الاثنين 27 آب (أغسطس) 2012

قمة الانحياز لطهران!

الاثنين 27 آب (أغسطس) 2012 par د. محمد صادق الحسيني

يوم انعقد المؤتمر الإسلامي الثامن في كانون الأول/ ديسمبر من العام 1997م في العاصمة الإيرانية طهران كتب كثيرون يومها أن مجرد اختيار إيران واتفاق الدول الأساسية الكبرى ومن بينها السعودية على ان تحتضن طهران هذه القمة في ظروف كانت تعتبر الأصعب بين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة والبلدان العربية «المعتدلة» لاسيما في ظل «الشراكة الإستراتيجية» المعلنة يومها بين «تل أبيب» وأنقرة، بان طهران هي العنوان أكثر من أي عنوان آخر كان قد اختاره المؤتمر لنفسه!

يومها انعقد المؤتمر تحت شعار الكرامة والمشاركة والحوار وهو الشعار الذي كان يستأهل ان يعاد تكراره في قمة مكة الإسلامية الأخيرة وهو ما لم يحصل للأسف الشديد!

على أية حال فالعيون اليوم وبعد خمسة عشر عاماً من ذلك التاريخ تتجه من جديد نحو طهران ولكن هذه المرة بسبب احتضانها للقمة السادسة عشرة لدول عدم الانحياز.

وهي القمة التي سيحضرها اكثر من مائة دولة عضو في ثاني اكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، تؤكد التقارير بان اكثر من خمسين دولة منها ستمثل على مستوى الرجل الأول في البلاد، هذا إضافة الى حضور ممثلين عن عشرين منظمة دولية، بالإضافة الى الأمين العام للأمم المتحدة وضيوف شرف مثل بوتين وعبد الله غول وآخرين!

كما في القمة الإسلامية كان ثمة مشككون وضاغطون وأموال إغراء او ابتزاز مدفوعة جاهزة في محاولة لمنع حضور البعض او تخفيض مستوى الحضور يحصل في هذه الساعات بشأن القمة الجديدة، والأكثر غيظاً وحنقاً وحماسة في الوقت نفسه للضغط وابتزاز الدول هم «الإسرائيليون» الصهاينة والمتغطرسون الأمريكيون.

وكما لم ينجحوا في ظروف كانت فيها إيران اضعف مما هي عليه الآن وكانوا هم أقوى مما هم عليه الآن، فإنهم لن يتمكنوا في القمة المرتقبة قولاً واحداً!

لا تقدير الموقف ولا موازين القوى ولا حرب صراع الإرادات المشتعلة بين الجبهتين المعادية لإيران ومحور المقاومة او المناصرة لهما ستسمحان لنتنياهو وأسياده ان ينجحوا في ذلك، ولا حتى تسارع التحولات الإقليمية والدولية واصطفافات المتخاصمين فالرابحون باتت صورتهم ساطعة أوضح من الشمس في رابعة النهار!

تصوروا فقط ومن باب المثال لا الحصر هو ان ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز كان التصريح عنده أقوى من التلميح لدى حديثه مع الرئيس نجاد خلال القمة بأنه يتمنى ان يكلفه الملك عبد الله بتمثيل المملكة، طبعاً باعتبار ان العاهل السعودي لا يستطيع السفر، هذا فيما استعجلت المنامة بإعادة سفيرها الى طهران رغم كل الصراخ حول تدخل إيران في ثورة البحرين، وهي تناقش حالياً أعلى مشاركة ممكنة بمن فيهم شخص الملك، منتظرة إشارة طهران لعلها تقبل بإعادة سفيرها الى المنامة حتى تفهم منه بان مليكها مرحب به عندها!

أما الرئيس المصري محمد مرسي فانه وكما تؤكد الأنباء فانه سيشارك على رأس وفد من مائة شخص، ما يعطي الانطباع بان مصر حريصة على استعادة ثقلها الإقليمي ودورها الريادي في هذه الحركة العالم ثالثية والتي حفر الرئيس الراحل عبد الناصر اسمه الخالد في تضاريسها أياً كانت وجهة نظر الرئيس الجديد بناصر والناصرية فهو لا يملك إلا ان يأتي الى طهران وهو محمل بعبق ناصرية هذه الحركة الاستقلالية.

ثمة ثلاثية وأخرى رباعية ستحكم أجواء المؤتمر كما يقول المتبحرون في ردهات ودهاليز أعمال المؤتمر الثلاثية وهي مصر وإيران وفنزويلا باعتبارهم الثلاثة الأعضاء السابقين والحاليين واللاحقين، وهم الساعون والحريصون اشد الحرص على مشاركة ان لم يكن مناكفة او قل انتزاع جزء من قيادة العالم من الأحادية الأمريكية، خاصة إذا ما علمنا بان عنوان المؤتمر العريض هو نحو إدارة مشتركة للنظام الدولي في ظل سلام عادل ودائم!

أما الرباعية فهي إيران ومصر والسعودية وتركيا، وان كانت الأخيرة ليست عضوة بل ضيف شرف إلا ان الإيرانيين الذين التقطوا المقترح المصري حول سورية في قمة مكة الإسلامية مصممون على تحويله الى مبادرة تخرج دمشق من دوامتها الحالية، فالمقترح المصري الذي قضى كما عرضه الرئيس مرسي ان تدخل إيران وتركيا كطرفين فاعلين مؤثرين لدى طرفي الأزمة السورية فيما تحضر كل من مصر وتركيا كمراقبتين لإيجاد حل سياسي وسلمي لها.

عظيم، ماذا يعني هذا؟

هذا يعني ان الثقل المصري العائد مع التصميم الإيراني المعروف بحزمه سيسحبان البساط من الأيدي الدولية العابثة بالأزمة السورية لأهداف باتت معروفة للجميع، ويجعلانها قضية إقليمية تخص أهل الدار، والأمر الثاني وهو ما سيفضي آلياً الى جعل إيران جزءاً من الحل كما هي تعتقد ومعها كان كوفي انان والذي بسببه أحرج فاخرج، وليست جزءاً من المشكلة كما كانت تصر أمريكا ولم تحصد حتى الآن سوى الخيبة والفشل، خاصة إذا ما نجح رئيس الديبلوماسية الإيرانية علي اكبر صالحي بجمع الدولة وجزء مهم من المعارضة حول طاولة حوار في طهران كما وعد في آخر تصريح له مرجحاً ان يحصل ذلك كمبادرة من المؤتمر أيضاً وان يحصل اللقاء فعلاً بعد نحو أسبوعين!

ما تقدم يعني باختصار هو ان من وصف مؤتمر طهران الإسلامي في العام 1997م بأنه مؤتمر التوافق على طهران يستطيع اليوم بقوة أكثر ان يصف او يوصف مؤتمر طهران الحالي بأنه مؤتمر الانحياز لطهران!

ببساطة متناهية لأنه لم يبق من مفهوم عدم الانحياز الأصلي الذي صنعه نهرو وسوكارنو وعبد الناصر بداية في باندونغ في العام 1955م ومن ثم التحق بهم تيتو في بلغراد في العام 1961 م سوى الانحياز بعد ان تآكل احد المعسكرين وأصبح بمثابة العدم فيما الآخر يسارع الخطى بالأفول والانحسار في طريقه للانعدام، عندها تحين لحظة التخيير بين العدم والانحياز ولم يعرفا عاقلاً او حكيماً إذا دار الأمر له بين العدم او الانحياز ان اختار غير الانحياز!

وهكذا يفعل غالبية عقلاء العالم في توجههم اليوم الى طهران وهو ما أشعل نار غضب الصهاينة والأمريكان!


titre documents joints

قمة الانحياز لطهران!

27 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
326.9 كيلوبايت

د. محمد صادق الحسيني

كاتب وباحث إيراني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2176619

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2176619 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40