الاثنين 27 آب (أغسطس) 2012

مصر: انهيار خرافة الاقتصاد الإسلامي وتكرار صناعة الديكتاتور

الاثنين 27 آب (أغسطس) 2012 par وائل عبد الفتاح

[bleu]لا ضير من قرض من صندوق النقد الدولي. ولا مانع من فتوى دينية لشيخ سلفي تحوّله إلى قرض «حلال» ما دام سيعزز حكم الرئيس الجديد محمد مرسي. «الإخوان المسلمون» مستمرون في نهجهم الاقتصادي، وحدها المفاجأة لدى الشعب، الذي يسأل كيف تقودني الدولة الحديثة إلى جهنم؟[/bleu]

‎الشيخ قالها. نعم قالها، وبكل ثقة، عندما أراد دعم حليف له في القصر أزال عنه غمة الحرام. اتهم أصحاب الأصوات العالية بالجهل، فهم لا يعلمون أن فائدة صندوق النقد الدولي ليست ربا، وهو المحرم في الإسلام. لكنها «مصاريف إدارية». قالها الشيخ وضغط على حروف الكلمة لتبدو فخمة ومعها التفسير: «إنها أقل من 1،1 في المئة ولو كانت أكثر من 2 في المئة ستكون بالطبع ربا». الدهشة ليست كل شيء هنا. لكن الصراع السياسي يسرع بانهيارات في كل الحزمة التي تحول فيها التيار الإسلامي إلى سلطة خارج السلطة.

أي عندما قدموا كل ما يُشعر مجتمعاً كاملاً بالذنب. فهذا مجتمع يعيش في «جاهلية ثانية». وهم مبعوثو العناية سينقذون الذين يعيشون في الحرام ويعيدونهم إلى «إسلام جديد». فائدة البنك كانت من هذه الحزمة التي جعلت البنوك تفقد زبائنها والنظام الاقتصادي يهتز تحت وابل من اتهامه بالحرام. كيف تقودني الدولة الحديثة إلى جهنم؟ هكذا وصلت الرسالة إلى الفرد العادي. الدولة بنسختها الحالية تدفعك إلى الكبائر. هنا وجدت الدولة حلها السحري في اختراع خط موازٍ، النموذج بدايته في دبي، مختبر الاختراعات المنقذة لدول تعيش على حافة الهاوية، ومن البنوك الإسلامية إلى فروع المعاملات الإسلامية في البنوك القائمة. حصل الفرد على مسكناته وأراح ضميره بوضع مدخراته في بنوك تحمل اسم الإسلام، وتعمل بنفس النظام لكن بمسميات مختلفة. فالفائدة اسمها مرابحة، وبدلاً من رقابة المؤسسات المالية فقط وضعت هذه البنوك تحت رقابة رجل دين يمنحها البركة وصك «الحلال». ‎الآن نحن في مرحلة جديدة. الإسلاميون في الحكم. لم يعد محمد مرسي، الذي قال في مجلس الشعب أيام مبارك إن القروض من الصندوق ربا، هو نفسه محمد مرسي رئيس الجمهورية الذي طلب رسمياً قرضاً بقيمة 4،8 مليارات دولار وتفاوض مع كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع لتطمئن هي إلى سياساته الاقتصادية وتفتح الباب أمام زيارة وفد الخبراء (في أيلول المقبل)، تمهيداً لتوقيع نهائي يداوي به القرض جروح العجز، الذي وصل إلى 13.4 مليار دولار. وهذا يعني أن القرض لا يساوي أكثر من 25 في المئة من قيمة العجز. ‎الحكومة قالت إنها محاولة لضخ أموال لاستعادة البنك المركزي توازنه بعد انخفاض قيمة الاحتياطي النقدي من 30 ملياراً إلى 15 ملياراً. وهو أيضاً ما يشير إلى أن القرض لن يفعل شيئاً. ‎لكنه يقدم إنقاذاً عاجلاً قد يعطي فورة تحقق بعض الاستقرار لمرسي في القصر. ‎وهنا ظهور الشيخ ضروري ليبرر رفض الإخوان للقرض عندما كان كمال الجنزوري رئيساً للحكومة. إنه نفس القرض، لكن أغلبية البرلمان عطلت الاتفاق لكي تحصل على الإنقاذ لرئيسها وحكومتها. ‎هذا ما يُقال في أوساط سياسية صدمها استسهال اللجوء إلى القروض، بينما لدى التيارات السياسية بدائل أخرى لا تربط مصر من جديد بعجلة الرأسمالية العالمية، ليكون اقتصادها منتجاً للكائنات الاستهلاكية.

‎الشيخ لم يكن إخوانياً فقط، لكنه سلفي أيضاً، في بداية انهيار لخرافة «الاقتصاد الإسلامي» التي ليست إلا وضع لافتة مختلفة على نفس البضاعة القديمة.

‎الإخوان بدأوا من حيث انتهى نظام حسني مبارك، متيّمون بالليبرالية الجديدة، ويجددون شبكاتها لأنها أقرب إلى مفهومهم الاقتصادي المعتمد على الوكالات التجارية (تجار هم قبل كل شيء). وسيحاولون وضع القناع الديني لسياسات تصنع الفجوات وتنتج مزيداً من الفقراء (مبارك ترك الحكم و40 في المئة من المصريين تحت خط الفقر). وهنا تتسع سياسات الخير والصدقات لتعوض غياب الدولة وانسحابها في مجال توازن الطبقات وحماية الفقراء ونشر العدالة لا الفقر.

‎المرسي يعبر عن هواه النيوليبرالي بنبرة إسلامية، ويدرك أنه جزء من منظومة أكبر مما تخيل، تدعمه أميركا في القرض، كما دعمته في تغيير طبيعة شركة الحكم مع العسكر. هذا الدعم يعيد الشركة إلى طبيعتها بعد تغيير الشركاء. ‎تندر المصريون على واقعة القروض عندما ظهرت السيدة لاغارد في زيارتها لأهرامات الجيزة، فاعتبروا أنها في معاينة للهرم حيث القرض مقابل رهن الأعجوبة التاريخية. السخرية لم تكن وحدها، لكنه اليأس الكبير من الدخول مجدداً في دوامة القروض.

وهي التي انتهت إلى رهن قناة السويس أيام الخديوي إسماعيل وبالمشاركة في حرب تحرير الكويت أيام مبارك... فإلى أين ستنتهي مع مرسي؟ وكيف سيرمم الإسلاميون خطابات اللوم وتحريم الدولة الحديثة؟ من سيدفع فاتورة ترسيخ شركة الحكم الجديدة؟

[rouge]جماهير «افرم... افرم» [/rouge]

بينما كانت جماهير المرسي تهتف له: افرم... افرم، كان هناك شيء يُرتّب في القصر الرئاسي. الرئيس سيعفو عن الصحافي الذي حبسته المحكمة بتهمة إهانته. ‎جماهير «افرم» انتقلت بصعوبة الى مرحلة الصمت، لم تستطع تبرير سماحة الرئيس بعدما كانت تبرر، وقبل دقائق فقط، تشغيله ماكينات فرم معارضيه.

‎المرسي أعاد سيناريو طهو من قبل، في مطابخ مبارك، بنفس النصوص والحذافير. وبنفس الأبطال. رئيس وصحافي، وبينهما محام وجمهور يدافع عن هيبة الرئيس ويعتبر أن الاجتراء عليه «قلة أدب». ‎هل الحرية تعني السفالة؟ ردّ جاهز من جمهور «افرم... افرم». هم جيش واسع من الخائفين من الحرية. ليسوا كلهم أشراراً، لكنهم جميعاً يشعرون بالاحتياج الدائم لتقديس سلطة توحدهم. الكل في واحد. لهذا لا يُفزعهم مشهد سحل فتاة أو قتل شاب، أو إهانة شخص، بقدر ما يزعجهم اهتزاز صورة الحاكم. فيه يتوحدون. يشعرون بأن لهم كياناً. الكل في واحد. الفكرة التي كانت مبهرة وملهمة لجمال عبد الناصر تبدو اليوم أسخف ما يكون. تبدو قاتلة وناشرة للخوف من الحرية تحت رايات نبيلة أيضاً. هل هذه صحافة تدافعون عنها؟ أنها سفالة وقلة أدب؟ هل تقبلون إهانة رئيسكم؟ إنهم ليسوا صحافيين؟ هذه ترسانة الدفاع عن القمع الجديد.

[rouge]تكرار صناعة الديكتاتور [/rouge]

السلطة تحمي نفسها بجمهور مشتاق إلى ديكتاتور. قبول الديكتاتور الجديد يبرر بأنه صالح ويعرف ربنا ولا يترك صلاة في المسجد. لكن هذا كله لا علاقة له بقبول ديكتاتور طيب بعد إسقاط ديكتاتور كان طيباً، ثم دخل شبكة الفساد والاستبداد.

الديكتاتورية لا دين لها. والثورة قامت من أجل تدمير أساسيات التسلط والوصاية. تدمير البنية التحتية لأي ديكتاتور محتمل وليس ضرب الصحافة وترهيبها وبث الشعور بالذنب بتعميم تهمة الفساد والسفالة والتضليل. الصحافة كلها معرضة لهجوم ضار من السلطة وعبيدها وعشاقها والطيبين الذين يدورون في مجال مغناطيسها. هجوم يجعلهم يتحسسون مسدساتهم كلما سمعوا كلمة صحافة. السلطة لا تريد صحافة إلا صحافة بيضاء مثل الأكل الصحي المثالي الذي لا يوجد مثله إلا في دول الجليد. كل صحيفة تعبر عن أفكار وخيال ومصلحة ليس بالضرورة التي تمثلها السلطة أو تلتقي مع عموم القراء. انتهت منذ فترات ما يسمى صحافة الشعب كله التي كانت السلطات تؤممها لتوجه من خلالها شعبها الطيب.

الصحافة لا ترضي جميع الطبقات والأفكار بالضرورة حتى لو تحولت إلى إعلانات مبوبة للحزب الحاكم وسيده في القصر. مرسي وجماعته ورثوا الاستبداد ويعيدون إنتاج التسلط والقمع.

ليس لديهم خيال جديد يقدمون به صورة جديدة للحاكم ولا لأنصاره. هم اختاروا نوعيات من صحافيين (توفيق عكاشة وأمثاله) ليكونوا مبرر ضرب الحريات في الصحافة. هم اختاروا معارضتهم ومنافسيهم ليجدوا ألف يد تصفق لحبس صحافي أو إغلاق قناة بتهمة موروثة من أزمنة الاستبداد. تهمة مطاطة تورط المحاكم في الدفاع عن الحاكم. بدلاً من التفكير في تأسيس الحرية للجميع، يختار مرسي وجماعته إعادة تأسيس السلطوية. عكاشة وصحافته من صناعة القمع، وما يحدث له الآن هو رغبة في انتقال الصناعة من الحزب الوطني إلى جماعة الإخوان، لأن القمع ينشر الخوف والنفاق والتضليل والبحث عن سند في السلطة. الحرية ليست بذلة تفصلها على مقاسك. وإذا كذب الصحافي يعاقب على الكذب لأن هناك معايير أو مستندات ستقول إنه كاذب. لكن هناك من يعتبر أن كل ما تكتبه إهانة للرئيس. ألا تعرفون أن الموظف العمومي معرض لكل أنواع النقد بما فيها الشتائم؟ على من لا يتحمل أن يغادر موقعه. وعلى عكس الأنظمة المتسلطة، الفرد العادي تحميه القوانين أكثر مما تحمي الرئيس، لأن الفرد بلا سلطة. عشنا سنوات طويلة في تكريس قداسة الحاكم. اتركونا قليلاً نكرس الحرية للجميع.

[rouge]ما قل ودل[/rouge]

أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، أمس، حكماً غيابياً بالسجن خمسة أعوام على مواطن مصري يدعى عمر عفيفي، وبالسجن عاماً مع إيقاف التنفيذ على 75 آخرين، لصلتهم باعتداءات على سفارتي «إسرائيل» والسعودية في القاهرة العام الماضي. وكان محتجون قد اقتحموا السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة في أيلول الماضي في أعقاب مقتل خمسة من حراس الأمن المصريين على أيدي جنود «إسرائيليين» كانوا يلاحقون متشددين.

[bleu](أ ف ب)[/bleu]

[rouge]الحلم بدولة خلافة [/rouge]

أمام مسجد عمرو بن العاص، فاتح القاهرة، يحب المرسي الصلاة، في إشارة مستترة الى أنه، كما قال ونسي، صاحب الفتح الإسلامي الجديد. الحرس الجمهوري في كل مكان. وقناصة أعلى الجامع وميليشيات إخوانية تحرس الرئيس الساري من قصره الى قلب القاهرة ليحتفل بالعيد.

وها هو أمير المؤمنين يمرّ من البوابة الإلكترونية. مرورٌ لن يسمح للعشرات بالصلاة، وسيسمع أمير المؤمنين «حسبي الله ونعم الوكيل» في هتافات موجهة ضده من أهل القاهرة.

يريد المرسي الركوب على صورة أمير المؤمنين، الذي يصلي في الجامع، ويخطب في المصلين ويؤم الصلاة. هذه هي الصورة التي يضعها في مواجهة الصورة القديمة للرئيس. هذه هي المسافة بين إعادة نظام والدخول في نظام. لعبها السادات بمهارة، وهو يريد الإفلات من سيطرة المزاج اليساري على الدولة بعد عبد الناصر؛ فذهب ليكون الرئيس المؤمن، وتعدّدت أقنعته بين الرئيس المقيم في جدول أكثر 10 رجال أناقة على مستوى العالم، والفلاح الذي يرتدي جلابيته الريفية في جلسات قريته. بين العلم والإيمان، بدت أقنعة الدين لافتة. بداية من علامة الصلاة البارزة (يسمونها الزبيبة) في جبهته، ثم إضافته الألف واللام بخط يده لتصبح الشريعة الإسلامية مصدر التشريع في دستور البلاد.

الجنرال المقنع كان يبحث عن شرعية يقاوم بها عدوه (الإسلامي) الذي استدعاه ليحميه من شريكه السابق (اليساري)، في لعبة سلطة من طراز ممتد المفعول. هناك بالطبع من يتصور أن العودة الى نظام سياسي قديم يمنحهم قداسة أو حماية مرتبطة بالدين أو بالتقاليد. وهذا هو الخطر. لأن الأنظمة الحديثة التالية للثورة الفرنسية نزعت القداسة والاستثناء عن الحاكم. لم يعد بطلاً أو مقدساً. وهذا هو الفرق بين البيعة والانتخابات وبين البطولة والوظيفة.

تكشفت لعبة الأقنعة، لكن لا تزال تيارات تشحن أنصارها بفكرة الحلم بدولة الخلافة. تفسر خطايا دولة الاستبداد بأنها ابتعاد عن يوتوبيا دولة الخلافة التي لم تكن يوتوبيا؛ فالفتنة والظلم لم يكونا بعيدين عنها. وسنوات العدل كانت قصيرة مقارنة بسنوات شهوة سلطة. والأهم أنها مجرد نظام سياسي كان مناسباً لزمنه، وليس منزلاً من السماء، ولا يصلح لكل زمان ومكان. نحن في قلب المعركة من جديد: الحلم بدولة خلافة.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر: جريدة «الأخبار» اللبنانية | وائل عبد الفتاح.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165266

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165266 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010