الثلاثاء 28 آب (أغسطس) 2012

عرض كتاب | صعود البرازيل ... قصة بلاد تشهد التحول (1-3)

الثلاثاء 28 آب (أغسطس) 2012

عن دار «بالغريف ماكميلان» الأمريكية صدر كتاب «صعود البرازيل: قصة بلاد تشهد التحول» في 292 صفحة من القطع المتوسط، 2012 للكاتب لاري روهتير.

يُعد الكتاب على حد تعبير الكاتب محاولة قراءة لشكل التحول الذي طرأ على البرازيل، بعد أن كانت دولة رازخة تحت الديكتاتورية وتعاني التخلف الاقتصادي إلى دولة ديمقراطية، حققت تطوراً بشكل نوعي في المجال الاقتصادي بطريقة تثير الدهشة.

يستعرض الكاتب في الفصول الأولى تاريخ البرازيل وطبيعة التشكيل المجتمعي خلال تاريخها الممتد إلى ما قبل خمسمئة عام تقريباً، بشكله الإيجابي والسلبي. لكن في مجمل الكتاب تركيزه بشكل كبير هو على التغييرات الاستثنائية التي عاشتها البرازيل منذ أن ذهب إليها لأول مرة في سنة 1972، أي في العقود الأربع السابقة.

يتحدث أيضاً عن القيادات السياسية والنقابات العمالية والحياة الثقافية، مركزاً على السياسة الداخلية والخارجية في البرازيل، والدور الذي يمكن أن تلعبه على مستوى العالم إلى جانب الدول الكبرى، خاصة أن اقتصادها تجاوز اقتصاد دول عظمى مثل بريطانيا، وتعيش شعور التخلص من الدونية وفقد الكرامة بعد أن فازت باستضافة أهم الأحداث الرياضية العالمية في 2014 و2016.

الكاتب مراسل ثقافي لصحيفة «نيويورك تايمز»، قضى ما يقارب 15 سنة كرئيس مكتب «نيويورك تايمز» و«نيوزويك» في ريو دي جانيرو. وهو معلق دائم على الشؤون البرازيلية في وسائل الإعلام. وهو يعيش حالياً في هوبوكين، نيوجيرسي.

[rouge]سادس أكبر اقتصاد في العالم استفاد من النهوض الصيني[/rouge]

يتحدث في مقدمته عن بداية رحلته إلى البرازيل في سبتمبر/أيلول 1972، حينما كان متخرجاً حديثاً من قسم السياسة والتاريخ الصيني المعاصر، ويعمل بدوام جزئي في المجموعة الإعلامية الأكبر في البرازيل في مكتب نيويورك «ريدي غلوبو»، وتفاجأ عندما تلقى دعوة لزيارة المقر الرئيس في ريو دي جانيرو في البرازيل للعمل في مهرجان موسيقي هناك.

يتحدث عن انطباعاته الأولى عن البلاد، حيث كانت صورة النظام الديكتاتوري القمعي في ذهنه، والتخلف الاقتصادي الذي تعيش البلاد تحت وطأته، ولكن ما أثار دهشته هو الرقابة الحكومية الصارمة على ما يتم نشره، والطاقة التي استشعر بوجودها في المدن ولدى الشعب البرازيلي، وعن حالة التبختر والزهو عند الشعب من دون الاعتبار لسوء وضعهم المعيشي، ورفض اتخاذ أي موقف انهزامي مما يحدث معهم أو يتخلل حياتهم، وهو الأمر الذي أثار دهشة الكاتب بعض الشيء.

يبيّن الكاتب عمق التناقض في البرازيل، حيث وجد البرازيل اثنتين، واحدة رسمية لكنها ليست الوجه الحقيقي، والثانية هي حقيقية، لكنها مخفية تحت نوع من المخادعة. ويتساءل: «كيف يمكن لمجتمع أن يؤدي وظيفته مع هذا التناقض الصارخ بين الحقائق الداخلية والخارجية؟» وهذا الأمر كما يبيّن دفعه بلهفة إلى أن يعود إلى البرازيل 1977 كمراسل في أول مهمة له دامت خمس سنوات، والمرة الثانية في عام 1999، حيث بقي تسع سنوات فيها.

في المرة الأولى التي زار فيها البرازيل شدّ أصدقاؤه انتباهه إلى العلم الوطني وما يمثله، حيث اللون الأخضر المهيمن على العلم يرمز إلى حجم الخضرة في الريف البرازيلي وخصوبة حقولها. اللون الأصفر الذي يملأ الألماسة في الوسط يشير إلى الذهب والثروات الطبيعية الهائلة للبلاد. وفي وسط العلم، داخل الألماسة الصفراء، تجد الكرة الأرضية باللون الأزرق ومكتوب بداخلها على شريط أبيض الشعار الوطني للبرازيل وهو «النظام والتقدم». وفي ذلك الوقت سمع الكاتب من أصدقائه النكتة التي كانت تعبر عن بؤس الواقع البرازيلي، وهي أن حكام البرازيل لم يستطيعوا أن يفرضوا الشق الأول من الشعار «النظام»، بالتالي بشكل طبيعي البلاد لن تستطيع أن تحقق الشق الثاني «التقدم»، فكانوا يرون أنه من الأنسب أن يضعوا شعاراً مغايراً وهو «الفوضى والتخلّف». هذه السخرية كانت تنطوي على ألم وتعبر عن الحالة البائسة التي عانى منها الشعب البرازيلي، حيث تحطمت آمالهم على وقع مطامع الحكام الجشعين، وقوتهم القمعية الضاربة عرض الحائط كل أمل يلوح في سبيل تقدّم بلادهم.

[rouge]الطريق إلى الازدهار[/rouge]

يجد روهتير أن الشعار البرازيلي في وسط العلم الوطني قد أصبح حقيقة ومثالاً يمكن للعديد من الدول في العالم الاقتداء بما حققوه خلال أربعة عقود من الزمن، رغم أن آثار الوقائع المريرة لا تزال موجودة في أشكال معينة في المناطق التي تعاني الفقر وبعض الممارسات القمعية من قبل المسؤولين الرسميين. لكن مهما يكن الأمر، فإن البرازيل اليوم ازدهرت لتصبح الديمقراطية الرابعة الأكبر في العالم، وسادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وتسبقها الصين فقط من البلدان الصاعدة في زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لكن البرازيل، على خلاف الهند والصين، منتج قوي البنية ومصدّر لكل من البضائع المصنّعة والمواد الغذائية والمواد الخام. وكل هذا يتضمن كميات كبيرة من الطاقة، ويتم الحصول عليها بفضل الاكتشافات الكبيرة للنفط والغاز في بدايات عام 2007، والثمار التي جنوها من جهود ثلاثين عاماً في صناعة الوقود الحيوي المستخرج من الإيثانول المصنوع من قصب السكر.

كما أن البرازيل تعد خامس أكبر بلد في العالم، وتصنف الخامسة من حيث عدد سكانها بقرابة 200 مليون نسمة. والبرازيل دولة مؤلفة من أعراق متعددة، أضفى ذلك لمسة من الائتلاف والتنوع في روح المجتمع البرازيلي، حيث تجد أن دماءهم امتزجت مع دماء الأوروبيين والأفريقيين والهنود الأمريكيين، والآسيويين. وجدير بالذكر أن مدينة ساو باولو تحتوي على أكبر عدد من الناس ذوي الأصول اليابانية والإيطالية خارج كل من اليابان وإيطاليا.

يرى الكاتب أن صعود البرازيل بهذا الشكل الكبير يعود إلى الثروة الكبيرة التي تملكها، من الأرض الخصبة والكميات الكبيرة من المعادن، والمياه، والمصادر الأخرى، كما أن صعود الصين السريع لعب دوراً في التقدم البرازيلي، من حيث اعتمادها على الصادرات البرازيلية. ويجد أن هذه المصادر كانت واضحة للجميع منذ الاستعمار البرتغالي للبرازيل، ولكن تبلورت الرؤية بعد 450 سنة، وأخذت العملية التنموية شكلها الحالي، ويرى أن القيادة السياسية في البرازيل، سواء القيادة المدنية الحالية أو العسكرية القمعية السابقة، هي بغيضة، لابد لها أن تتحلى بمصداقية أكثر، وأن تعمل على زيادة فرص العمل للمجتمع، والابتعاد عن استغلال عرق وكدح الإنسان العامل.

برأي الكاتب، دائماً ما كانت البرازيل بلد التناقضات، حيث تجد الكرم والأنانية لدى شعبها بشكل كبير، والتعاطف والقسوة، وقلما تجد أرضاً وسطى، كما يقول البرازيليون إما «ثمانية أو ثمانين» لا مجال للوسط عندهم. وهذه الثروات متربعة إلى جانب البؤس المجتمعي، ففي مدينة مثل ريو دي جانيرو، يعيش قاطنو الأحياء الفقيرة ويموتون على سفوح التلال المطلة على الأحياء المنظمة إلى جانب البحر مثل «إيبانيما» و«كاباكابانا». كما أن الأجزاء الشمالية من البلاد تعاني من جفاف وقحط شديدين، حيث لا تزال المنطقة الأكثر تخلفاً وفقراً، وتتاخم خضرة منطقة الأمازون، مما دفع بالفلاحين للانتقال إلى الغابات.

[rouge]البرازيل في عيون العالم[/rouge]

يجد الكاتب أنه بالنسبة لدولة ديناميكية تشغل رقعة كبيرة على الخريطة العالمية مثل البرازيل، وتحتوي على أكبر رقعة من الأمازون، وتهطل فيها الأمطار الاستوائية الأكثر رغم وجود الكثير من المخاطر فيها، إلا أنها لا تزال مجهولة بشكل نسبي، متوارية خلف حدودها. حيث الصور التي تأتي إلى ذهن الأجانب عند الحديث عن البرازيل هي: كرة القدم، السامبا، والشواطئ، وهذا ما أثار فزع الحكومة البرازيلية عندما قامت بإجراء استطلاع في الخارج، وهناك شيئان أكملا القائمة وهي أغنية «الفتاة من إبانيما»، التي تعود إلى قبل خمسين عاماً، وربما بعض الأغاني الأخرى من موسيقا «بوسا نوفا»، وغابات الأمازون بالطبع.

يرى الكاتب أن دولة البرازيل في شكلها الجدي والحقيقي والأصلي لا تقتصر على الأزياء، والشهوانيات، والجماليات، والأغاني، فالبرازيل الصاعدة تهدف إلى إظهار البلاد في شكل آخر، يحمل القيم الجوهرية أكثر، ففي الوقت الذي اندهش العالم بمهارات لاعبيها، وثياب السباحة النسائية الضئيلة الحجم فيها، إلا أنها أصبحت من دون استعراض عسكري موسيقي مركز قوة زراعية وصناعية. فصادراتها الصاعدة تتضمن الآن الطائرات والسيارات، كما أن مزارعها تطعم الكثير من الناس في العالم، فضلاً عن أن ساو باولو، التي تظهر صورتها على غلاف الكتاب، تعد من مركز البنوك والثروة والتجارة والصناعة في النصف الجنوبي من خط الاستواء.

خلال الازدهار الاقتصادي الأخير في البرازيل، حدد مستثمرو ومحللو «وول ستريت» البرازيل، التي تشكل الحرف الأول من مجموعة «بريك» بأنها أكثر الدول الاقتصادية الصاعدة. وفي الحقيقة، عضوية «بريك» تمنح الدولة العضو الهيبة والمسؤولية في الوقت نفسه، حيث ترمز هذه المجموعة إلى التحول في الاقتصاد العالمي في القرن الواحد والعشرين، وإشارة إلى أن قوى أخرى جديدة تشارك في حمل شعلة الهيمنة على الاقتصاد العالمي غير الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان.

يبيّن الكاتب أن السنوات المقبلة سوف تقدم للبرازيل فرصة استثنائية تجذب انتباه العالم، وتذكر بقية الدول بالشكل الذي أصبحت عليه، ويسندها في ذلك إدعاؤها بانتمائها إلى مصاف الدول المتقدمة . خاصة أن هناك العديد من الأحداث والفعاليات العالمية ستحدث على أرض البرازيل أهمها كأس العالم لكرة القدم في 2014، وهي المرة الأولى منذ 1950 على أرض البرازيل، التي فازت بها خمس مرات، وستجري في عدد من المدن. وبعد سنتين من ذلك، سوف تصبح مدينة ريو دي جانيرو، أول مدينة في أمريكا الجنوبية تستضيف الألعاب الأولمبية، التي تعد الحدث الرياضي الأكبر في العالم.

ستيفان زويغ وهو أحد الكتاب النمساويين الهاربين من النازية، كان لاجئاً في الجبال الباردة لريو دي جانيرو، استقر فيها لأنها كانت تذكره بجبال الألب في أرضه الأصلية، كتب كتاباً حقق مبيعات كبيرة تحت اسم «البرازيل: بلاد المستقبل»، وفي كتابه هذا أثنى على البرازيل في خلقها «نوعاً جديداً من الحضارة»، وتوقع أن «البلاد متوجهة من غير شك لتكون أكثر اللاعبين البارزين في التنمية المستقبلية في عالمنا».

[rouge]أسئلة محيّرة[/rouge]

يرى الكاتب أن البرازيل اليوم استفاقت من سباتها، وبدأت تخطو خطواتها الصحيحة نحو النضوج الكامل، وهي رغم معاناتها من الأنظمة الشمولية في تاريخها كدولة مستقلة منذ مئتي عام، إلا أنها قطعت طريقاً طويلاً في فترة قصيرة، حيث لشعبها الدور في نقاش السياسات وتغييرها، والمصادقة على خياراتهم، فالبلاد منذ سقوط النظام الديكتاتوري فيها في عام 1985، تحولت إلى دولة ديمقراطية، تشكل نموذجاً سلمياً للدول الطامحة للتقدم.

برأي الكاتب كلما أصبحت البرازيل أكثر ازدهاراً وقوة، وقدرة على ممارسة الدور القيادي في العالم، كلما زاد اندماجها مع باقي العالم، ويجد أن هناك أسباباً أكثر تجعلنا نهتم بكيفية تفكير البرازيليين وما يفعلونه.

يتساءل روهتير أن هناك العديد من جوانب السلوكيات البرازيلية التي تحيّر المراقبين والعالم الخارجي، ونلخص هذه الحيرة بالتالي:

لماذا تسمح البرازيل بالدمار الكامل لغابات الأمازون، التي يعدّ دورها في النظام البيئي حيوياً للغاية بالنسبة لجميع سكان العالم، إذا ما كنا نود تجنب الاحتباسي الحراري؟ لماذا ترفض البرازيل بشدة الاقتراحات لتخفيف نسبة التدمير، خاصة إذا كانت آتية من الولايات المتحدة؟ لماذا تجد أشكالاً كبيرة من العنف في المدن الكبيرة فيها؟ لماذا تحول مجتمع مبني على أفكار المودة والتعاضد إلى مجتمع يغض الطرف عن حجم اللامساواة الفظيعة القائم على أساس العرق والطبقة؟ لماذا سعت البرازيل إلى إحباط جهود مجلس الأمن لضبط البرنامج النووي الإيراني؟

[rouge]كرة القدم في الحياة السياسية[/rouge]

تعد البرازيل أكثر البلدان شهرة بمهارة اللاعبين وشغفهم بالكرة، حتى أنها نالت كأس العالم لخمس مرات، وبحسب الإحصاءات يلعب ألف لاعب برازيلي في النوادي الخارجية بصفة احترافية، ويوجد في البرازيل 783 فريقاً محترفاً معترفاً به من اتحاد كرة القدم البرازيلية، وفي كل فريق يوجد ما لا يقل عن 22 لاعباً محترفاً، ليصل بذلك عدد اللاعبين المحترفين في البرازيل إلى 17 ألف محترف.

تختلف الآراء عن أصول هذه اللعبة في البرازيل، ولكن بحسب الكاتب البرازيلي المنحدر من أصول اسكتلندية إنجليزية تشارلز ميلر دخلت لعبة كرة القدم البرازيل عام 1884، وفي البداية كانت مقتصرة على العرق الأبيض، وكان البرازيليون يتجنبونها، لأنها ظهرت كلعبة أوروبية، لكن سرعان ما انتشرت بينهم، وخرج منها أشهر لاعب في تاريخ كرة القدم بيليه، ومعروف أن أغلب نجوم الكرة البرازيلية جاؤوا من بيئة شعبية بائسة، حققوا الثروة والشهرة بفضل هذه اللعبة.

في الحقيقة، تعد هذه اللعبة جزءاً لا يتجزأ من الروح البرازيلية العامة، ويظهر تأثيرها في التعابير والاستعارات الكلامية في عمق اللغة البرتغالية المحكية في البرازيل، ويذهب الكثير إلى تشبيه التعامل مع الكرة كالتعامل مع المرأة، حيث تحمل استدارتها مدلولات أنثوية جسدية، ولا يتوانى اللاعبون عن جذب المشجعات من خلال صور الصحف والمجلات. لا يقف تأثيرها على إطار اللغة المحكية الاجتماعية، بل تأثيرها الكبير في السياسة أيضاً واضح، فقد كان العديد من السياسيين البرازيليين إما لاعبين في فرق شعبية أو مشجعين لفرق معينة، فمثلاً كان الرئيس لويس إناسيو لولا دي سيلفا (2002-2010) يطعّم خطاباته بكلمات مرتبطة بلعبة كرة القدم. أما سلفه فيرناندو هنريك كاردوسو (1995-2002) كان أحد البرازيليين النادرين ممن لا يتابع أو يشجع هذه اللعبة، وكان رغم ذلك مجبراً على إخفاء نقص اهتمامه بهذه اللعبة الشعبية، خوفاً من عدم الظهور على أنه لا يمثل نبض الشارع البرازيلي، وعندما فاز المنتخب البرازيلي بكأس العالم للمرة الخامسة في 2002، قام باستقبال اللاعبين والترحيب بهم أثناء عودتهم إلى البرازيل، متّبعاً بذلك ممارسات من سبقوه من الرؤساء، حيث يتم معاملة الفائزين كأبطال وطنيين.

[rouge]نجوم الكرة فوق القانون[/rouge]

إن العلاقة بين كرة القدم والسياسة تتسم بالتعقيد غالباً، حتى إن العديد من نجوم كرة القدم يتمتعون بحصانة كالدبلوماسيين داخل البرازيل ولا تطبق بحقهم أشياء معينة. على سبيل المثال، قبل كأس العالم في عام 1970، كان الجنرال البرازيلي إيميليو ميديسي، الدكتاتور العسكري الذي كان يحكم البرازيل بقبضة حديدية بين (1969-1974)، حدث وأن انتقد مدرب الفريق الوطني جوا سالدنها، بسبب رفضه إضافة لاعب إلى المنتخب الوطني كان الرئيس معجباً به، وكان رد سالدنها الذي كان صحفياً وعضواً في الحزب الشيوعي أيضاً: «أنا لم أخبره من يختر لحكومته، لذلك يجدر به ألا يخبرني من أختار لفريقي»، حينها أطلق عليه الشعب لقب: «جوا الجريء»، نظراً لرده على الرئيس في زمن الديكتاتورية.

على الرغم من أن «جوا الجريء» لم يسجن بسبب كلامه، لكنه دفع حياته ثمناً لذلك، خاصة بعد أن كان قد أثار في السابق غضب الرئيس برفضه تلقي دعوة الفريق على تناول الغداء في القصر الرئاسي، ومع ذلك جنى الرئيس البرازيلي الملقب بالجلاد حينها، الكثير من خلال دعمه لهذه الرياضة، حيث كانت تظهر صوره وهو يتابع مباريات المنتحب الوطني بحماسة تلبسه رداءً إنسانياً، وعندما نالت البرازيل كأس العالم حينها، كانت آلة الإعلام للحكم الديكتاتوري تبين أن البرازيل بلد متقدم ومزدهر يتمتع بالاستقرار، ويمضي إلى مصاف القوى الكبرى، وهذا الفوز هو تأكيد وثمرة الجهود المبذولة. كما أن الرئيس البرازيلي كاردوسو كتب في مذكراته أنه عندما دعم الفريق الوطني في كأس العالم 1994 بثروته، وكان منافسه لولا على مسافة من الفريق، ولو أن الفريق لم يفز بكأس العالم لكان في ذلك خطورة كبيرة على مستقبله السياسي حينها.

في البرازيل وحدها يجد اللاعبون والمدربون أنفسهم فوق القانون، فمثلاً عندما فاز المنتخب البرازيلي في بطولة كأس العالم في 1994 في الولايات المتحدة، أحضروا معهم الكثير من الإلكترونيات الحديثة والمجوهرات والآلات ومواد ترفيهية فاخرة. وحينما وصلوا البرازيل طلب قسم الجمارك منهم دفع الرسوم الجمركية على أغراضهم. رفض اللاعبون وهددوا بمقاطعة الانتخابات، مما أجبر القيادات الحكومية على التدخل لتسهيل الأمر. وبعد العديد من المناوشات الكلامية بين نجوم الكرة والسياسيين في البرازيل، ظهر أن اللاعبين من الممكن أن يشكلوا خطراً على أصوات الناخبين ويسببوا سخطاً في الرأي العام عند توجيه أي كلمة عدائية لهم، بالتالي يبقي السياسيون مسافة بينهم وبين نجوم الكرة دائماً.

يظهر تأثير كرة القدم على الاقتصاد بوضوح، حيث تظهر الإحصاءات والتحليلات أن البرازيل عندما تفوز بالبطولات، يشعر الشعب البرازيلي بالسعادة والفخر، ويتلقون فوزهم بإنفاق المزيد من المال، مما يسهم في دعم النمو الاقتصادي وتعزيز ثقة الحكومة بنفسها . كما أن الكرنفالات الرياضية، وبطولات كرة القدم لم تعد مجرد ترفيه ومتعة، بل تجاوزت ذلك لتصبح تجارة خاصة تقدم المال الوفير للعاملين فيها، ويقوم بعض المقامرين بدفع رشى ومبالغ للحكام لتفضيل فريق على آخر، فمثلاً في عام 2005، اعترف اثنان من الحكّام البارزين بقبول مبلغ أكثر من أربعة آلاف دولار مقابل تفضيل فريق على آخر، ونتيجة لذلك أبطلت إحدى عشرة لعبة وأعيد لعبها، ويتم التعامل مع البطولات الوطنية بحذر ويقظة منعاً لتدخلات المقامرين.

في الحلقة المقبلة من هذا العرض نقرأ كيف أن البرازيل حققت قفزات نوعية في التعليم والصحة والموارد البشرية، وكيف أنها استعادت الثقة بالشخصية الوطنية وغيرها من إنجازات السياسيين، وكيفية التداخل الثقافي لديها وتأثرها بالمجتمعات الأوروبية وثقافات الدول الصاعدة.

[rouge]-[/rouge] [bleu]تأليف: لاري روهتير | عرض: عبدالله ميزر.[/bleu]

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر: جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2165458

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165458 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010