الأربعاء 16 حزيران (يونيو) 2010

حصار «فتح» و«حماس»

الأربعاء 16 حزيران (يونيو) 2010 par حسام كنفاني

أحدثت الجريمة الإسرائيلية بحق «أسطول الحرية» ثغرة في جدار الحصار على قطاع غزة. ثغرة باتت الشغل الشاغل للعالم، الذي فقه اليوم فقط أنّ الحصار «غير قانوني» ويجب ألّا يستمر، رغم أنه ممتدّ منذ أكثر من ثلاث سنوات. ليس العالم الغربي وحده من تنبّه إلى وجود مليون ونصف مليون فلسطيني عالقين بين براثن الإغلاق الإسرائيلي والمصري، بل حتى النظام العربي بات مجبراً على التحرّك، ليس محبّةً بهؤلاء القابضين على بقايا الحياة، بل لخجله من الحديث المتصاعد في المحافل الدولية عن إنهاء الحصار أو تخفيفه أو تجميله.

تحرّك مثّله الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى خير تمثيل. هو يختصر التعاطي العربي مع القضايا الكبرى. جاء موسى لتفقّد الحصار وأضرار عدوان الرصاص المصهور على القطاع. زيارة سياحية حاول موسى إعطاءها طابعاً إنسانيّاً، جاهد لذرف الدموع، لكنه لم يفلح، حتى وإن حاول إخفاء عينيه بنظّارتين شمسيّتين. «المسؤول العربي الرفيع» تكلّم كأنّ الحصار ولد أمس، وكأنّ النظام العربي غير ضالع فيه بأيّ شكّل من الأشكال، ومن الدولة الحاضنة للجامعة العربي خصوصاً. موسى أنهى جولته، وأطلق وعوده، وأدار ظهره للمأساة رامياً كلمة السر: «إتمام المصالحة» الفلسطينيّة.

ربما هنا يكمن لبّ أزمة الحصار. صحيح أنّ إسرائيل هي المتحكّمة في الشرايين الموصلة للحياة إلى قطاع غزّة، لكنْ هناك أطراف أخرى شريكة، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، في المأساة.
إسرائيل اليوم تتّجه نحو تخفيف القبضة، ليس إحساساً بالذنب، أو لفتة إنسانية مفاجئة، بل كجزء من صفقة مع الولايات المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، لاحتواء أزمة الاعتداء الدامي على سفينة «مرمرة» التركيّة.

إسرائيل وافقت على تجميل الإجراءات أو ما أطلق عليه «الحصار الذكي» على القطاع، لكن هناك من لم يوافق بعد. إنه محمود عبّاس، رئيس السلطة الفلسطينيّة ورئيس منظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين، وكل ما له علاقة بفلسطين. هذه الصفات الرسميّة لأبو مازن لم تمنعه من إبداء معارضة لفك الحصار أو تخفيفه. «هآرتس» نشرت خبراً عن طلب أبو مازن من الرئيس باراك أوباما عدم رفع الحصار عن قطاع غزة. السلطة نفت وصدّقناها، لكنّ عباس لم يترك مجالاً للاستمرار في التصديق، خرج في حوار مع صحيفة «الأيام» الفلسطينيّة ليقول ما مضمونه أن لا رفع للحصار من خارج بوابة «الشرعية»، وأكّد كلامه بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك حين وضع الحصار في سلّة المصالحة.

مغزى كلام أبو مازن واضح: المعابر يجب أن تكون تحت إشراف قوات الأمن الفلسطيني، التي يجب أن تكون موجودة داخل قطاع غزّة، وهذا لا يمكن أن يحصل قبل حلّ مشكلة الانقسام، على اعتبار أن أيّ شيء غير ذلك يعطي حركة «حماس» وحكومتها شبهة شرعية دولية، لا تريدها السلطة ولا مصر، التي منعت الفرنسيّين، باعتراف الوزير برنار كوشنير، من التواصل مع الحركة الإسلامية.

هذه هي العقدة الفلسطينية الأولى في أزمة كسر الحصار. هناك عقدة ثانية متمثّلة بحركة «حماس»، التي ليست في وارد السماح لقوات أمن السلطة، بصيغتها القديمة، بالعودة إلى قطاع غزّة، حتى بعد إتمام المصالحة.

قد تكون «حماس» محقّة في هذا المجال، على اعتبار أنّ التنسيق الأمني جارٍ على قدم وساق بين السلطة وإسرائيل، حتى في ظل الجمود في العملية السياسيّة. ومن حق الحركة أن تخشى التنسيق طالما أنها لا تزال تعتبر نفسها «حركة مقاومة»، حتى لو كانت سلطة حاكمة. لكن هل هذه هي المشكلة الأساسية؟

هذا الأمر جزء من مشكلة «حماس» مع المصالحة، التي يتجسّد أساسها في البرنامج السياسي. الأمر بات معلوماً، لا التحفّظات على الورقة المصرية ولا غيرها هي التي تمنع الحركة من التوقيع، بل الاتفاق على الخطوات السياسيّة المستقبليّة، وتحديداً المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

هذا هو فحوى الكلام الأخير للقيادي في الحركة محمود الزهّار، الذي ربط المصالحة بـ«عدم التفريط بفلسطين والقدس». ولا يوفّر مسؤولو «حماس» فرصة للهجوم على مشاريع التسوية التي تقودها السلطة الفلسطينية. لكن أليس لـ«حماس» مشروع تسوية أيضاً؟ بلى، إنها ما يمكن تسميته «التسوية البديلة»، التي تروّج لها الحركة منذ أكثر من عامين. «وثيقة جنيف» التي أعدّها أحمد يوسف شاهدة على ذلك. حتى وإن تنصّلت الحركة من يوسف، باعتباره يتصرّف من تلقاء نفسه، إلّا أنها لا تستطيع التنصّل من كلام إسماعيل هنية عن الدولة بحدود 1967 وهدنة العشر سنوات.

الحركة نفسها تتفاخر اليوم بالاتصالات السريّة التي تقيمها مع الولايات المتحدة. اتصالات، وإن كانت الحركة تراها اختراقاً للحظر المفروض عليها، إلّا أنها تصبّ في خانة التسوية البديلة. فمن المؤكّد أن حديث الولايات والمتحدة والحركة لن يكون عن العلاقات الثنائية أو تبادل الخبرات أو شراء الأسلحة أو توقيع بروتوكولات تعاون بين أيّ وزير أميركي ونظيره «الحمساوي». الحديث لا شك سيدور عن إسرائيل والصراع معها، والمبادرات التي تقدّمها «حماس» إلى أميركا، على غرار رسالة إسماعيل هنية، لا بد أن تصل إلى الدولة العبرية باعتبارها المعنيّة بها. ما يعني أنّ لـ «حماس» أيضاً مفاوضاتها غير المباشرة، وإن كانت بطريقة غير معلنة.

وبغضّ النظر عن التسوية والتسوية البديلة، فإنّ شعب القطاع في هذه الحال سيبقى خاضعاً لحصار «حماس» و«فتح» حتى إن خفّفت إسرائيل قبضتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2181612

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181612 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40