الثلاثاء 28 آب (أغسطس) 2012

«النهضة» ونهضة تونس

الثلاثاء 28 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

وزير الخارجية في الحكومة التونسية المؤقتة يؤكّد أن حركة النهضة الإسلامية برئاسة الشيخ راشد الغنوشي ستستمر في حكم تونس سنوات طويلة. يتضح من التفاصيل بعد العنوان أن هذا الكلام لا غبار عليه، ما دام صاحبه يؤكد التزام الآلية الانتخابية لتحقيق هذا الطموح المشروع، لأنه يعني التزاماً بالآلية ذاتها التي أتت بهذه الحركة إلى الحكم. وإذ يتوقّع الوزير بأن يمنح الشعب تفويضه لحركة النهضة للحكم لفترة طويلة، فهذا حقه الذي لا يملك أحد مصادرته أو حرمانه منه. لكن التوقّع شيء والمستقبل شيء آخر، قد يتطابقان وقد يفترقان، والتجارب التي جاءت بها حسابات الحقل خلافاً لحسابات البيدر كثيرة وأكثر من أن تحصى. من الواضح أن تصريحات الوزير ليست مقطوعة الجذور، فهي تأتي في إطار الرد على انتقادات صدرت عن قوى وشخصيات تونسية لأداء الحكومة وحزب النهضة، وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية، وسبقت هذه الانتقادات استقالات لمسؤولين وتنظيم احتجاجات ضد هذا الأداء سواء في ما يتعلّق بالحريات العامة والتعامل مع وسائل الإعلام، أو على صعيد الأداء الاقتصادي، أو الوضع الأمني المتوتر في كثير من المناطق التونسية، وما يجري في المساجد التي يعمل البعض لتحويلها إلى مربعات خاصة به، يقرر ما يريد بشأنها ويعيّن أئمتها على هواه.

عندما يقول الوزير وأي مسؤول، إن الحكومة الحالية بنت شرعيتها من خلال الاستحقاق الانتخابي ونتائج صناديق الاقتراع، فإن صحة هذا الكلام نسبية، بمعنى أنها مرتبطة بظرف انتقالي خاص، محلياً وإقليمياً ودولياً، عمل على تشكيل هذه النتيجة. وفي حالة كهذه فإن التشكيل الراهن لا يمكن أن يكون معياراً مطلقاً وثابتاً في حال سلكت تونس المسار الديمقراطي بالحد المعقول من متطلباته ومقوّمات النضج الكافي لعوامل تحتاج مدى زمنياً أطول كي تنضج على نارها الآليات وتسْلم من دفع الانتهازيين لها باتجاه احتكار السلطة. وليس بالضرورة أن يكون هذا الاحتكار بطريقة مباشرة، أي عبر الانقلاب على العملية الانتخابية وتداول السلطة. هناك دول تجري فيها انتخابات ومعمول فيها بمبدأ تداول السلطة، لكن في الممارسة السياسية، تظهر سلوكيات وإجراءات تهيئ الظروف لخدمة الحزب الحاكم بما يملك من سيطرة على وسائل الإعلام، وبما يحظى من دعم مالي وسياسي من الخارج، ما يضعف تكافؤ الفرص. في مقابلة فضائية مع زعيم عربي، سأله محاوره عن احتكار حزبه الحاكم لوسائل الإعلام وحرمان المعارضة منها، فكان جوابه أن وسائل الإعلام هذه ملك للدولة، وإذا أرادت المعارضة فلتنشئ وسائلها الإعلامية وفق القانون. هذا الكلام فيه كثير من التضليل ولي عنق الحقيقة، إذ إنه من الصحيح أن وسائل الإعلام المقصودة تابعة للدولة، لكن الأصح أن الدولة ملك للحكومة والمعارضة وكل الشعب، كما أنه من خلال إجابته خلط بين الدولة والحزب الحاكم، وتجاهل أن وسائل الإعلام الحكومية تابعة للدولة ملك للحزب.

هناك كثير من الوسائل يمكن من خلالها تزوير إرادة الناس وخاصة الناخبين، وليس بالضرورة أن يكون من ضمن هذه الوسائل التلاعب بالأوراق والصناديق. عندما يكون هناك، مثلاً، ترهيب ومال سياسي واستخدام احتكاري لبعض الخدمات لمصلحة حزب معيّن، فإن هذا تزوير بوسائل أخرى، ولا بد أن تتشكّل مؤسسات دستورية على أساس مهني وقانوني تحال إليها القضايا المتعلقة بتشكيل النظام السياسي، ويحتكم إليها الجميع. بعد ذلك ليحكم أي حزب يختاره الشعب بإرادة كاملة، لمصلحة نهضة البلاد قبل حزب يحمل اسم النهضة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165473

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165473 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010