس صورة البرازيل وكرامتها، فمثلاً يكون رد الفعل البرازيلي شديداً، عندما يكتب أحد الكتاب أن بيونس آيريس هي عاصمة البرازيل، أو يذكر أحدهم أن البرازيليين يتحدثون الإسبانية بالخطأ.

قبل نصف قرن من الزمن ذكر الروائي والكاتب المسرحي نيلسون رودريغس أن البرازيليين يعانون «أو كومبليكسو دي فيرا-لاتا» بمعنى (عقدة الكلب الهجين)، أي أنهم - في رأيه - «يشبهون ذلك المغفل الخائف الذي يبحث في بقايا النفايات»، وقال نيلسون هذا من خلال رؤيته أن البرازيليين يعانون إحساساً كبيراً بالوضاعة التي تقلل من تقديرهم واعتزازهم لذواتهم، وبالتالي تؤثر في قدرتهم على التعامل مع الآخرين على أساس الاحترام والمساواة المتبادلة. ولاشك في أن البرازيل في السابق كانت تصارع من أجل أن تطعم شعبها وتحميهم وتعلمهم، وقوتها العسكرية لم تشكل بالشكل المطلوب، كانت ضعيفة وغير مدعمة، ودبلوماسيتها خجولة، ودورها على المستوى العالمي رغم حجمها، كان ضئيلاً ومتردداً وعديم الثقة.

وبالتالي فإن قرار اللجنة في إقامة الألعاب الأولمبية على أرض ريو دي جانيرو، كان اعترافاً صريحاً بدور البرازيل على المستوى العالمي، واستعادت به البرازيل كرامتها وثقتها بنفسها. حتى إنه في ليلة الإعلان توجه مئات الآلاف من البرازيليين للاحتفال على شواطئ ريو دي جانيرو، ويجد الكاتب أنه كان واضحاً من خلال ردود فعلهم، أن البرازيليين كانوا يحيّون شيئاً ما في أذهانهم بعيداً كل البعد عن استضافة هذا الحدث الرياضي الكبير، ويمكن أن نوضح هذا من كلام فتاة برازيلية كانت قد صبغت نفسها بلون العلم الوطني التقاها الكاتب حيث قالت: «بالنسبة إلى المنافسين الآخرين، إن الأمر مجرد ألعاب أولمبية، لكن بالنسبة إلينا، تعد فرصة لم تكن متاحة لنا من قبل لتعزيز التقدير الذاتي، ولنظهر أنفسنا للعالم ما نحن قادرون على تحقيقه من إنجازات جديدة».

[rouge]السعي إلى المجد[/rouge]

يبيّن الكاتب أن وجود البرازيل في مجموعة «بريكس»، إلى جانب دول غنية بالتاريخ والتراث والثقافة (الصين، والهند، وروسيا)، فيه شعور بالتقدير والاحترام. والكاتب بدوره يرى أنها تركيب اصطناعي، تجاهلت الاختلافات السياسية والثقافية بين الدول الأعضاء، وأسست بناء على اقتراح من مصرف «غولدمان ساكس» في 2003، لكن يجد أن البرازيليين يشعرون بابتهاج كبير بوجودهم في مجموعة إلى جانب هذه الدول المذكورة أعلاه، والتي تشكل القوى الاقتصادية الصاعدة في القرن الواحد والعشرين، والقادرة على تغيير موازين التجارة العالمية.

ويرى الكاتب أن التطلع والتعطش البرازيلي إلى أن يتم احترامها كدولة حقيقية يكون لها وزنها بين القوى العظمى، دفعها إلى الانتشار على المستوى العالمي أكثر، وهذا الأمر أثر عليها في اتخاذ خطوات خاطئة انتهت بتقويض تلك الطموحات. وإحدى الأمثلة التي يوضحها الكاتب هي برنامج البرازيل النووي، حيث خلقت شبهات واحتكاكات غير ضرورية ويمكن تجنبها بسهولة في علاقاتها مع الدول الصديقة والحليفة، ومثال آخر هو برنامج الفضاء البرازيلي، والذي شكل لها حرجاً كبيراً. كما يرى أن حملة البرازيل طوال عقد كامل في سبيل الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن قد أثر في العديد من أهدافها، وسببت الفشل للعديد من المبادرات الدبلوماسية.

في رأي الكاتب طريق البرازيل في سعيها إلى أن تصبح دولة عظمى معبّدة بمبادرات طائشة، وطريقة تنفيذها حمقاء، وأحدثها الجهود المشتركة الفاشلة مع تركيا في مايو/أيار 2010 لتفادي مواجهة بشأن برنامج إيران النووي، وذلك بالتوسط لعقد اتفاقية تشحن بموجبها إيران الوقود النووي إلى الخارج في مقابل أن توافق الولايات المتحدة وحلفاؤها على عدم فرض عقوبات بحق طهران.

يذكر الكاتب أن دولة مثل البرازيل لها طموحات وأبعاد قارية، لم تعرف وتقارن نفسها بجيرانها الأصغر منها، بل بالقوى الكبرى على المسرح العالمي والإقليمي في أجزاء أخرى من العالم، وهذا قاد إلى خلق فجوات بين البرازيل والدول المجاورة في فهم التطلعات البرازيلية، خاصة الأرجنتين وبوليفيا والبارغواي. ويذكر أيضاً أنه كثيراً ما سمع البرازيليين يطلقون على سكان الأرجنتين «غرينغوس» بالبرتغالية، والتي تعني الأجانب والغرباء، كما يطلقون على الهنود من سكان أمريكا اللاتينية «الصراصير» خاصة بعد الأغنية المكسيكية عن الصراصير. في رأيه، من الناحية السيكولوجية، غالباً ما أدارت البرازيل عبر تاريخها ظهرها لبقية دول أمريكا اللاتينية، ووجهت أبصارها إلى مراكز الثقافة البعيدة عنها، حيث كان طموحها أن تصبح مثلهم.

[rouge]التداخل الثقافي[/rouge]

يشير الكاتب إلى أن أنظار البرازيليين كانت متوجهة إلى ثقافة البرتغال، الوطن الأم، ولاحقاً الثقافة الفرنسية. وفي الواقع، فرنسا، أكثر من أي بلد آخر، زودت البرازيل كدولة مستقلة وحديثة بالشكل الذي طمحت إليه. وقد كانت العادات وطريقة اللباس والثقافة الفرنسية ذروة الطموح الذي تسعى البرازيل إلى بلوغه. واتسم التعليم في فرنسا بقيمة عالية للغاية، إضافة إلى أن العديد من الكلمات الفرنسية اندمجت مع اللغة البرتغالية المحكية، وكان هذا دليل رقي وحداثة، وتعتبر اللغة الفرنسية لغة المثقفين البرازيليين المفضلة والعائلات البرازيلية من الطبقات الراقية، وقديماً حاول العديد من البرازيليين مصاهرة العائلات الفرنسية الثرية أو المتميزة . ويذكر الكاتب أنه على الرغم من أفواج اللاجئين من ألمانيا وإيطاليا، فإن تأثير الثقافة الفرنسية راسخ.

في السنوات الأخيرة أصبحت آفاق البرازيليين تتوسع وتتطلع إلى ثقافات عالمية أخرى مثل اليابانية والصينية والهندية، وعلى الرغم من أن أصول أغلبية السكان من إفريقيا، فإن البرازيل لا تدخل نفسها في مقارنة مع إفريقيا، حيث تجدها قارة فاشلة وتابعة، يمكن فقط أن تكون سوقاً للبضائع البرازيلية، ولا يمكنها أن تقدم شيئاً آخر يستحق التقليد. أما القوى الثلاث (اليابان، الصين، الهند) فهي التي تحاول البرازيل أن تقلدها في أشياء عديدة متعلقة بنجاحها في التنمية والتحول إلى الصناعة. في حالة اليابان، هناك العديد من الروابط يعززها وجود أكبر جالية يابانية في البرازيل، يمكن تقديرهم بنحو مليونين ممن يدعون إلى حد ما أنهم من أصول يابانية.

[rouge]التشابه البرازيلي - الأمريكي[/rouge]

يرى الكاتب أنه خلال القرن المنصرم توجهت أنظار البرازيليين إلى الولايات المتحدة بشكل كبير ومركز، ويرى أن هناك العديد من الأسباب تدفعهم إلى الاقتداء بالأمريكيين إلى حد ما، ويأتي في مقدمة الأسباب أوجه التشابه بين هاتين الأمتين الكبيرتين في التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا بين دول الغرب. وكل من الولايات المتحدة والبرازيل بلدان ذوا أبعاد قارية، بنيت على يد مستكشفين مغامرين واجهوا كل أشكال المخاطر ليقطنوها. ولا تزال قصة فتح الغرب الأمريكي تتردد بقوة في البرازيل حتى اليوم الحاضر، ويطلقون عليه «فارويست» بمعنى (الغرب) في البرتغالية، حيث يطلقونها لوصف المستوطنة الحدودية العنيفة وصعبة الانقياد.

يذكر الكاتب أن كلا البلدين ناضل في سبيل تجاوز إرث العبودية وإبادة السكان الأصليين، ممن سكن بالأصل هذه الأراضي، وكلتاهما دولتان حديثتان تشكلتا من أفواج المهاجرين إليهما من كل أصقاع العالم، إضافة إلى أنهما شكلا هويتهما اللغوية الخاصة بهما (الإنجليزية في الولايات المتحدة، والبرتغالية في البرازيل) وسط البحر الكبير من المتحدثين بالإسبانية. ومن الناحية المجتمعية يتسم المجتمع البرازيلي والأمريكي بسمة التفاؤل، وتفاؤلهما مبني على فكرة أن كل شيء ممكن الحدوث، حيث يمكن لمواطنين من الطبقات السحيقة أن يصلوا إلى القمة، وتمت ترجمة هذا الأمر إلى شعور من الاستثنائية، يغلب عليهما إحساس بأن هذه الأرض مباركة من الرب.

ويرى الكاتب أن الهوس البرازيلي بالتجربة الأمريكية في بعض المجالات لا تقتصر على الأمور التي ذكرناها، بل هناك عوامل أخرى تلعب دوراً كبيراً، ودائماً ما يقارن البرازيليون أنفسهم بالأمريكيين، كونهم مشتركين في أشياء كثيرة، بالتالي يقولون: «إذا ما استطاع الأمريكيون فعل ذلك، لماذا نحن لا نستطيع؟». عندما تكون نسبة الجرائم عالية - على سبيل المثال - في ريو دي جانيرو أو ساو باولو، يقارن البرازيليون تلك النسبة بإحصاءات مدينة نيويورك وواشنطن. ودائماً ما تدور النقاشات على مصنع أول طائرة ثقيلة، حيث البرازيليون يجدون «الأخوين رايت» محتالين، وأن البرازيلي سانتوس دوموونت هو الذي صنعها، وترفع صورته في البرازيل، وكتبت عنه الكثير من القصائد والحكايات، ورسمت له العديد من اللوحات، حيث يصنف كبطل قومي، في حين لم يسمع به الأمريكيون على الإطلاق.

في الحلقة التالية والأخيرة من عرض هذا الكتاب نقرأ معاً عن تفاصيل القيادات السياسة في البرازيل، والنجاح الذي حققته، بعد أن حلت فيها الديمقراطية، كما نقرأ مشاعر الكاتب تجاه هذا البلد الذي هام به في صباه، وتخصص في شؤونه، ولا يريد له إلا النهضة وبلوغ المجد.

[rouge]-[/rouge] [bleu]تأليف: لاري روهتير | عرض: عبدالله ميزر.[/bleu]

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر: جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 278 / 2165545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010